«قصة حب»: هندسة دراميّة من بطولة الكاتبة أولاً

الجسرة الثقافية الالكترونية

 

امين حمادة

لا يعد «مثلث الحب» الذي اختارته نادين جابر، كاتبة مسلسل «قصة حب»، جديداً في الدراما التلفزيونية، ولا دارجاً فقط في العربية منها كما يحلو لبعض «النقد» أن يزعم إلى جانب أمور أخرى، بل هو قبلها في التاريخ في أشكال لا تعد ولا تحصى، وفي الأدب الذي خطّ منابع كثيرة للدراما المصوَّرة نفسها.

في إلياذة هوميروس، هناك هيلين وباريس ومنيلاوس، وفي الكوميديا الإلهية يضع دانتي جيوفاني في الجحيم لقتله زوجته فرنشيسكا وشقيقه باولو بسبب علاقتهما. ويستمر «المثلث» في أعمال الشاشة الصغيرة كـ «True Blood»، والكبيرة كسلسلة «Twilight».

تعرف جابر جيداً، أن هذا الشكل الهندسي في الدراما قابل للحياة حدّ اللانهاية، بتغير الزوايا والمسافة والتبادل بين رؤوس المثلث، بخاصة أن الحبكة بين طرفين لا ترقى إلى العقدة بلا عنصر ثالث، قد يكون شخصاً أو حدثاً.

فخطّت الكاتبة رسمها بـ «لين» (نادين الراسي)، المصورة الفوتوغرافية التي تحمل في أعماق قلبها بقايا حب لطليقها «رجا» (باسل خيّاط)، قبل دخول الروائي المصري «نائل» (ماجد المصري) فيحوّل الخط المستقيم إلى مثلث يحافظ على النمطية في التناقض الجذري بين الضلعين المتنافسين إلى قلب الرأس الحائر بينهما، الخيار المثالي والخيار الجاذب، الرجل الأناني والآخر المعطاء…

ويتصاعد الصراع داخل المثلث الرومانسي وخارجه، ممتداً في خطوط جانبية قائمة على الحب في وفاء لعنوان العمل، كالعلاقة بين «ميرا» (سارة أبي كنعان) و «بلال» (هيثم سعيد) ورامي (يوسف حدّاد)، وتعطّش «كاتيا» (ليليان نمري) الى الغرام، إلى أن تكتمل الذروة بلحظة وقوف «لين» بين صوت «رجا» الذي يندهها للرجوع إليه وعدم إكمال مشوارها باتجاه نظرات «نائل» التي تنتظرها لإتمام الزواج، فتختار الكاتبة إيقاظ «نائل» من وهمه ليتبيّن أن أحداث الحلقات الماضية كانت تدور في رأسه حصراً، بشخصياته التي صنعها على الورق.

شخصيات تميَّز بأدائها، خياط الذي استند دائماً إلى إحساس داخلي، وأبي كنعان التي أثبتت بإمساكها أدواتها بإتقان أن حجم الدور يظهر بحجم الممثل لا العكس، في حين أدّى المصري والراسي بمبالغة تظهر وتختفي، مقابل عفوية نمري، بينما لم تصل خلطة الجنسيات إلى المبرر الحقيقي بقدر التسويقي.

وتثير خاتمة العمل الذي انتهى عرضه قبل أيام، الجدل حتى الآن بين محبّذ ومحبط في شكل مشروع، لكنها بالتأكيد تقبل التقويم سلباً وإيجاباً، لا التخطئة كخيار فني، بخاصةٍ أن أعمالاً عالمية كثيرة تراوحت بين الوهم والحقيقة، مثلاً فيلمي «The Shutter Island» («جزيرة شاتر») أو «The Others» («الآخرون»)، إضافة إلى «مؤشرات الوهم» التي خطتها الكاتبة وأخرجها فيليب أسمر بدقة، كاعتماده كثرة الكادرات المثالية، وأشبه بالحلم بديكورات أقرب إلى إبداع وجمال غير واقعي كثير الألوان القوية، والموسيقى التصويرية المليئة بالمؤثّرات، إلى جانب مشاهد لو كانت خارج الخيال لأمست خاطئة، كخروج «نائل» إلى موعده مع «لين» في بيت مهجور من بين الستائر البيضاء، وعشاء وسط بحيرة يحلم به أي عاشق.

صحيح أن الدلالات في الحبكة لم تصل إلى ذكاء «جزيرة شاتر» وتشويقه، كحالتي الجناس بين شخصية «دولوريس شانال» و«راشيل سولاندو» وبين شخصية «إدوارد دانـــيالز» و«أندرو لاديز»، إلا أنها كانت تحضّر لنهاية عمل يحمل كلمة «قصة» في عنوانه، ويبدأ بشارة ظهرت كأنها «فيديو كليب» مســتقل وخيالي بعناصره كالحصان والفستان الأبيضين والأقنعة التي صنعها «براتيناس» لتمثل الشخصيات التي يخلقها الكاتب طبعاً، في المسرح الإغريقي مع بداية فن التمثيل، من دون نسيان مهن أبطال المثلث، المصوّرة والمخرج والروائي، والتي تتعاطى مع الموجود بتصرف يصل إلى صنع الخيال من الواقع أو العكس، إضافة إلى المشاهد المستعادة في الحلقة الأخيرة التي حاول من خلالها أسمر تذكير المشاهد بما رآه من دلالات على «التخيل»، بمشاهد متعددة المواقع بالتناوب والتبادل والشخصيات، فأتت خطوة المخرج مقبولة ومطلوبة، على عكس الإفراط بالـ «فلاش باك» الذي حدّ من التشويق خلال الحلقات.

إلى ذلك، يحسب للجدل الذي أثارته الخاتمة التي قرّرتها جابر، إعادة تسليط الضوء على دور الكاتب الذي تنشأ الدراما بيديه، بينما ينحاز الضوء إلى غيره. يبدو الأمر متعمداً. تقول «نادين» (أيضاً نادين الراسي) صاحبة دار النشر في الحلقة الأخيرة: «خليتني اقرأ قصة حب بنهار واحد(…) أنا انغرمت فيها(…) حتى أحاسيس المرا يلي مش ممكن يترجمها رجل، حضرتك قدرت توصلها متل ما هي»، قبل أن تطلب من «نائل» أن يكتب نهاية أخرى، فيرد: «أنا الكاتب أنا أنهي القصة مثلما أشاء».

حوار كأنه على لسان نادين جابر نفسها يؤكد سلطة الكاتب، لكن فيه أيضاً بعض النرجسية ومدح الذات، فتحولت من المثلث إلى مركز الدائرة في العمل الذي أنتجته شركة «أونلاين بروداكشن».

 

المصدر: الحياة

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى