في روايته عن الأطفال اللقطاء «أبناء الوزارة»

الجسرة الثقافية الالكترونية

 

آية الخوالدة

كيف يعيش اللقطاء والأيتام تحت جحيم المراكز؟ وكيف يعيشون تحت جحيم المجتمع؟ قضية فئة مظلومة من المجتمع تناولها حسين العموش في روايته «ابناء الوزارة» الصادرة عن دار وائل للنشر، واعترف العموش بأنه مارس الخداع في عنوان الرواية، إذ توقع البعض أنها رواية سياسية تتحدث عن ابناء الوزراء. 

وأوضح العموش في حفل توقيع روايته في العاصمة الأردنية عمان، أن عنوان الكتاب مصطلح لا يمت إلى الإنسانية بصلة، أطلق على اللقطاء، وهو ما يستهجنه «غيث» بطل الرواية حين يقول «نحن أبناء الوزارة، أمهاتنا مكاتب، وأخوالنا كراسي متحركة، وعماتنا متكئات سجائر…الخ». 

وفي القاعة التي امتلأت بالحضور من مختلف أطياف المجتمع الأردني، ومن العناصر الثقافية والسياسية المحلية، قدم الحفل الصحافي إبراهيم السواعير وبدأ الحديث محمد داودية، وزير التنمية السياسية والشؤون البرلمانية الأسبق، الذي قدم قراءة سياسية واجتماعية للرواية، واصفا إياها بالمخلصةٌ للزمان والمكان، حيث وثق العموش أحداثا مختلفة مثل حدث جامعةِ اليرموك، 15 أيار/مايو 1986، التي كانت شعلةً في تاريخ الحركة الطلابية والسياسية الأردنية، كما كانت نُدبةً في تاريخِ بلدنا السياسي، وبذلك يكون العموش تناول هموم الشباب وانشغالاتِهم، وحيويتِهِم، وإصرارهم على تحقيقِ أهدافهم، كما رصدت المؤثراتِ التي أدت إلى خيباتِهم المريرة، بواقعيةٍ اجتماعيةٍ مفرطةٍ في الحساسية، كانت تراوحُ بين الفوتوغرافيةِ والتسجيليةِ والاستقصائيةِ.

وأضاف داودية «تحدثت الروايةُ عن العديد من أصنافِ الخيانات، وأدانت بكثيرٍ من الاحتقار، النخبةَ السياسيةَ، التي خانت قَسَمَها وخانت شعبَها وخانت نظامَها، ومما قالته الروايةُ: «فأَوّلُ ما فعلوه هو أنهم خانوا الدستورَ وخدموا انفسَهم لكنهم – وللأمانة – قاموا بالواجبات الموكلة اليهم بخيانة».

«القِوَادَةُ هي عنوانُ المرحلة» بهذه الكلمات لخص العموش القبح والفساد والخياناتِ. وبين داودية حضور الجنسُ عنصراً رئيساً في الرواية، وكان في مجمله انتهاكاً وارتزاقاً وشذوذاً، راوحَ بين السِّفاحِ والمِثْليةِ والاغتصاب والبغاءِ والقِوادةِ، في حينَ خلت الروايةُ – ما خلا ومضاتٍ- من حضور الحب الرومانسي، الذي يشبه الصّعقةَ ويُحدثُ الشّهقةَ، في إشارةٍ إلى قُبحِ الواقعِ وتشوّهِه. وتجدر الإشارةُ – بحسب داودية- إلى أن الروايةَ، تلفت انتباه مجتمعِنا إلى مظلوميةٍ مجهولة معيبةٍ، وإلى انعدامِ الشفقة والرحمة، وإلى ظلمٍ مُستشرٍ، يتغلغل في المجتمع حين تَكْشِفُ هولَ معاناة الأيتام مجهولي النسبِ، في مراكز الإيواءِ الرسمية، ورغم ذلك فقد انصف الكاتبُ جهودَ الوزيرة، في سخطها على الانتهاكات الجسيمة، التي لحقت بمجهولي النسب، التي تواصلت من خلف ظهرها، وبهذا فإن الرواية تدعو إلى أن يتم التدقيقُ الصارمُ المتلاحقُ، في الجانب البحثي الاستقصائي، المهمِ والخطيرِ، الذي قدّمَهُ الكاتبُ بحكمِ عملِه في وزارة التنمية الاجتماعية، فكتب عن تقصٍ ومتابعةٍ، بهدف إنقاذِ أرواحِ أبنائِنا المعذبين الأبرياء.

وحول المكان في رواية العموش، اعتبرها داودية فضاءً، حيث لم يكن مُتَخَيلاً، ولم يكن ديكوراً، مما أضفى مصداقيةً وواقعيةً، على الحياة الاجتماعية، التي مرت أحداثها، على صفحات الرواية الـ 223، إذ تمكن العموش، من تحويلِ المكانِ، من ارضٍ وديكور وخلفيةٍ، كما جرت عادة كثير من الكتاب، إلى عنصرِ تشكيلٍ وإطارٍ صديقٍ أليفٍ، فحضرت أماكننا التي نحبها وتحمل لونَ عيوننا: إربدُ وعمانُ وصويلحُ وأبو نصير ومأدبا والأغوار وديرُ علا والزرقاءُ، كما حضرت سوريا المرزوءةُ ودمشقُ وطرطوسُ واللاذقية.

وأنهى داودية حديثه حول أحداث الرواية التي تراوحت بين الدراما والميلودراما السياسية الاجتماعية، التي طوّفت بنا في رحابِ عوالمَ لا اختلاق فيها ولا اصطناعَ، قدَّها الكاتبُ من صلادةِ الواقعِ ومن فظاظةِ البشرِ، مطالعةٌ جعلتنا شركاءَ في مصائرَ شخصياتِها التراجيدية، في مقاربةٍ للنماذجَ الروائيةِ التراجيدية الشهيرة، التي خبرناها في شخصية «جان فالجان» الخالدة في «بؤساء» فيكتور هيجو. وبدوره يرى الكاتب سميح المعايطة وزير الثقافة الأسبق، أن العموش كتب روايته بعقلية الصحافي والكاتب الذي يميل للنقد، وبعقلية موظف وزارة التنمية الاجتماعية، بالإضافة إلى عقلية ابن جامعة اليرموك في توثيقه أحداث جامعة اليرموك وحديثه عن العمل الطلابي والحزبي في الجامعة. وأضاف المعايطة «منذ البداية كانت الجريمة السياسية كبيرة ولم تكن إسقاطات، بل كانت أحكاما قطعية، وربما كانت لغتها قاسية «حكومات خائنة»، لكن رغبة الكاتب في تسيس الرواية كانت واضحة، ما جعله يحول بعض التفاصيل في حياة اللقيط إلى أبعاد سياسية، وأحيانا كان على حساب النقد الفني لأداء «الوزارة». 

وأشار المعايطة إلى حرص الكاتب على أن يقدم للقارئ حديثا تفصيليا عن المعاناة اليومية لأولاد المراكز، وكان الحديث عن كافة أشكال المعاناة الجسدية والنفسية والجنسية، بالإضافة إلى أداء المشرفين ومراقبتهم الموسمية والشكلية. كما ربط في كتابه بين أحداث الرواية ووقائع حقيقية، أهمها زيارة الحسين، رحمه الله، إلى دار الرغاية وتداعيات تلك الزيارة، والحديث عن تعامل الأجهزة الأمنية مع حياة «غيث» وعلاقته بها. 

ولعل اهم نقطة أشار اليها العموش – وفقا للمعايطة – مسار اللقيطين نحو الثراء في فترة زمنية ليست طويلة، رغم انهما طريقان مختلفان، فالأول أصبح ثريا بسبب علاقته مع الجهات الرسمية، والبطلة حصلت على الأموال الطائلة من خلال عملها غير الأخلاقي. 

بينما تحدث راعي الحفل عبد الرؤوف الروابدة، رئيس الوزراء الأسبق عن الأدلجة السياسية في الأدب، طالبا من العموش أن لا يؤدلج الأدب بفكره الشخصي، لآن الآخرين يملكون آراءً مخالفة، ولأن الأدب المؤدلج أيضا فشل فشلا ذريعا في كل العالم.

وقال الروابدة «تحدث الكاتب عن فئة مظلومة من المجتمع وهم الأطفال اللقطاء، وأرى أيضا أن الأديب والشاعر والفنان الأردني هم ايضا اليوم من الفئة المظلومة، في الوقت الذين يشكلون فيه مصدر الاعتزاز الوطني والأصل أن نهتم بهم، فلو فقدنا هذا الاعتزاز الوطني سندخل الصراع والانهيار، كما هو حاصل في دول الجوار. الأدب المحلي لا يصلنا والدليل أن الشباب الأردني لا يعلم عنهم الكثير وأتوقع انهم لن يكونوا قادرين على تسمية ثلاثة من الشعراء أو الكتاب الاردنيين». 

وقبل أن يقوم العموش بتوقيع روايته أشار إلى أنه حاول أن يسجل من خلالها إدانة للمجتمع، حكومات وأفرادا، وأن يطرح السؤال الأزلي «كيف لرؤساء الوزارات وللوزراء أن يحلقوا ذقونهم ويلبسوا بدلاتهم الأنيقة ويتعطروا، ويودعوا أبناءهم، كيف لهم أن يفعلوا ذلك بدون أن يلتفت أي منهم إلى نزلاء مراكز التنمية الاجتماعية».

وتحدث العموش في روايته عن الحكومات بكلمات جارحة من أجل أن تصل الصورة بدون تشويه أو تشويش، حيث يقول في كتابه «رئيس الوزراء يمارس الهبل على المواطنين، ووزير البيئة يلقي بنفايات تصريحاته في وجوه مشاهدي التلفزيون الأردني، ووزير الأوقاف يتملق رئيس الوزراء، ووزير التخطيط يخطط لمستقبله السياسي، ووزير الخارجية خارج في نزهة سياحية، ووزير البلديات لا يعرف شيئا عن البلديات الا الاسم، أما وزير الأشغال العامة فإنه يفهم في عامة الأشياء ما عدا الأشغال العامة، ووزير الثقافة آخر كتاب قرأه في الصف الخامس جيم». 

ويتابع «عندنا في الأردن فقط نقيب الصحافيين لا يكتب حرفا واحدا في صحيفته، ونقيب الفنانين يمثل على الهيئة العامة، ونقيب المحامين لا يترافع، ونقيب الأطباء ألقى بالمشرط والسماعة في يد أول تاجر خرده دخل الحارة، ثمة انفصام اجتماعي سياسي اقتصادي، ثمة خطأ في الصورة التي تصل ولا تصل».

 

 

المصدر: القدس العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى