كتاب أردنيون يناقشون قضية الشللية في الوسط الثقافي ج2 / محمد المشايخ وبريهان الترك

الجسرة الثقافية الالكترونية – خاص –
بريهان الترك
محمد المشايخ
يجيء هذا التحقيق استكمالا للذي سبقه، وامتدادا له، سعيا لتناول القدر الأكبر من آراء أدباء أردنيين، ولنفسح المجال لهم لقول كلمتهم في وجه العصابات الثقافية والشللية التي تمارس إقصاء أديب دون آخر بعيدا عن المعايير الجمالية والفنية في إصدار أحكامها، بل هي قائمة على الشخصنة وتبادل المنافع، وللمصداقية فإننا لم نسع إلى ترسيخ اتهام أو أننا نقف في خندق مجاور بالأساليب ذاتها المتبعة من قبلهم، إنما استطلعنا آراء مؤيدة ومشجعة لسياسة وزارة الثقافة ورابطة الكتاب في إعدادها لمعجم الأدباء وإن كانت قليلة من حيث العدد مقابل الآراء التي استنكرت ذاك الفعل.
***
واستكمالا للآراء حول قضية الشللية في الوسط الثقافي الأردني، وحول معجم الأدباء الأردنيين الذي أصدرته الوزارة يضيف د.خالد الجبر عليها بتأكيده على أنّ الاستمارات وُزِّعَت على الرّوابط والاتّحادات وأُعلِنَ عن ذلكَ على موقع الوزارة وفي الصُّحف وجرت اتّصالات، ووُزِّعت الاستبيانات بصورة شخصيّة، وجرت ملاحقة أدباء عبر الهواتف من أجل ملء هذه الاستمارات، وفي النّهاية كانَ البحثُ أكثرَ بكثيرٍ ممّا عُبِّئَ، وأنّ كثيرًا حتّى من المعلومات التي وردت في الاستبيانات المعبَّأة بأيدي أصحابِها كانت خاطئةً، لا سيّما في الجوائز والكتب وتواريخ نشرها ودور النّشر..
ويخلص الجبر: “إن الفارقُ بين ما وردَ في طبعة المعجم من الرّاحلين، والأحياء في الجزء المنشور، وفي الجزء الذي كان سيُنشر، أكثر من الضّعف”.
***
أما القاصة سحر ملص تقول: “نعم هناك شللية كبيرة في الوسط الأدبي الأردني وهناك محسوبيات بحيث تجعل من هذا كاتبا لامعا يصفق له النقاد ويتجاهل بعضهم إبداعات كثيرة تستحق التقدير”.
ولفتت ملص إلى أن معجم الأدباء الأردنيين الذي استغرق إنجازه سبع سنوات فقد أصبحت معلوماته قديمة فمثلا أنا شخصيا أصدرت سبعة كتب ولم تذكر، وهناك نقص في ذكر الجوائز الأدبية التي حصلت عليها ولم يذكر شيء عن كتبي العلمية.
***
تأسف الروائية ليلى الأطرش بسبب أن معظم النقاد الأردنيين مصابين بداء الشللية والحسابات والمحسوبية، وبدلا من اهتمام النقاد باستنباط نظرية نقدية عربية انشغلوا بحروبهم وتقسيم الأدباء إلى كوتات، بحيث يقاطعون من لا يحسب عليهم أو ليس من أصدقائهم.. وتضيف: لا أحد ينكر دور النقد كونه استنباط.. والنص يسبق الاستنباط بكل تأكيد، لكن النقد ضروري للأدب والأديب، ومن مسؤوليته إظهار الغث من السمين في فوضى النشر التي نعيشها، ومثل قاض لا يعرف غير الحق، وأن يتعامل مع النص بنظرية “موت المؤلف” أي لا يعرفه ولا يجامله ولا يذكر اسمه.. هذا هو دور النقد المؤمل منه، والذي حاد عنه بعض النقاد للأسف فانتشرت الشللية والمحاباة وغيرها من الأمراض الثقافية.
***
من جهته يقول الشاعر والكاتب عارف عواد الهلال: “عند الحديث عن الحالة الثقافية الأردنية, يتبادر إلى الذهن هذا التهافت المحموم على الألقاب الأدبية, والصفات الثقافية, من قبل كل من ظن في نفسه القدرة على مواكبة الكتابة, وإن كان خالي الوفاض, قليل الدربة, عديم المهارة, فنشأت طبقة من “المثقفين” طغى أثرها, وعم تأثيرها, فبدت وكأنها الوجه الحقيقي للثقافة الأردنية التي غيبتها الأطر الضيقة, والمحسوبيات المقيتة, والإعلام الذي لا يعي بعض العاملين فيه حجم الضرر الذي يبثونه من خلال ترويجهم لأشخاص وكأنهم اتسموا بسمة الأدب, واعتلوا سنام الثقافة, فرسخ بأذهان الكثيرين انعدام الثقافة الوطنية المتينة التي ترتكز على الوعي الفكري, والإدراك المعرفي, عندما عم النقيض, واستشرى الواقع المسموم بالنفاق الثقافي الذي يتجلى للأغلبية بفعل الادعاء”.
ويلخص هلال رأيه قائلا: “أكاد أزعم, بأنه لا يمكن القول بوجود ثقافة ذات أثر وتأثير على المجتمعات, ما دامت نزاهة النقد غائبة, وما دامت أحلاف أنصاف الثقافة قائمة”.
***
أما الناقد والأكاديمي د. عماد الضمور فله رأي مختلف إذ يشير إلى الجهد الكبير الذي قامت به وزارة الثقافة الأردنية بإصدارها الأخير لمعجم أدباء الأردن في العصر الحديث الذي جاء تتويجاً لجهودها الواضحة في تفعيل الحراك الثقافي في المملكة الأردنية الهاشمية ورصد لأسماء الأدباء الأردنيين وتقديم ترجمة ذاتية لهم.
ويلفت د. الضمور إلى أن هذا الإنجاز جاء ترجمة فعلية لرسالة الوزارة بتعميم فعل الثقافة ومحاولة بيان ونشر تجلياته المختلفة على مستوى الوطن إذ يُقدّم للباحث والمهتم ترجمة واضحة وعلمية لأدباء الأردن في العصر الحديث، ممّا يُعين الباحث والطالب الجامعي والمهتم بإقامة جسور إبداعية مع هؤلاء الأدباء ويقدّم مادة وافية تعين في الرصد والكشف والتوثيق، ويتجاوز أثر هذا المعجم الوقت المعاصر إلى الأجيال القادمة ؛ لما يضمه بين دفتيه من معلومات تلخص المشهد الثقافي في الأردن من خلال رصد أسماء مبدعيه.
ويرى د. الضمور أن ما يوجّه لمعجم أدباء الأردن من تكريس للشللية والعلاقات الشخصية هو أمرٌّ مرفوض؛ لأن وزارة الثقافة ومن خلال لجنة الإشراف على المعجم وبأدواتها المختلفة المرئية والمسموعة والمقروءة قامت بالترويج لهذا المعجم وإعلان أهدافه وشروطه ودعت من تنطبق عليه شروط الانضمام إليه بالتقدّم بالنموذج إمّا في وزارة الثقافة أو عبر الموقع الالكتروني للوزارة، ممّا يعني صعوبة الوصول للأدباء كلهم ما لم يقوموا هم أنفسهم بتعبئة النموذج المخصص لذلك، بعدما خصصت الوزارة لذلك وقتاً كافياً لاستقبال الطلبات.
أمّا فيما يخص بالشللية في الساحة الثقافية الأردنية يؤكد د. الضمور على وجودها لكن على نطاق ضيق لا يحدّ من مسيرة الثقافة والإبداع في الأردن؛ لوجود مؤسسات ثقافية حكومية تحاول مأسسة الفعل الثقافي والسمو به على المطامع الخاصة، فضلاً عن وجود مؤسسات ثقافية خاصة تسعى جاهدة إلى تفعيل الأنشطة الثقافية وإبرازها للآخرين.
***
أما الشاعر يوسف الديك فيقول: “أستطيع القول أن الوسط الثقافي العربي برمته مشوب بالعديد من السلبيات التي بات تجاوزها أمرًا معقدّا لما تركته من آثار بالغة القسوة، وأهمّها هذه الشللية وما يمكن وسمه أكثر “بالعصابات الأدبية ” التي تسري في جسد الثقافة عامّة في الوطن العربي ، وفي الأردن بشكل خاص وربّما بوضوح أكثر من سواه نتيجة عدم سويّة العلاقة بين الكاتب والمثقف من جهة وبين الجهات الرسمية التي يجب أن تكون داعمًا وسندًا له وليس العكس .
أمّا فيما يتعلق بمعجم الأدباء الأردنيين الصادر مؤخرًا عن وزارة الثقافة الأردنية يؤكد الشاعر الديك على أن الأمر مختلف تمامًا رغم إقرارنا بالشللية خارج إطاره، فهو جهد توثيقي تسعى من خلاله وزارة الثقافة للرصد الفعلي بغض النظر عن مستويات أصحاب الأسماء، فالمعجم عادة ما يذكر الكتّاب المبدعين وغيرهم كونه ليس جهة تقييم ونقد قدر ما هو جهة توثيق ورصد فهو براء من هذه الاتّهامات ولا مصلحة للوزارة وهيئاتها المختلفة أو فريق العمل الذي وقف وراء هذا الإصدار المطلوب والقيّم كمرجعية توثيقية..
***
الكاتبة إنصاف قلعجي تلفت إلى أن هناك نقطتان تحب أن تشير إليهما في هذا الموضوع (الشللية والمحسوبية والجهوية…الخ)، فتقول: “إن كنت أديبا أو شاعرا ولك موقف سياسي واضح، أو تنتمي لحزب ما، فهناك من يحاربك ويقاطع إبداعك رغم أن الاختلاف أمر صحي”، وترى أن في مجتمعاتنا تكثر الشللية، وأن بعض الكتاب لهم (شلة) علاقات عامة، يسوّقون لهم أعمالهم حتى وإن كانت رديئة، ويفردون لهم صفحات في مجلات وصحف أدبية، فالكتابة، كما ترى قلعجي، بالنسبة إليهم أمر سهل، فبالتالي يصدرون ما شاءوا من الكتب ترعاهم بعض المؤسسات الثقافية. ورمت قلعجي إلى أن هناك من يُحارَبون لأنهم مبدعون حقيقيون مميزون، فتُمنع كتبهم من التداول بحجة المساس بالمحظورات، مع العلم بأن لا إبداع دون توفر شرط الحرية.
***
يرى الشاعر علي الزهيري أن الحياة الثقافية في الأردن، كغيرها من الحيوات، تعج بالمحسوبية والشللية، ولا يقتصر الأمر على وزارة الثقافة والجهات الرسمية فحسب، بل يمتد إلى التجمعات والصالونات الثقافية غير الرسمية، بل إنك ستجد شللية مصغرة داخل التجمعات الصغيرة أصلاً”، أما بالنسبة لمعجم أدباء الأردن الصادر عن وزارة الثقافة فلم أسمع به إلا من خلال سؤالك، وقد لا ألقي بالاً إلى مثل هذا المعاجم أو التصنيفات، لأنّ المعجم الذي يصدره القارئ أهم بكثير مما تصدره أي جهة رسمية أخرى، وهو الأكثر حسماً وحزماً.
وحول الأسماء الواردة في المعجم يقول الزهيري: “صدقني لا أعلم أيّاً منها، كما سبق وأخبرتك، ويؤكد الزهيري على أنّ جزءاً كبيراً منها أضيف بناء على العلاقات الشخصية، (وهذا ليس طعناً في مستوى إنتاجهم ونوعه طبعاً) أو اقتصرت الأسماء على الأسماء التي يعرفها أعضاء اللجنة المُشرفة على وضع هذا المعجم، ومن لم يصل اسمه إلى مسامعهم فهذا ليس موجوداً أصلاً، إذ لا توجد منهجية أو آلية مؤسساتية لدى وزارة الثقافة تمكنها من معرفة الأسماء الموجودة، والنشاطات والفعاليات التي تشارك فيها، ويقتصر نشاط الوزارة على مجلة أفكار وبضع فعاليات وربما جائزة سنوية قيمتها المعنوية والمادية في تنازل مستمر”.
***
الشاعر سلطان القيسي يبدي تحفظات كثيرة على أداء الرابطة فهو يرى أن هناك احتفاء بأسماء لا تستحق، نذهب إلى بعض الأمسيات طامحين إلى سماع شعر نظيف، فنصدم ونعود خائبين حين نسمع مواضيع إنشاء يكتبها طلاب الابتدائية.
وبالنسبة للمعجم يقول: “كان يجب أن لا ينحاز لأعضاء الرابطة فقط، لأنه لم يجئ تحت عنوان “معجم أدباء رابطة الكتاب” إنما تحت عنوان “أدباء الأردن”، وقد استثنى الكثير من المبدعين الشباب.. ولأكون صريحاً أكثر لم يزعجني استثناء اسمي بقدر ما أزعجني استثناء آخرين من الشباب أظنهم أهمَّ مني بكثير”.
ويختم القيسي: “ضجرتُ من الفعل ألإقصائي الذي مارسته هذه المؤسسة مرةً أخرى كما تمارسه دائما بتصريحاتها وبفعالياتها.. لأن المثقف يجب أن يحارب الإقصاء لا أن يكرسه، أما التقصير المريع من جهة الرابطة، أو العنصرية وشخصنة الأمور. فعلاً كان أمراً مؤسفا”.
***
الباحث والمتخصص بأدب الخيال العلمي مهند النابلسي يتساءل: لماذا يدمن بعضهم على الوجوه والشخصيات والأفكار نفسها في كافة مناحي الحياة السياسية والثقافية والعملية، وكأنها تستنسخ ذاتها بطريقة بلهاء مشوهة؟ ولماذا لا يسمح بانضمام أعضاء جدد لنادي الثقافة والكتابة؟ حيث يغلب الملل على معظم المقالات السياسية والثقافية ؟ ولماذا يستنشق القارئ والكاتب والناقد العربي الأوكسجين عندما يطلع ويشارك بالتفاعل والكتابة في بعض الصحف والمواقع التي تعطي المجال والصدارة لكل الأقلام المبدعة (بلا استثناء) لأن تعبر عن وجهة نظرها بحرية وبلا تنغيص واحتكار وبلا مقص رقيب قمعي! كما هو حال العديد من المواقع العربية المتميزة في المهجر، التي تسمح للعديد من الأقلام العربية أن تكتب بحرية وفي كافة المجالات وبلا موانع ومحرمات وضوابط لا معنى لها!.
الآراء الواردة في التحقيق تعبر عن رأي كتابها