كتاب جماعي يرصد التجربة النقدية لحسن المودن لاوعي النصّ…

الجسرة الثقافية الالكترونية -الاتحاد-

ضم كتاب «حسن المودن: القراءة والتحليل النفسي»، الصادر حديثاً ضمن منشورات المطبعة والوراقة الوطنية، مجموعة من القراءات والأبحاث والشهادات، وحوارات أجريت مع الناقد المغربي الدكتور حسن المودن الذي ينتمي إلى جيل النقاد الجدد بالمغرب، الذين بصموا المشهد النقدي بكتابة ترتكز على منجزات النقد الأدبي، وعلى اجتهاداته وإضافاته، كتابة لا تمتح من المناهج النقدية فقط. بل تعتمد. إضافة إلى ذلك، رؤية جديدة لأدب خصيصته الانفتاح والتعدد والمغامرة، وغير قابليته للاختزال، فهذا الناقد، كما يقول الباحث والمترجم المغربي إبراهيم أولحيان الذي قام بالإشراف على الكتاب وتنسيق مادته، لا يؤمن بالكتابة النقدية التي تجاور الإبداع، بل ينجذب نحو تلك التي تخترق النصوص الإبداعية، لتكشف الخبيء والغميس، وتخلخل الذوات، في حركة عشقية، تتوخى إنتاج المعرفة، وتقديم المتعة، وفتح أفق جديد للحياة.

 

ولعل المتتبع للمسار النقدي للباحث حسن المودن يدرك شغفه بالتحليل النفسي في علاقته بالأدب، والمجهودات التي يقدمها في هذا المجال داخل المشهد النقدي المغربي والعربي، وبذلك يكون قد اجترح له طريقا خاصة، تتجاهلها كثير من الكتابات؛ لأنها محفوفة بالمخاطر، وأيضاً لأن السير فيها يتطلب جهداً إضافياً، ونتائجه غير مضمونة..

كشف المسكوت عنه

هذه المغامرة، يقول محمد برادة، «دفعت حسن المودن إلى قراءة المنجزات التحليل نفسية، عند النقاد العرب، واستخلاصه ضعف كثير من هذه الأعمال وتخلفها، بل عدم قدرتها التعامل مع النصوص والإنصات إليها في خصوصيتها، دون تخويفها بالمفاهيم النفسية التي تطمس هويتها، وبالموازاة مع ذلك قام بتتبع جل الكتابات الغربية في هذا المجال، من مؤسس التحليل النفسي سيغموند فرويد إلى الأبحاث التي اشتغلت عليه، وطورت أبحاثه، وجددت في علاقة التحليل النفسي بالأدب، معتمدة تصورات ورؤى جديدة، لأجل الكشف عن المسكوت عنه في النصوص الأدبية، وإعطائها مساحة لتبوح بأسرارها، وإيقاظ المعارف الكامنة فيها. وعبر ذلك تمنحها حياة جديدة تجعلها قادرة على اختراق الزمن..

 

ويرتكز مشروع حسن المودن برأي الدكتور برادة على قراءة الأدب من منظور التحليل النفسي، باعتباره «ناقداً أدبيا مولعا بالتحليل النفسي»، مانحاً لنفسه المسافة الضرورية مع التحليل النفسي العيادي، مستفيداً من الاجتهادات التي طورت علاقة التحليل النفسي بالأدب، وخصوصا مع جان بلمان نويل الذي فتح هذا الورش منذ بداية السبعينيات من القرن الماضي، بأبحاث جادة ومجددة، كان أساسها مفهوم لاوعي النص الذي توصل إليه، عبر اجتهادات ما بعد البنيوية مع جاك لاكان، جوليا كريستيفا، جاك دريدا… أي مع التحليل النصي الذي حرر النص الأدبي من »مدلول متعال«، على اعتبار أن هذا التحليل »يفتح الطريق ليصبح النص الأدبي هو بؤرة التحليل، دون إقصاء كلي للكاتب أو القارئ أو السياق« (المودن)، مما يعني التعامل مع النص باعتباره «لعبة، عملاً، إنتاجاً، ممارسة» (بارت).

 

توسيع آفاق القراءة

 

في مقالة الناقد المغربي محمد برادة «توسيع آفاق القراءة والتأويل» يكتب برادة عن كتاب حسن المودن «لا وعي النص في روايات الطيب صالح، قراءة من منظور التحليل النفسي»، واصفاً هذا الكتاب بكونه يكتسي أهمية خاصة داخل الحقل النقدي العربي، ولا تعود هذه الأهمية فقط إلى أن النصوص موضوع التحليل هي للروائي الفذ الطيب صالح، وإنما أيضاً، وبالأساس، إلى المغامرة التي خاضها الباحث المجتهد حسن المودن، مجربا منهجا ينحدر من صلب التحليل النفساني الفرويدي، إلا أنه يتميز عن مقاصده وإجراءاته المنهجية المعروفة من قبل، ذلك أن تصورات وتطبيقات الناقد الفرنسي جان بلمان نويل. فتحت الطريق ليصبح النص الأدبي هو بؤرة التحليل، باعتباره يتوفر على لاوعي يخصصه ويكشف جوانب من المسكوت عنه وسط السياقات التي واكبت إنتاج النص، وجعلته محفلاً معبراً يتصادى مع نصوص وتجارب وأحداث أخرى، ويندرج ضمن التساؤلات والرغائب والاستبهامات المتصلة بالمبدع وبالقارئ على السواء، وهذا المقترح المنهجي الذي أسهم نويل في بلورته هو على جانب كبير من الأهمية؛ لأنه يحقق على الأقل إنجازين:

 

الأول: تخليص النقد الأدبي النفساني من القيود التي كانت تحول النص إلى ذات مطابقة للكاتب ذاته، وتتخذ منه وسيلة لتحليل ومعرفة لاوعي الكاتب وعقدته ووساوسه… إلخ، وهي مطابقة لا تخلو من اختزال وتعسف يؤولان إلى «إلغاء» خصوصية النص واستقلاليته الذاتية، فضلاً عن أنهما يحيّدان الجوانب الشكلية والجمالية، ويحيلان النص إلى مجال لاختيار فرضيات ونظريات فرويد.

 

الثاني: إبراز أهمية العناصر المختلفة المكونة للنص الإبداعي، من دوال وأخيلة ولغات وعلائق سيميائية تصب جميعها في لاوعي هو بمثابة شريحة من نص واسع، شاسع الأطراف، قد يحيلنا. عند التأويل والمقارنة، إلى لاوعي جماعي يتكون من طبقات المتخيل الجمعي.

 

صوت الكينونة

 

إن هذا المنظور المنهجي ينبني على اللاإقرار بتحولات في مفهوم الأدب، أخرجته من التعريفات البلاغية والصنعية إلى فسحة التعدد والتنوع في التجليات والتحققات النصية، لتجعل من النص مجالا لإبلاغ صوت الكينونة المتكلمة خارج أسيجة الواقع والمقتضيات الاجتماعية، وخارج ما تلوكه الخطابات السائدة الحريصة على تنظيم وقولبة العلائق وسنن القول بين الناس… هذا المفهوم للأدب الذي لا يعتبر التخييل مجردة مرآة واستنساخ للواقع هو ما أفرغ النص – على حد تعبير الباحث مودن – من «وحدته وانسجامه الميتافيزيقيين»، وأشرع نوافذه على المناطق الملتبسة التي تحف مشاعر وتجارب الإنسان في عالم يمور بالتحولات، والارتجاجات العنيفة، مشدداً على أن القراءة التي يقترحها علينا الأستاذ حسن المودن قد استطاعت أن تكشف لنا أبعاداً أخرى غير التي درج النقاد على إبرازها، وذلك أن هذا المنهج يقر بأن النص، في محمولاته اللاواعية، يوسع آفاق القراءة والتأويل، و«يحرر» الكتابة من مقاصد التشخيص والتوصيف ليربطها بمجالات الكينونة القائمة على التضاد والانقسام والتعدد والتذويب والغيرية والإيروسية والرغبة في الموت والحياة على السواء. في نصوص الطيب صالح، يسترجع النص حريته التي تتيح له أن يكون شموليا في السرد، وفي التناص، وفي وصل الأزمنة المتباعدة، وفي هدم الهوة بين الواقعي والأسطوري…

 

إن ما تضيئه تحليلات الأستاذ المودن، يؤكد أن الروائيين المتميزين من جيل الستينيات قد استطاعوا أن يفتحوا ثغرة واسعة لتسريب الأضواء والظلال لكشف ما هو ثاو في أعماق الذات (الذوات) الكاتبة والقارئة. من ثم، فإننا بحاجة إلى مثل هذا النقد النفساني الذي يغني النصوص ويحرض القارئ على الاستكناه والمساءلة.

 

وإلى جانب محمد برادة، نجد أسماء أخرى ساهمت في هذا الكتاب وسلّطت الضوء على المَنجز النقدي للدكتور حسن المودن، فنجد في الكتاب دراسات وشهادات لكل من، نجيب العوفي: «جدل التحليل النصي والتحليل النفسي»، سعيد يقطين: «الرواية بين التحليل النفسي والنقد الأدبي: حسن المودن نموذجاً»، لطيفة لبصير: «حسن المودن والغرف المُغلقة»، محمد الداهي: «المقاربة النفسية للنص الأدبي»، حسن بحراوي: «الإقامة المُريحة على مائدة فرويد، قراءة في تجربة الناقد حسن المودن»، محمد زهير: «نسقية الخطاب نسقية بحثه، في أطروحة د. حسن المودن الجامعية»، إبراهيم أولحيان: «الكتابة والتحول: قراءة في تحولات النص السردي العربي الجديد»، حسن المودن: «هل يُمكن تطبيق الأدب على التحليل النفسي؟».

 

كما ضم الكتاب حوارات أُجريت مع الدكتور المحتفى به حسن المودن، وهي حوارات أجراها كل من: محمد نجيم، خديجة الطيب، محمد معتصم، عبد الحق ميفراني، أحمد زين، سعيدة شريف.

 

أما الشهادات التي قيلت في حق المحتفى به، فهي لكل من: عبد الواحد بن ياسر، عبد الرحيم العلام، سالم أكويندي، محمد عز الدين التازي، مصطفى غلمان، محمد أٌقديم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى