قراءة في نص الوان الحب للكاتبة مها طنبوز – بقلم عيسى ابو الراغب

الجسرة الثقافية الالكترونية – خاص –

الخيال ، التأويل ، الشعر والحكمة

لعلنا في حضرة حروف وكاتبة ولكن لا يعنيني كثيرا أن أصنف تلك الحروف تحت أي بند من الأجناس الأدبية بل أنني بعناية كبيرة أن أجر الحرف بخياله وواقعيته وشاعريته وحكمته، إنها فرصة ومغامرة أن اختلط وتلك الحروف  ومحاورتها وفض بكارة القناعات  التي تتواجد في الحياة  وسأتهم  نفسي أني قارئ ولكن لن أقيم على نفسي الحد  بقصاص .

ولكن تلك القراءة تمتعني عموما  تمزجني بنصوص وصور ورسومات / تؤرخ للحب وميقات الحج  الشعري، هو فضاء مفتوح، وينفخ في بوق رسائله ما بين  مشاكساته ورغائبه، آلامه وتأملاته،  خربشاته وجنونه.

 

الكاتبة مها طنبوز  كاتبة لها لغة  تعنيها في ذاتها لأنها توثق بصمة  وتفتح الستار على أرجوحة من الحلم الجميل .

واقعية وفي نفس الوقت ذات خيال ماتع شفيف، وسأتناول وجبة دسمة من الحروف في نص لأحاول أن أجد ما يسحر وما يدهش وما يمكن أن يشكِّل إضافة بما تحملها إلينا  القصيدة .

ولعلنا قد نكون منصفين إن أطلقنا علي النص  عنوان (ألوان الحب )

ولعل الكثير لا يحب أن يفصل في كينونة الحب  أو يدخل في تفصيلاته بل يأخذه كوحدة مكتملة

ولكن  هنا في النص ألوان الحب  تُرسي الكاتبة جنونا وتعقلا  ووصفا شاعريا  وتحملنا من مكان لأخر لتعلن في ذاتها وللكون أن الحب بكل مكان  وليحاول كل منا أن يرى ألوانه كما يشاء ويرتشف من خمره حتى ثمالة

الحب من خلف الأطياف

تحليق وابتعاد

وانعكاس لذات مُرهقة

بسلبياتها المتصاعدة ..

يُفقد به راحة البال

رغم أنه يلوننا بأجمل الألوان ..

وألمه بإحساسه الخفيف

يراودنا من خلف ضباب غير واقعيٍ و كثيف ..

والحلم به يقترب بنشوة

لكنه يبتعد دوما عن التفاصيل ..

يسكننا طيات السماء

ومابين الغيوم السمان

ليثقل قلوبنا بالأحلام

ونحن نداعب الرمال

في غيمة غير ماطرة للخيال ..

والواقع منه

لا تنفك الحياة به عن الإذهال

ورقاص ساعته يسقط في شباكه

وهو يحاول التصور والتمثيل بعيدا عن النسيان ..

لاذع حيوي ومزعج

هكذا نجده في الواقع

بعد إعادة التدوير

يتخبط أمامنا

يتلصص من حولنا

ليقطف ورودنا

ويسقط زهورنا

لنسكن في أعماق البحار

ونراقص من خلف أمواجهه

نغمات الكمان ..

ولعل في بداية النص عندما تقول

الحب من خلف الأطياف

تحليق وابتعاد

محاولة كبيرة وجادة أن تقول وبصوت واضح جلي  إن الحب بكل مكان وليس في حدود محاصرة بما نراه فخلف الطيف  هناك تحليق وابتعاد، وهذا مما يحسب للكاتبة أنها لم تدخل دائرة الحصار المكاني والزماني

ولعلي  أريق حبرا من دمي هنا بدعاء  عشقي  ووافر بالحب

الاهي زدنا أثما أن كان الحب إثما

واغفر سهوتنا عن كل ما ليس عشقا

تنفسي من كبدي

تنفسي من رئتي يا أيتها التي اخلقها من مشيئة الرغبات

 

وهنا في مقطوعة غنائية تقول (يراودنا من خلف ضباب غير واقعيٍ و كثيف ..)

ونقف هنا عند كلمة يراودنا  وهي بعناية خيالية بعيدة المدى أيضا  فحيث المراودة تكون  وجه وأخر يقابله أي أن الأمر التحام وتجانس وفي هذا الحال يكون كما قالت غير واقعي أي أنه يصيب بما يشبه لوثة الجنون المرجوة والمحببة  والكثافة  تعتمد على القدرة على الانغماس   في بوتقة الحب

ثم تبدأ الكاتبة في إيجاد الإسقاط الصوري الموفق   في النص ويتضح ذالك جليا في قولها

يسكننا طيات السماء

ومابين الغيوم السمان

ليثقل قلوبنا بالأحلام

ونحن نداعب الرمال

في غيمة غير ماطرة للخيال ..

ولو حاولنا هنا فك الحروف والصورة لوجدنا أنها تبدأ  (يسكننا ) فالحب سكن وطمأنينة ورحمة ومودة  وبقولها الغيوم السمان أي انه يهبنا   الكثير والدلالة كلمة السمان

ومرة أخرى  اختلط مع الكاتبة بحبر دمي قائلا

ماذا قلت لأخر ما رميت من الحصى

أنا قلت أريدك

لتعلمني العناق طويلا تحت المطر

وأريده ليبكي بين يدي كالطفل

وأريده ,,,,,,

من اجل أسباب كثيرة

أولها الحب

ثم ترحل في المخيال المكاني طائرة من السماء للأرض   بقولها نداعب الرمال فالرمال مكانية أرضية

ثم تعلن أن كل شيء مما هي فيه أو من يمتلك في قلبه الحب  يفوق الخيال

أما في قولها (وهو يحاول التصور والتمثيل بعيدا عن النسيان ..)

فهذا جذب موفق  للصورة  في الضد والمضاد حيث تكسر حدة الذاكرة ومن ثم تعلن  كسر النسيان  والإيقاع الواقعي للحب في الحياة

أما في خاتمة النص  فكانت موفقة لحد بعيد بقولها

لاذع حيوي ومزعج

هكذا نجده في الواقع

بعد إعادة التدوير

يتخبط أمامنا

يتلصص من حولنا

ليقطف ورودنا

ويسقط زهورنا

لنسكن في أعماق البحار

ونراقص من خلف أمواجهه

نغمات الكمان

..لاذع فتلك الصورة شفيفة  عميقة حيث أن اللذع  للطعم يطلق  فهي هنا  ترسم لنا صورة أن للحب نكهة وطعم ومذاق وبكلمة مزعج هي لا تعني المباشرية بل تعني الحالة المغايرة  وفي الأدب يسمى هذا الجذب بالمعاكس .

وتنهي النص   ببهجة حتى لا تثقل كاهل القارئ أو المستلذ بالحرف   فتجذبه إلى البحر والرقص والعزف

إذن  نجد  أنفسنا أمام نص نص مليء بالأمل  الحب الحكمة الشاعرية المترابطة في كل محطاته، يتجلى ذلك عبر سرد يمكن له أن لا يغرق في استهلاكية نصية  أو تكرارية  مطولة  على حساب الصورة والتمثيل في النص الأدبي فهي غادرت حافة الانهيار وأمسكت حبال التماسك في دواخل النص

 ونجد أنفسنا أمام نص إنشائي  وليس بمعنى الإنشاء في اللغة بل من حيث التراكيب إي كمن ينشئ بيتا معمورا  من بدايته لمنتهاه .

 

وفي خاتمة القراءة لعلنا نقول مها طنبوز كاتبة   تحاور الحب كيفما تشاء وتعلن حريتها في هذا وليس  بالضرورة أن تكون واقعة الحرف شخصية بقدر ما تكون إيمانية ومعتقد راسخ يجول ويركن في دواخلها لتبرز تلك الفكرة التي نشأت عليها  وهذا يظهر جليا في تأكيد والداها  أثناء توقيع كتابها حرير المعنى الذي أقيم في العاصمة الأردنية عمان  والذي قمت بتقديمه  متشرفا بهذا  حيث وصل الوالد الكاتب العارف بمخارج الحرف وأركانه وصلاته انه دوما يدفع بمها طنبوز للكتابة عن الحب لان الحب أساس لا غنى عنه ولكن بدون إسفاف ولا أقنعة تلبسها للحرف بل تظهر الأمر حليا شعوريا مريحا لها وللقارئ .

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى