قصيدة اللاجئ.. رسالة إنسانية لضمير العالم

الجدسرة الثقافية الالكترونية
إبراهيم السواعير*
المصدر / الرأي الاردنية
تحمل قصيدة (اللاجئ) التي كتبها وزير الإعلام الأسبق صلاح أبو زيد شجونه وقلقه تجاه نكبة 1948، وعلى بساطتها، كانت أثارت احتجاجاً واسعاً حين عُرضت على لوحة في الجناح الأردني بمعرض نيويورك الدولي عام 1964، إلى جانب صورة خيمة تدل على الحالة الصعبة التي عاشها اللاجئون الفلسطينيون.
وكان لهذه القصيدة ضجّة بعيدة المدى شغلت الصحف والرأي العام العالمي، وانزعج لها الطرف المضاد، وأقام الدعاوى في المحاكم الأميركية، إذ تنقل القصيدة التي اتكأت على صورة أطفال من أبناء النكبة يجري أمامهم نهر الأردن الخالد، رسالة إنسانيّة إلى ضمير العالم، بل ضمير المواطن الأميركي أمام هذه المأساة.
الكتاب الصادر عن وزارة الإعلام وحمل اسم القصيدة، وضع القراء آنذاك بموضوعيّة النصّ النثري الذي وضعه أبو زيد، كجزء من مواجهة الدعاية المضادّة للحق العربي، وإطلاع العالم الغربي، بما فيه أميركا، على عمق المأساة التي يعيشها عرب فلسطين.
كما توخّى النّص، الذي نُقل بأكثر من لغة، استثمار الجنس الأدبي وسيلةً فاعلة لإيصال أنين المشردين من طفل صغير وشيخ متهدّم وأم ثاكلة إلى كلّ أسماع العالم، لذلك جاءت القصيدة في شكلها الإنجليزي مختلفةً بعض الشيء، عن أصلها العربي؛ لأنّ الشاعر لم تكن عينه على الكلمات، وإنّما كانت على ما فيها من عاطفة، فهو معنّيٌّ بإيصال كلّ هذا الزخم العاطفيّ الذي تنضح به القصيدة في كلماتها العربية، إلى ضمير المواطن في معرض نيويورك، فابتعد عن الترجمة الدقيقة لكيلا يجور على العاطفة في الكلمات والتعابير، إذ قد يقتلها ذهن الناظم المشغول بمطابقة الكلمات.
Before you go,/Hve you a minute more to spare,/ To hear a word on Palestine/ And perhaps to help us right a wronge?/ And later with the coming of mohammed, Christians, Jews and moslems, believers in one God, Lived together there in peaceful harmony.
وكان لهذه القصيدة تأثيرها، خصوصاً وقد تداولتها صحف مهمّة ذات توزيع كبير، منها نيويورك ديلي نيوز، ونيويورك تايمز، ونيويورك وورلد تلغرام، ونيويورك هيرالد تربيون، ونيوز داي، ونيويورك بوست، ولونغ آيلند برس، ولأنّ المعرض، الذي كان افتتح بمناسبة مرور 300 عام على تسمية مدينة نيويورك، تحت عنوان (السلام عن طريق التفاهم)، أدّى إلى إثارة حفيضة اليهود هناك، بدعوى أنّ (القصيدة المعروضة في الجناح الأردني دعاية حرب واضحة، وهي تسيء إلى شعب يتمتع بالسيادة، وإلى ملايين من المواطنين الأميركيين، اليهود منهم وغير اليهود على حدٍّ سواء)، كما أنّها (قصيدة لاساميّة ومثيرة للكراهية ومتعارضة مع شعار المعرض القائل بالسلام عن طريق التفاهم).
تقول القصيدة، التي بقيت بالرغم من كلّ تلك الدعاوى:
(قبل أن تقول وداعاً/ دعني أسكب في قلبك،/ هذه الكلمات:/ في يومٍ بعيد… قبل عام 1948/ كان أهلي يعيشون في وطنٍ جميل…/ أحبّهم.. وأحبوه/ قروناً وأجيالاً/ وكانوا كلّهم سعداء…/ وفجأةً.. في ذلك العام/ رآهم العالم، وهم يتشردون عن وطنهم/ ليبتلعهم التيه…/ وتلفهم الصحراء/ وحلّ محلهم أناس غرباء…/ جاءوا يحملون معهم السلاح…/ والظلم… والوحشيّة/ وعلى ضفة نهر الأردن المقدّس../ رأيت النور لأول مرّة…/ ملفّعاً بالبؤس والشقاء والحرمان…/ وما زال الغرباء هناك،/ وما زلتُ وأهلي بعيدين…/ عن وطننا الحبيب، حتى النهر، يريد الغرباء أيضاً…/أن يظلموه كما ظلموني/ النهر، والوطن، وأنا/ بحاجةٍ إليك… إلى ضميرك/… والآن… وداعاً).
اللافت أنّ هذا النصّ شكّل حافزاً لنصوص أجنبية وعربيّة وأردنيّة تنسج عليه الفحوى وتعرّف بالقضيّة محور التعاطف؛ فقد بنى الشاعر الإنجليزي فرنسيس ليلاند كين نصّاً بعنوان ODE TO REFUGEE، ومنه نقرأ:
Before YOU go, please stop awhile/ Oh passerby and hear this tale;/ A tale that was untold before/ Since truth is often hard to tell/ For once there was a peaceful land;/The land of One, the Prince of Peace/Where people of so many faiths/ Had lived together caring not/ To which of these each one belonged/ As long as he or she were good,/ And lived a life of love for one/ Another and their fellowman.
كما كتب الشاعر الصحفي صالح جودت على غرار قصيدة (اللاجئ) في جريدة الإصلاح المهجرية:
(قف قليلاً واستمع لي يا أخي في البشريّة/ خلّني أرو لوجدانك ذكرى ووصيّة/ قبل عام النكبة السوداء في أرضي الشقيّة/ كان لي في وطني الفاتن أيامٌ نديّة/ كان أهلي قُنّعاً بالعيش في الأرض الزكيّة/ كم أحبّتهم أباةً… وأحبوها أبيّة/ وأقاموا الدهر فيها بين جنّاتٍ هنيّة/ ثمّ كانت ليلةٌ ليلاء من عام البليّة/ ثمّ ماذا؟!.. لم تزل في قصّة الظلم بقيّة).
مثلما كتب الشاعر المهجري جان زلاقط قصيدةً من وحي القصيدة الأم، ومنها:
حمل العبء مؤمناً برجوعه/ وطوى البؤس في حنايا ضلوعه/ لاجئٌ طالت السنون ومازال/ أبيّاً في ذلّه وخضوعه/ كلّما لملم المساء بقاياه/ وشعّت في الأفق كلّ شموعه/ حملته الذكرى لتنشر ماضيه/ فيلقاه غارقاً في نجيعه/ حملته الذكرى لتنشر ماضيه/ فيلقاه غارقاً في نجيعه/ يوم قالوا في مأتم العدل/ تقسيم تراهم كم ساوموا في مبيعه/ فانتضى زنده يصون بلاداً/ ما أعدّوا لها سوى ترويعه).
وكتب الشاعر رشيد زيد الكيلاني مترجماً قصيدة الأميركي فرنسيس ليلاندكين، مطوّلةً، منها:
أيها العابر السبيل تمهّل/ قف قليلاً إذا أجبت ندائي/ واستمع قصّةً حقائقها المرّة/ تنبيك أعجب الأنباء/ ما رواها التاريخ في سالف الدهر/ وما أنزلت بصحف السماء/ كان فيما مضى هناك بلادٌ/ ذات خيرٍ ونعمةٍ ورخاء/ من أمير السلام فيها سلامٌ/ كان عين الرضا وروح الهناء/ عاش فيها على المحبّة قومٌ/ آلفت بينهم عهود الصفاء/ في وفاقٍ رغم التفاوق في الدين/ وخُلف الميول والأهواء/ همهم في الحياة للخير سعيٌ/ وعطاءٌ ما بينهم بالسواء/ ثمّ جاءت شراذم الشرّ تترى/ من بعيدٍ كزاحفات الوباء/ أقبلت كالذئاب ظمأى إلى الفتح/ جياع القوى للاستيلاء).
صلاح أبو زيد من مواليد إربد 1925، درس الحقوق بجامعة دمشق والإعلام في الولايات المتحدة الأميركية، عمل في التدريس في أربعينات القرن الماضي، وفي البنوك، ودائرة الإحصاءات العامة، ومترجماً في مجلس الإعمار الأردني في الخمسينات. شغل مديراً عاماً للإذاعة الأردنية ودائرة المطبوعات والنشر في ستينات القرن الماضي، ومديراً عاماً لدائرة التوجيه والأنباء، ووزيراً للإعلام في الستينات، ثمّ وزيراً للإعلام والسياحة والآثار، فوزيراً للثقافة والإعلام والسياحة والآثار نهاية ستينات القرن الماضي، ووزيراً للخارجية في السبعينات. عمل مستشاراً خاصاً للمغفور له الملك الحسين بن طلال، وسفيراً للأردن في بريطانيا، كما كان عضواً في مجلس الأعيان. له نشاطات أدبيّة ومؤلفات مهمة، كما في كتابته عن المغفور له الحسين بن طلال وتاريخ الأردن السياسي، وفي كتابته مذكراته، وكان ألّف مسرحيةً قديمة أثنا نكبة 48 بعنوان (الضحيّة) جسّد فيها عظم المأساة الفلسطينية، كما أسس النادي العربي في إربد الذي اعتنى بالثقافة، كما كان عضو رابطة الكتاب الأردنيين.
حاز أبو زيد العديد من الأوسمة محلياً وخارجياً، وهو من مؤسسي الإذاعة الأردنية نهاية خمسينات القرن الماضي، وكان سابقاً مدير إذاعة عمان، وله بصمات في مزاملته الشخصيات الوطنية واعتنائه بالتراث الأردني والأغنية الفلكلورية المعبّرة ونقل الأردن عبر الأغنية الأصيلة، كما كان زامل العديد من رجالات الوطن في دراسته في مدرسة السلط في الأدب والفكر وغيرها من المجالات.