فيلم ولحن في «لقطات موسيقية» مع تلميذات مصريات

الجسرة الثقافية الالكترونية -الحياة-

للمرة الأولى تتعاون مدارس في تجارب موسيقية مع دار الأوبرا المصرية. كان ذلك في الحفلة التي نظمها المؤلف الموسيقي محمد عبدالوهاب عبدالفتاح في المسرح الصغير تحت عنوان «لقطات موسيقية» والتي تعد من الأحداث الفنية المهمة لأن ما قُدِّم يأتي من منطلقات إجتماعية ذات أهداف عدّة، الارتقاء بالمتلقي وتربية جيل جديد قادر على تذوق الموسيقى. الحفلة قدّمت بالتعاون مع مدرسة القديس يوسف التي كان لتلميذاتها دور في العرض الذي جاء في شكل استعراضي تجمّعت فيه فنون مختلفة، وُظِّفت لتعميق الفكر الموسيقي.

وتمحورت الأمسية حول فيلم «دعاء الكروان» الذي يعد من روائع التراث السينمائي المصري وهو مأخوذ عن قصة للأديب طه حسين وإخراج هنري بركات وبطولة فاتن حمامة وأحمد مظهر وزهرة العلا ويناقش قضية المرأة غير المتعلمة. وكان برنامج الحفلة على شكل خمس لقطات، بدأت بارتجالات على آلة الكمان وعلى يمين المسرح وقفت التشكيلية شادية القشيري لترسم لوحة وتنهيها مع اختتام الأمسية، فكانت معبرة عن مشاعرها تجاه الفيلم.

اللقطة الثانية لحن عنوانه «أوتار مطلقة» قدّمته مجموعة من العازفات الصغيرات تتراوح أعمارهن بين 4 و6 سنوات عكف المؤلف على تدريبهن خلال تجربة تعليمية جديدة وضع أصولها تعود بالفائدة عليهن وعلى أسرهم، محققاً من خلالها الخروج بالفن خارج أسوار الأوبرا.

أما اللقطة الثالثة فشاركت فيها بنات المرحلة الإعدادية حيث شدون بآهات جماعية مع تمثيل مشهد مسرحي بعنوان «وين هنادي ياماى»، وكان أداؤهن لافتاً. في اللقطة الرابعة عرض مشهد من الفيلم بينما عزف منفرداً على آلة الكلارينت العازف مصطفى محمود، ومن ثم قدّمت اللقطة الخامسة والأخيرة، ويعد كل ما سبق تمهيداً لها حيث دخل المسرح فريق مكون من 7 عازفين من نجوم العزف في الساحة الفنية وهم حسام شحاتة وروبرت ريتنر ومحمد رفعت (كمان) ومحمد حسن تشيللو وكريم محمد (كونترباص) وبيتر اولاي (فلوت) والدكتور سيد شحاتة (باص كلارينت).

جلسوا في الجانب الأيسر من المسرح ويقودهم المؤلف عازفين من إبداعه متتابعة مكونة من 8 حركات، بينما تعرض مشاهد من الفيلم أعاد المؤلف ترتيب مشاهدها في مونتاج جديد.

واستخدم فن الباليه من خلال رقصات حية أو بأسلوب السلويت من تصميم الفنان فاروق الشريف ومحمد أبو سريع وقدّمها ممدوح حسن وهالة عزت وسلمى. وتخلل المتتابعة ارتجالات لحنية وحوار مع العازفين. المقطوعة كتبت بأسلوب معاصر وجاءت واضحة في حد ذاتها من حيث الفكرة الموسيقية والتعبير، وهذا نابع من أن المؤلف مالك لأدواته.

ولكن السؤال: ماذا أضافت وسائل التعبير الأخرى للمقطوعة؟ بدا واضحاً أن هذه الوسائل استثمرت لمصلحة الموسيقى، على عكس كل الفنون التعبيرية الأخرى حيث دائماً الموسيقى عامل مساعد يتم توظيفها لخدمة العرض السينمائي أو المسرحي، إلا أن المؤلف تحول إلى مخرج يستخدم كل ما يتقنه وكل ما تعلمه في إيصال فكرته الموسيقية ونجح بذلك إلى حد كبير.

هذا النوع من الفنون الحديثة والمعاصرة، يحتاج أن تسبقه محاضرات للتعريف به ويحتاج إلى جمهور على درجة كبيرة من الثقافة، وعلم ووعي بالموسيقى العالمية ومتدرب على سماعها، اضافة الى أنه يحتاج أيضاً إلى فريق مدرب من الفنيين حيث يقدّم بحرفية وسرعة. يعد العمل من الناحية الفنية من أنضج أعمال المؤلف، وبدا واضحاً تأثره بالفنون المعاصرة مثل الرقص المسرحي الحديث، كما جمع فيه بين جذورنا الثقافية والتطور الموسيقي القائم على الأسس العلمية، واستخدم عناصر كثيرة تعبّر عن فكرته. وما يقدمه الدكتور محمد عبدالوهاب عبدالفتاح مشروعاً ثقافياً يحتاج إلى دعم مادي كبير لتكتمل ملامحه ويحقق التطور الموسيقي المنشود. والمميز أن العرض تضامن مع حق المرأة في عيش حياة كريمة ونبذ العنف ضدها.

وعبدالفتاح أستاذ التأليف الموسيقي في كونسرفتوار القاهرة، حاصل على بكالوريوس الفنون التطبيقية قسم التصوير السينمائي، ويحمل درجة دكتوراه في الموسيقى. سافر في مهمة علمية إلى الولايات المتحدة للتدريس كمؤلف مقيم وبروفسور زائر. تعرّف اليه الجمهور المصري في ثمانينات القرن العشرين، حيث قدّمت له أوركسترا القاهرة السيمفونية العديد من مؤلفاته التقليدية، لكن بعد عودته من الخارج اختار الطريق الصعب حيث قدم الموسيقى ذات الوسائط والتي يعد رائدها في مصر، كما أنه من القلائل على مستوى العالم الذين يجيدون هذا النوع من الموسيقى التي تُقدّم بمصاحبة فنون تعبيرية أخرى مثل السينما والمسرح والغرافيك.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى