قراءة في رواية ” طابق 99 ” / عبدالله الزيود

الجسرة الثقافية الإلكترونية-خاص- 

 

ترشّحتْ في العام 2015 عشر رواياتٍ لجائزة البوكر العربية، طابق 99 للبنانية جنى فواز الحسن وتسع روايات أخرى.

تتعرض الرواية لشخصية فلسطينية من ضحايا مذبحة صبرا وشاتيلا في العام 1982 والتي نفذها حزب الكتائب اللبناني وجيش لبنان الجنوبيّ والجيش الإسرائيلي الذي كانت مهمّته تطويق المخيّم وإنارته بالقنابل المضيئة لتتمّ المذبحة الي هزّت العالم في حينها.

هنا أشيد باختيار الكاتبة لهذه المرحلة التي لم تتناولها الروايات، أشيد بالاختيار، أما طريقة التناول فهي كارثيةٌ بامتياز!

 

سافر مجد؛ الناجي ووالده من المجزرة التي خسر فيها أمّه الحامل إلى أمريكا حيث أحبّ هيلدا: فتاةً لبنانية/مسيحية تعيش في نيويورك وتزوّجها رغم الثأر ورغم إعاقته الحركية والندبة في وجهه التي مازالت حتى الآن مبهمةَ الوصف بعيدةً عن الدلالة.

 

ثمّ ماذا؟ 

مطار نيويورك 2000: عادت هيلدا إلى لبنان (الهناك) بعد سبع سنواتٍ من الغياب وتركت حبيبها في نيويورك (الهنا)، وبدأت الكارثة الروائية التي سأسرد بعض مشاهدها للقارئ هاهنا

ص17: تؤكد هيلدا أنها ستعود (من لبنان)، وأنّ ذهابها ليس محاولة للتنصلّ من حبها، “لبضعة أسابيع”، ويتضمّن الحوار قولها: “أنت لست فلسطينًا أعرجًا، أنت الرجل الذي أحب” انتهى الاقتباس.

بعد التنويه إلى أنّ (أعرجَ) ممنوعة من الصرف، نستنتج مما سبق أنّ الفتاة ستعود، وأنها تحبّه، وهو في سياق آخر يؤكّد أنه يحبّها، إلا أن الرواية تبنى على هذه المعضلة التي تستمرّ حتى الصفحة الأخيرة من الرواية دون أن يستطيع القارئ إيجاد مبرر لمعضلة ساذجة كتلك، إذ أنّ سفر هيلدا لأسابيع إلى وطنها لا يحتمل كلّ هذه المشاعر التي تفردها الكاتبة على لسان مجد على معظم صفحات الرواية ناهيك عن الوصف السطحيّ للمشاعر المتداخلة وغير المقنعة، والحوارات التي جاءت متقطعةً وركيكة، وعن الحشو العاميّ للهجة الفلسطينيّة المكسّرة والمطعّمة باللبنانية.

 

ص21: أقتبس على لسان مجد متحدّثًا عن هيلدا: “كنت أريدها أن ترتعش حين ألمسها … ارتعاش قطة صغيرة أخذها صاحبها على غرّة وفاجأها بملامسة وبرها” بعيدًا عن التركيب اللغوي الذي يشبه ترجمةً رديئة، ثمة مشكلة في الزمن الكرونولوجي / التسلسلي للصورة هنا، إذ أن المفاجأة تحدث عند الأخذ على “حين” غرّة ثم تستمرّ إن أُرِيْدَ لها أن تستمرّ حتى ملامسة الوبر. وهذه واحدة من صور كثيرة تتضمن خطأ بالتوظيف، فقد ظهرت القطة أيضًا في موقع آخر إذ شعر مجد بأنه كالقطة التي تأكل صغارها خوفًا عليها، دون مبرر حقيقيّ للحالة التي كانت متمثّلةً باحتضانه هيلدا وهي تبكي، وهنا يجدر الإشارة إلا أن هيلدا ” لم تكن تبكي بكاءً غزيرًا، بل بكاءً مركّز” ولم أستطع إيجاد فرق واضح بين هذين النوعين من البكاء ص19.

أما عن العامية الفلسطينية فسأكتفي ببعض الأمثلة التي توضّح ما أنا بصدد الإشارة إليه:

ص65: على لسان أم مجد: “الصبي مش رح يرتحش إلا ما يوقع عن السطح”

ص97: على لسان أبي مجد: “هيدي الضيع … تخمين، شوي وراجعين” 

ص181: على لسان أبي مجد “شو حكيت، حكيتش شي غلط”

هذه بعض المقاطع التي توضّح سوء استخدام الكاتبة للعامية الفلسطينية، وقد كان من الممكن أن تستعيض عنها بالفصحى لتستر ضعف اللهجة في الكثير من الحوارات في هذه الرواية.

 

 

 

أخطاء وعثرات:

ص18: “حاولت أن تنظر إليّ بتحدٍّ، ولكنّ الانكسار والحزن غلبا عينيها” الراوي هنا هو راوٍ بطل: مجد، وهو يسرد موقفًا حصل معه شخصيًا، فهو ليس راوٍ كلّيّ المعرفة ليأتي بمثل هذه المعرفة بما أضمرته هيلدا في هذا الموقف.

ص45: “ألقّنها ثمن الغياب” وتقصد أن يلقّنها درسًا لأنها غابت

ص56: “قطفت زهرةً من شجرة أزرارها صفراء” ما هي أزرار الشجرة؟

ص56 أيضًا: الحوار بين بيلا/ هيلدا ووالدها بعد سبع سنين من الغياب حيث ركضت إليه وارتمت في حضنه:

“- أكثر من سبع سنوات، ألم تسأمي من الغربة؟

– كان الأمر ضروريًا يا أبي

– ستبقين هنا؟

– لا يزال من المبكر الجزم بذلك”

ص58: “يومها، أشعلت سيجارة من علبة سجائره وتفاجأت وهو يراها تنفخ الدخان وبدت له مختلفة” 

ص74:”سيتآكلني الشعور بالعجز” ص138: “الغضب (يتآكلني)” ص175:”وما (يتآكلني) الآن ..” ص179: “الظلمات التي (تتآكل) أرواحنا”

ص121: ” “ليسوا أفضل حالًا من القدامى (تمامًا)” ص148:” لم أكن (فعلًا) أتعمّد إيذاءها” ص184: ” حتى صارت مراهقةً وبدأ جسدها يأخذ شكلًا مختلفًا، صار لثديها حلمة يتغير شكلها (أحيانًا)” ص198: “كنت أبكي، كنت أبكي (فعلًا)” ص209: “لا تضحك. لكن (فعلًا) استسلامي في غرفتي كان نوعًا من تقبل الهزيمة” 

ص205: تجلس ماريان مع أحد المسؤولين في الجيش الأمريكي فأخبرها أنهم وجدوا بقايا جثة في العراق، وقد تأكدوا من الحمض النووي وطابقوه، ثم وبعد سطرين يخبرها أنهم وجدوا جثته في صحراء الكويت!! هذا بعيدًا عن أنّ قصة ماريان لا تخدم السّرد الروائي في شيء، وكذلك قصة إيفا وصديقها محسن/ مارك التي مُرّرت بين الصفحات دون أن يكون لها تأثير من قريبٍ أو من بعيد في مجرى الرواية التي لم تحوِ تتطوّر (زمنيًا) في أيٍّ من فصولها الأربعة.

ص209: يوضّح محمد؛ قريب مجد في المخيم سبب لجوئه إليه دون غيره، ثم يقول: “سأصبح محطّ سخرية من الجميع” ثم يصف الشّبان ذاتهم بعد أقل من سطرين بـ: “الشّبان هنا طيّبون”

 

 

 

عن المذبحة: 

الرواية حَوَتْ وصفًا لبعض المشاهد من مذبحة صبرا وشاتيلا، ولأن مجد (الراوي) لم يكن شاهدًا عليها لغيابه وأبيه عند وقوعها، تستعيض الكاتبة بشهادات الجيران، الجيران الذين شهدوا المذبحة، ” وتستخدم العبارة “حسب ما تناقله الجيران، ومن بقي ليخبر” ثم تسرد مشهدًا لرضيعة تحبو باتجاه ثدي أمها القتيلة فيطلق الجنود عليها النار، ثم يركل الجنود جارهم سعيد على خصيتيه، ثم يبصقون عليه حتى الموت!!، أحقًا هذا ما تناقله الجيران؟ وهل هذا المكان يحتمل مجازًاتٍ كهذه؟ والأغرب من هذا كله التبرير الذي جاء بعدها: “البصق لا يقتل لكنّ الإهانة تفعل”.

 

في الرواية الكثير من الاخطاء التي أظنّ أن الكاتبةَ ليست المسؤول المباشر عنها، فلو أن دور النشر العربية تفعّل دور المحرّر بشكل حقيقي لكان تجاوز كثير من هذه الأخطاء ممكنًا، ولو حصلت الكاتبة على نصيحة محبٍّ لأعادت النظر في البنية الروائية للنّص المبعثر على 264 صفحة.

في النهاية سأعطي لنفسي الحقّ بأن أسأل: هل قرأ أنسي الحاج هذه الرواية حقًا وقدّم لها؟  وهل هذا هو النموذج البديع الناضج الذي يقدّم له صلاح فضل على غلاف الرواية؟ 

 

أقول: هذه مسودةٌ لروايةٍ غير مجازةٍ في مسابقةٍ محليّة.

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى