كاتبة وكاتب.. وثالثهما الحب

الجسرة الثقافية الالكترونية

 

يحفل الوسط الأدبي بثنائيات أدبية عديدة وعلاقات عاطفية دامت سنوات طويلة، بعضها استمر مراسلات أدبية ووجدانية ولم تتوج بلقاء أبدا، وبعضها انتهى نهاية مأساوية بالانتحار، وكثير من القصص انتهت بالانفصال والغياب والفشل، ولم يكتب النجاح لغالبية هذه العلاقات.

 

غير أنها وإن فشلت اجتماعيا وعاطفيا لكنها أنتجت مادة إبداعية شغلت النقاد والقراء وكانت تتنوع بين أكثر من جنس أدبي كالمراسلات التي دارت بين مي زيادة وجبران خليل جبران، وبين غادة السمان وغسان كنفاني، وكنتاج شعري كالذي كتبته سيلفيا بلاث وزوجها تيد هيوز، والكتابات الفلسفية التي أنتجتها علاقة جان بول سارتر وسيمون دو بوفوار.

 

علاقات عاطفية كثيرة دخلت مساحة التواصل من باب واسع هو الإبداع واستندت إلى جدار الحب، تكسرت المشاعر على ذلك الجدار وتهاوت مثل نجم يائس لكن الباب ظل مفتوحا، مات الحب وظل الإبداع شاهدا يسجل كل تفاصيل الحالات النفسية التي مر بها الثنائي الأدبي.

 

جان بول سارتر الفيلسوف الفرنسي صاحب”الوجود والعدم” وتلميذته الكاتبة والمفكرة الوجودية سيمون دي بوفوار صاحبة الكتاب الشهير”الجنس الآخر” لم يشبها الثنائيات العاطفية الأخرى، فقد أحبا بعضهما حبا كبيرا ولم يرتبطا بزواج، بل عاشا حياتهما الفكرية والعاطفية والجنسية والنضالية، جنبا إلى جنب مع علاقات عاطفية وجنسية أخرى لكليهما.

 

وهذا ما جعلهما ثنائيا لم يأت قبلهما مثله، ولم يأت بعدهما أيضا مثله فقد عاشا الحياة معا حتى آخر عمرهما بصخب وجمال وكانت علاقتهما أسطورة تروى وحكاية قل نظيرها في تاريخ الآداب العالمية.

 

قصة حب غريبة ومجنونة في ذات الوقت، فمنذ لقاء الفيلسوفين الفرنسيين الصاعق عام 1929 إلى حين وفاة سارتر عام 1980، عقد الاثنان ميثاقا غراميا قائماً بالنسبة إليهما على الأقل على مفهوم الإخلاص الحر، فقد اتفقا على أن يسمح كل واحد منهما للآخر بإقامة علاقات جنسية وعاطفية موازية، شرط الشفافية المطلقة بينهما وانعدام الخبث والأسرار، درءا لقهر الغيرة وجرح الغدر.

 

وهكذا عاش كل منهما عددا لا يحصى من العلاقات، منها العابر ومنها غير العابر، قد تكون أبرزها علاقات جان بول بسالي سوينغ ودولوريس فانيتي ولينا زونينا، وعلاقات سيمون بنيلسون أليغرين ورينه ماهو وجاك لوران بوست.

 

وكانت أشهر علاقة لـ دي بوفوار تلك التي ارتبطت فيها بالكاتب الأميركي نيلسون أليغرين الذي التقت به في شيكاغو وعلى عكس حبيبها سارتر الذي لا يتعدى طوله المتر والنصف، كان أليغرين صاحب هيبة جسمانية سلبت عقل دي بوفوار فوقعت في حبه منذ اللقاء الأول.

 

وعندما سألها أليغرين عن سارتر كتبت إليه رسالة تقول فيها عنه”إنني صديقته الحقيقية الوحيدة التي تفهمه وتمنحه السلام والتوازن، لا أستطيع التخلي عنه بتاتا وقد أتخلى عنه لفترات طويلة أو قصيرة ولكن لا أستطيع أن أكرس حياتي كاملة لرجل آخر”.

 

كانت سيمون دي بوفوار تطلق على أليغرين لقب زوجي العزيز لكنها لم تستطع الزواج منه والانتقال للعيش معه في بيت واحد، لأنها لم تكن قادرة على ترك سارتر، على الرغم من أنهما لم يعيشا معا تحت سقف واحد.

 

إلا أن كلا من العاشقين الغريبين ظل الشريك الأساسي والمحوري والأقوى في حياة الثاني، وحرص على الاعتراف بكل شيء له عن حيثيات مغامراته العاطفية، حتى التفاصيل الصغيرة المزعجة والمحرجة فيها.

 

أما فلسفة المعادلة السحرية التي أنجحت علاقتهما وحمتها من عيون وتدخلات المتربصين والفضوليين طوال العمر، فقد أنتجتها عقلية سارترإذ تقول تلك المعادلة”أخونك بمعرفتك” وقد عاشا هذه المعادلة عاطفيا، في حين عاشا علاقة الالتزام الكامل تجاه الكتابة.

 

لكن سارتر لم يكن صادقا تجاه الميثاق الذي وضعه بنفسه، فقد كان كاذبا في نقل تفاصيل علاقاته الغرامية ومخادعا يخفي الكثير عن دي بوفوار، في حين عانت سيمون دو بوفوار كثيرا بسبب تعلقها بسارتر وخوفها من فقدانه لصالح غريماتها الكثيرات.

 

وقد تسببت هذه المعادلة بمعاناة الكثيرين من الأزواج والثنائيات العاطفية، الذين نشدوا الحرية بعيدا عن قيود العلاقات التقليدية التي تفسدها مشاعر الغيرة، لكنهم وجدوا أنفسهم أسرى لهذه الحرية، ولم يستطيعوا الموازنة بين هذه المعادلة السلبية وبين المشاعر الإنسانية التي تعتبر رغبة التملك من متطلبات الحب الجارف، ولم تستطع الآلام التي يشعر بها الطرف المخدوع أن تخدم الحرية المنشودة.

 

المصدر: ميدل ايست أونلاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى