في رواية جديدة لإيرين ساباتيني: زيمبابوي تطارد أبناءها في سويسرا

الجسرة الثقافية الالكترونية

 أحمد شافعي #
في روايتها الأولى “ابن الجيران” التي فازت بجائزة أورانج للكتّاب الجدد سنة 2010، أبدعت إيرين ساباتيني شخصيتين أوشكتا على القفز من الصفحات.

تدور أحداث الرواية في زيمبابوي حديثة العهد بالاستقلال وترصد علاقة غير طبيعية استمرت لعشرين عاماً بين لينديوي “الملونة” وإيان الأبيض. وكانت ديناميكيات علاقة الحب التي جمعت بينهما ومصاعبها رمزا للصراعات العرقية في البلد الذي لا يزال يعيش إرث الأبارتيد. وتمثلت مهارة ساباتيني الأكيدة في إبداع شخصيتين لهما من الكارزمية والتعقيد ما مكّن حبهما من النجاة برغم البنى العنصرية المهيمنة.

في روايتها الثانية، “مستر لافرمان” الصادرة حديثا عن دار هاميش هاملتن، أبدعت الكاتبة محرِّكا روائيا جديدا يتمثل في روبرتو ذي السنوات العشر الذي يروي الرواية بصورة فاتنة تجعل عدم الوقوع في غرامه محالا. روبرتو مزيج ساحر من الكبير والصغير. خياله الفادح وبراءته تجعلانه يبدو أصغر من عمره كثيرا، فهو على سبيل المثال يتساءل عما لو أن بوسعه أن يتلاعب بجاره الكبير الغامض ذي الندبة مسيو رنوار ليجعله ينفذ المهام التي يريدها من خلال السيطرة على عقله فقط، ويسأل: “ماما، هل يمكن أن تقتلي شخصا من خلال التفكير فقط؟”. لكن اللغة التي يستخدمها والأفكار الثاقبة التي ينتهي إليها لا تتماشى وعمره، فهو على وعي بمفاهيم من قبيل الديمقراطية والأناركية.

يعيش روبرتو في سويسرا مع أسرته، ومن خلاله نرى هذه الأسرة. فنرى الأم والكاتبة الزيمبابوية التي تعمل على رواية عن “مصاصي الدماء” الذين تحتقرهم لأنها لا تستطيع أن تحملهم على التفكير العميق. ونرى أباه الإيطالي الذي يعمل للصليب الأحمر ويتنقل كثيرا في نقاط ملتهبة من أوربا الشرقية. ونرى شريك روبرتو الأدبي، وهو أخوه المراهق جورج، مشجع فرق كرة القدم الأفريقية، والمهووس بأن يبدو أنيقا وأن يكون معشوقا من فتيات الحي. جورج ابن الأسرة المقيمة في سويسرا، المنتمية إلى الطبقة الوسطى، يدرس اللغة المندرية في مدرسة خاصة في جينيف. وبرغم أن روبرتو يتعرض لمضايقات طول الوقت من شقيقه، إلا أن دفء المشاعر بينهما دائم وملحوظ. والحق أن العلاقات الأسرية في هذه الرواية بالغة الواقعية وشديدة الطرافة في أحيان كثيرة بفضل مقدرة ساباتيني المثيرة للإعجاب على تبني نظرة روبرتو ذي السنوات العشر في أكثر الأوقات.

ومع ذلك، هذه ليست رواية لطيفة تبعث على الهدوء لدى القارئ. فثمة خطان سياسيان يضيفان شيئا من الإثارة. فبسبب فضول روبرتو الشديد، يتبين أن لمسيو رنوار تاريخا مظلما يتعلق بسرقة وسام صليب فكتوريا، وبعض التجارة المحظورة في أفريقيا، ومذبحة ثوار ماو ماو المناهضة للاستعمار البريطاني في خمسينيات القرن الماضي. وهناك العمة دلفيا التي تحيي أهوال زيمبابوي في ظل حكم موجابي. ونعرف بمرور الأحداث أن العمة دلفيا دفعت ثمنا باهظا لمناهضتها دكتاتورية موجابي، وتتواشجت تبعات هذا الموقف السياسي مع أحداث الرواية.

رواية شديدة الدفء شديدة الإمتاع، استطاعت أن تقتنص نظرة طفل صغير في العاشرة من العمر على حافة الكبر وتسجل رؤيته لما في العالم الكبير من مظالم ومآزق أخلاقية

………

ثقافة 24

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى