قراءة في أعمال محمد عابد الجابري

الجسرة الثقافية الالكترونية

 

 

جهاد فاضل 

 

مشروع نقد العقل العربيّ للمُفكّر العربيّ الكبير الراحل الدكتور محمد عابد الجابري من أمّهات المشاريع الفكريّة في مجال دراسات التراث خلال القرن العشرين.

 

لعلّه ثاني اثنين في القيمة والأهمّية مع مشروع أحمد أمين: ثلاثيّة فجر الإسلام، ضحى الإسلام، ظهر الإسلام. ومع أن من غير الموضوعيّة بخس حقّ باحثين عرب آخرين أثروا حقل الدراسات التراثيّة بما أنتجوه، وفتحوا أمام البحث العلميّ في الإسلاميّات وفي تاريخ الفكر العربيّ الإسلاميّ الوسيط، آفاقًا جديدة غير مُقتحَمة، إلا أنّ المُساهمة الفكريّة التي قدّمها الجابري في ميدان نقد العقل العربيّ، وأثمرت أربعة من أمّهات الكتب في الموضوع، تضعه في موقع من يقبل التصنيف تحت باب “أصحاب المقالات”، بعبارة أبي الفتح الشهرستاني. فالجابري ما كان في تأليفه المُومأ إليه مجرد باحث مقتدر وقارئ جيد في تراث الفكر العربيّ الإسلاميّ الوسيط يستطيع أن يقدّم مُساهمة مميّزة في إعادة قراءة جوانب من ذلك التراث لقد كان أكثر من ذلك بكثير: كان صاحب مشروع فكري رامَ إمساك تاريخ الثقافة العربية الوسيط في كُلّيته لا في أبعاضه، والبحث في أمشاجه عما يؤسس وحدته وينتظم بنيته.

 

الكتاب الذي صدر حديثًا عن مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت والذي نعرض له في هذا المقال يتضمّن دراسات مختلفة قامت بها نخبة من الباحثين العرب من المغرب العربي والمشرق العربي على السواء، وتضمّن الإشادة بما صنعه الجابري في إطار مشروعه هذا.

 

وبرأي عبدالإله بلقزيز، وهو باحث مغربي، يشكّل مشروع نقد العقل العربي منعطفًا كبيرًا في فكر الجابري وفي الفكر العربي برمته “ما قبله بدايات ومقدمات، ولكنها ليست من نوع البدايات التي تبحث عن نفسها أو تبحث لنفسها عن نقطة انطلاق. إنها بدايات واعية طموحة ومقدامة وتحمل في جوفها جراثيم مستقبلها: فرضيات ومفاهيم ومفردات تحليل”.

 

ولكن هذا الكتاب غير مقطوع الصلة بما قبله للجابري، مثل كتبه: “نحن والتراث”، و”العصبية والدولة” و “الخطاب العربي المعاصر”.

 

فمن رحم هذه خرج ذاك، ولكن بعد أن تجاوز الأولى تجاوزًا جدليًا حملت معه دربة الرجل ومراسه وطول باعه في ميدان دراسات التراث الفكريّ، وقابليته لتصحيح الكثير من موضوعاته النظريّة أو لتطوير ما احتاج منها إلى تطوير.

 

ويشيد بلقزيز بالجزء الثاني من كتاب “بنية العقل العربي” للجابري الذي ينصرف فيه إلى “فحص كيان العقل العربي من الداخل” أي من حيث هو جملة من الآليات المعرفية الحاكمة لعملية التفكير ولعملية إنتاج المعرفة وإلى تعيين ما أسماه بـ “نظُم المعرفة” في الثقافة العربية، ولا نبالغ حين نذهب إلى القول إن المادة الفكرية التي حواها كتاب “بنية العقل العربي” تمثّل ثورة معرفيّة حقيقية في ميدان دراسات التراث. وأظهر مظهر لتلك الثورة جهاز المفاهيم المستعمل في الكتاب لتحليل بنية العقل وبنية الثقافة العربية الإسلامية الوسيطة، والكيفية الفذة لتشغيل تلك المفاهيم في المقاربة النظرية للتراث”.

 

ويصف الباحث أحمد ماضي “من الأردن” محمد عابد الجابري بأبرز مشتغل بالفلسفة والفكر والثقافة العربية في المغرب. طبعًا هناك مُفكّرون بارزون آخرون مثل محمد عزيز الحبابي وعبدالله العروي. لقد أثرى الجابري الفلسفة والفكر والثقافة، الأمر الذي أسهم في بروزه، وأفضى إلى الاهتمام الملحوظ بأعماله وإلى الدور الذي يضطلع به في الثقافة العربية المعاصرة.

 

ولم يسلم الجابري برأي باحثين آخرين من النقد اللاذع فثمة كتب ودراسات ومقالات كتبت عن دوره السلبي مثل كتب جورج طرابيشي. وهناك انتقادات لاذعة لآخرين من المشتغلين بالفلسفة في الوطن العربي مثل الطيب تيزيني وإبراهيم محمود، وطه عبدالرحمن، والحوار الذي دار بين الجابري وحسن حنفي والذي صدر لاحقًا في كتاب عنوانه “حوار المشرق والمغرب”.

 

وفي الكتاب تساؤل حول سبب عناية الجابري بنقد العقل العربي.

 

مردّ هذه العناية برأي البعض هو عنايته بالنهضة أو اليقظة العربية الحديثة، يذهب الجابري إلى القول إن الواقع اليومي يجعلنا نشعر بأن شيئًا ما لم يتحقق في هذه النهضة وبالتالي نشعر بأننا لم ننجز بعدُ نهضتنا كاملة.

 

إن روّاد النهضة تصوروها وخططوا لها وناضلوا من أجلها بواحد من عقلين: إما بعقل أعد “للماضي”، وإما بعقل اعتمد مفاهيم أنتجها “حاضر” كان قد أصبح في موطنه ماضيًا ثم تجاوزه، ومفاهيم لم تعرّب، ولم يبذل المجهود الكافي من أجل تبيئتها.

 

لقد فشلت النهضة ووجهت اتهامات وانتقادات إلى ميادين عديدة، بيد أن ميدانًا واحدًا لم تتجه إليه أصابع الاتهام بعد وبشكل جدي وصارم.

 

هكذا يقوّم الجابري النهضة العربية الحديثة ويتساءل المرء: ما هذا؟ إنه في رأي الجابري”العقل العربي” ذاته تلك القوة أو الملكة أو الأداة التي بها يقرأ العربي ويرى ويحكم ويفكّر ويحاكم.

 

كان يجب أن يُتناول العقل في رأيه منذ أكثر من مئة سنة نظرًا لأن نقد العقل جزء أساسي وأولي من كل مشروع للنهضة، ويتساءل الجابري: هل يمكن بناء نهضة بعقل لم يقم بمراجعة شاملة لآلياته ومفاهيمه وتصوّراته ورؤاه؟

 

ويرى الجابري أن التحرّر من علم الكلام في الأندلس قد حرّر الخطاب الفلسفي من إشكالية التوفيق بين العقل والنقل، بين الفلسفة والدين، كما أن التحرّر من الفلسفة الدينية الهرمسية حرّر الخطاب نفسه من توظيف العلم في دمج الدين في الفلسفة والفلسفة في الدين، الشيء الذي انشغلت به الفلسفة في المشرق. إن هذا يعني أن الفلسفة عندما ظهرت في المغرب والأندلس، ظهرت كفلسفة برهانيّة منذ البداية.

 

اكتسب الفكر العربي في الأندلس خصوصية متميزة برأي الجابري ويعود الفضل في ذلك إلى ابن حزم الذي أنجز مشروعًا فكريًا ذا طابع نقدي وخاليًا من هاجس”التوفيق” أو “الجمع” بين النقل والعقل أو الدين والفلسفة، ويعود الفضل لابن تومرت كذلك لأنه (قابلة) المشروع الرشدي.

 

ويستعيد الخطاب الرشدي مشروع ابن حزم عبر ابن تومرت وابن باحة، ولكن على مستوى أغنى وأعمق يستعيده كمنطق واتجاه ويتجاوزه كمحتوى ومضمون

 

ويعظّم الجابري من شأن ابن رشد تعظيمًا لافتًا للنظر ومثيرًا للاهتمام، فإضافة إلى ما يقوله بشأن تقبل عصرنا للروح الرشدية، فإن الجابري يذهب بعيدًا في تعظيمه للدور الذي نهض به فيلسوف قرطبة، وبيان أهميته بالنسبة إلى وقتنا الراهن وجيل اليوم.

 

يرى الجابري “أن الجيل الصاعد إما أن يكون رشديًا فيتقدم على معارج الأصالة والمعاصرة معًا، وإما أن لا يكون كون ولا مكان في هذا العالم”!

 

وكان قد قال قبل ذلك في كتابه “نحن والتراث”: “ما تبقى من تراثنا الفلسفي، أي ما يمكن أن يكون فيه قادرًا على أن يعيش معنا عصرنا، لا يمكن أن يكون إلا رشديًا”!.

 

ولكنّ باحثًا معاصرًا هو محمد أركون يرى غير ما يرى الجابري، فهو يقول “إن ابن رشد لم يعد ممكنًا استخدامه اليوم من أجل حلّ المشاكل والتحديات التي تواجهنا، عقلانيته لم تعد عقلانيتنا، هذا على الرغم من أنه كان يمثل العقلانية والحداثة في زمنه وبالنسبة لعصره”!.

 

ويرى الباحث المغربي كمال عبداللطيف أن جهود الجابري الفكرية تندرج في دائرة جبهة الفكر النقدي في الثقافة العربية المعاصرة، ليس لأنه صاحب أطروحة نقد العقل العربي، بل لأن مختلف أعماله الفكرية والسياسية تتسم بمنحاها النقدي، فقد وظف بعض مناهج ومفاهيم الفكر الفلسفي المعاصر لإنتاج مقاله نقدية في قضايا الفكر العربي، وسواء تعلّق الأمر بالأسئلة التراثية أم بإشكالات الحداثة والتحديث، فإن المبضع النقدي هو الأداة البارزة في أعماله، وعندما نعاين كيفيات تشخيصه للظواهر والنصوص التي يُعنى بها نكتشف الملامح العامة لاختياراته التاريخية النقدية، فنتبين أننا أمام اختيارات فكرية موصولة بأسئلة محيطها السياسي والثقافي، اختيارات وضع نصب عينيها الحاضر والمستقبل العربي.

 

ويتحدث كمال عبداللطيف عن مركزية كتاب “الخطاب العربي المعاصر” للجابري الذي مهدت نتائجه وسمحت بصياغة سؤال “نقد العقل العربي”، كما يتحدث عن أهمية نصّ “نحن والتراث” الذي تشكّل مقدمته الطويلة مقالة قوية في منهجية مقاربة التراث، كما تصوّرها الجابري وهو ينجز أبحاثه الأولى في الفلسفة الإسلامية، فلسفة الفارابي وابن سينا وابن رشد.

 

وهذان النصّان: “الخطاب العربي المعاصر”، و”نحن والتراث” يشكلان العتبة الأولى في مشروع التفكير في “نقد العقل العربي” الذي صدرت أجزاؤه الأربعة خلال حقبة تربو على عقدين من الزمان (١٩٨٤/ ٢٠٠٠).

 

ومن الصعب برأي محمد المصباحي (من جامعة محمد الخامس الرباط) تقديم أو تحليل فكر ومنهج محمد عابد الجابري لسبب بسيط وهو أنه بنفسه قام بهذا العمل على نحو لا يستطيع أن يجاريه فيه أحد، فقد قدم وحلل قراءته ورؤيته لتاريخ الفلسفة والتراث العربي الإسلامي بلغة عذبة سلسة وعرض واضح واستدلال مقنع. وما يميزه قبل كل شيء هو أنه صاحب إشكالية وأن هذه الأشكالية ذات طبيعة مركبة.

 

وعنده أن دراسات الجابري تحتل في التراث العربي عامة وفي التراث الفلسفي خاصة، مكانة مرموقة في الفضاءَين الجامعي والثقافي معًا، وهي تحظى بمكانة استثنائية بالنظر إلى ما حققته من تراكم كمي غطى عددًا كبيرًا من مجالات التراث العربي الإسلامي، وبحكم القيمة النوعية لأبحاثه التي نالت صيتًا كبيرًا.

 

لقد حقق البحث التراثي عند الجابري طفرة نوعية وهو يرقى إلى مستوى عالٍ من الوعي المنهجي ومن الحضور الفاعل في الساحة الثقافية.

 

ومن زاوية ثانية يلاحظ المصباحي أن قول الجابري بأن التوفيق بين الشريعة والحكمة هو جوهر الفلسفة العربية، إنما هو تنكر لأهمّ مكسب لثقافتنا العربية، مكسب اتصالنا باليونان واحتكاك لغتنا بلغتهم وتواصل فكرنا مع فكرهم “ونحن نعتقد أن مثل هذا التنكر يلغي قدرتنا اليوم على المشاركة مع الآخر في بناء الحداثة المأمولة، إن الدرس الذي تعلمناه من ابن رشد ومن كبار فلاسفة الحداثة، هو ضرورة الاقتراب أكثر فأكثر من اللحظة اليونانية، لأن هذا الاقتراب يجعلنا أكثر قابلية للانصات بصوت الفلسفة والعلم. إن توطيد صلتنا بالفلسفة والعلم، بأصلهما الإغريقي قديمًا، والغربي حديثًا هو أحد واجبات الفلسفة اليوم، وبهذه الجهة يجب أن نستمرّ، كما دأب على ذلك ابن رشد في اعتبار المساهمة العربية الإسلامية في الفلسفة مساهمة عالمية موجهة نحو العالم ككل، موجهة إلى مخاطب عام وليس فقط إلى مخاطب غارق في وحل تناقضات هويته الخاملة. لقد قدّمت الفلسفة العربية الإسلامية الكثير من أجل تجاوز الإشكالات الفلسفية التي صاغها الأوائل من اليونان، وعملت على طرح إشكالات جديدة وضعتها في طريق الانفصال عن الفلسفة اليونانية. ولكن هل هناك حقًا من يستطيع الانفصال عن الفلسفة اليونانية؟”

 

وينتقد المصباحي الجابري في نقاط أخرى: “لم يكن الجابري يخفي ميله إلى التأويل والقراءة على حساب الفهم والتحليل، لم يكن همّه أن يحلل معنى معطى سلفًا داخل النصّ بقدر ما كان حريصًا على إضفاء”معنى” من ذاته على النصّ، ولما كان الطريق إلى المعنى هو التأويل، فإن المعنى الذي يراد إضفاؤه على النصّ لا يمكن أن يكون فلسفيًا وإنما أيديولوجيًا، فما كان يشغله بالأساس، في مُمارسته للبحث التاريخي في القول الفلسفي، هو جدوى وفاعلية الفكر في المدينة، أي كيف استطاع القول الفلسفي أن يسهم في حل التناقضات التي كان يعانيها الجسم السياسي والثقافي الذي كان ينتمي إليه”.

 

ويوجه الكتاب انتقادات أخرى كثيره إلى الجابري منها أن تعددية الجابري المنهجية آلت به إلى ضرب من الشمولية، ذلك أن طبيعة أعمال صاحب”بنية العقل العربي” تعطي الانطباع بأنه بتبنيه لجملة من المذاهب والمناهج والمقاصد المتعارضة، إنما كان يريد أن يطوق القارئ ويحيط به من كل جانب، فلا يترك أي فرصة لمن يود الإفلات منه أو الانقلاب عليه، فالتعدد في المناهج والولاءات كان لغاية سدّ الأبواب أمام كل أمل لتسرّب الشكّ والتساؤل إلى داخل صرحه النظري: فهو بنيوي مع البنيويين وتاريخاني مع التاريخانيين، وتكويني مع التكوينيين، وأيديولوجي مع الأيديولوجيين، وماركسي مع الماركسيين..”قد يبدو هذا الوضع متسلطًا مرهقًا، ولكن عند التأمل، يمكن تبريره بالوضعية العملية والنظرية التي يعيشها العالم العربي اليوم، فقد اختار الجابري أن يسير بين التخوم: بين السلفية التقليدية والتنوير التغريبي، بين الماركسية المتشددة والليبرالية الوحشية، بين القوميين والإسلاميين، لكن دون الالتزام بصفة نهائيّة مع أيّ من هذه المذاهب، لكن تهربه من المذهبية الصارمة، والولاء القطعي، لا يعني أنه كان متخاذلًا في مواقفه، انتهازيًا في مراميه، بل إنه في عزّ توفيقيته يبدو من أعتى الوثوقيين المؤمنين بقضيتهم: العقلانية النقدية والواقعية. لقد كان يمارس مهنة المثقف بامتياز كان يكتب كالطبيعة التي تخشى الفراغ، فأي موضوع طفا على سطح وسائل الإعلام، وأي إشكال ظهرت راهنيته واهتمام الجمهور به، يكتب فيه فورًا، متخذًا منه موقفًا، ما يعطي الانطباع بأنه مثقف شمولي!

 

قدم الجابري ابن رشد في صورة فيلسوف أصيل متفتح مؤمن بتقدم المعرفة، متمتع بوعي عميق بالطبيعة المؤقتة للحقيقة العلمية، وهذه التوطئة الابيستمولوجية سمحت للجابري بإثبات قدرة الفيلسوف القرطبي على التجاوز والإبداع، هذه القدرة التي تجلت على هيئة دينامية فكرية جديدة لا نجدها عند أرسطو.

 

وهي دينامية جعلته يتجاوز أرسطو نفسه، لا داخل النسق الأرسطي فقط، بل أيضًا خارج ما يقتضيه مذهبه. وقد أفضى به هذا التجاوز إلى صياغة رؤية جديدة تمامًا مكنته من تقديم أفكار جديدة تمامًا بالنسبة إلى عصره، وتصور جديد تمامًا للعلاقة بين الدين والفلسفة. وفي مجال علم السياسة سجل حضوره القوي بآراء اجتهادية وجريئة، إلى درجة أضحى معها في تصور الجابري الفيلسوف الوحيد الذي يواجه السياسة لأول مرة في تاريخ الفكر العربي الإسلامي بخطاب سياسي صريح: منددًا بالاستبداد في بلده وزمانه وعندما كان بإزاء تلخيصه لمحاورة الجمهورية لم يسجن نفسه في الإطار الذي تحرّك فيه أفلاطون بل تصرّف كشريك في إنتاج النص والشاهد على ذلك هو رفضه التشكيك في قيام المدينة الفاضلة، ما جعله فيلسوفًا متفائلًا. أما في مجالات الفقه (كتاب البداية)، والعقيدة (كتاب الكشف) والنظر العقلي (تهافت التهافت)، فقد اتخذ الجديد والتجديد عنده معنى التصحيح الشرعي والكلامي والسياسي والفلسفي وحتى إزاء علاقته بالحاضر، استطاع فيلسوفنا أن يطل وعن قرب على مشارف العصر الحديث في أوروبا. وقصارى القول إن مشروع ابن رشد العلمي الفلسفي لم ينحصر في القيام بإصلاحات معرفية محدودة، أو تقويم أخطاء وهفوات جزئية وقع فيها السابقون عليه، وبخاصة ابن سينا ومن تبعه، بل كان غرضه إحداث القطيعة معهم وتقديم بديل جديد كل الجِدّة.

 

محمد عابد الجابري الذي يتبارى باحثون عرب كبار في دراسة ونقد فكره في هذا الكتاب، هو بلا شكّ أحد الأسماء المحترمة في الفكر العربي المعاصر، ويحتل مشروعه في نقد العقل العربي مكانة متميّزة في مجال التفكير في أسئلة التراث التي تطرح في وقتنا الراهن.

 

المصدر: الراية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى