كتاب فرنسي يبحث في أسباب تغلغل ثقافة الموت في أوروبا

الجسرة الثقافية الالكترونية

 

 

حسونة المصباحي

في مطلع العام الجديد 2016، أصدر الباحث المستشرق الفرنسي جيل كيبل، المتخصص في الإسلام والعالم العربي كتابا بعنوان “رعب في فرنسا، نشأة الجهاد الفرنسي” عن دار النشر الفرنسية غاليمار. الكتاب الذي جاء في 352 صفحة من القطع المتوسط، طرح فيه كيبل منظوره الخاص عن العمليات الإرهابية التي ضربت فرنسا خلال العام الماضي، متطرقا إلى الأسباب التي جعلتها البلد الأكثر تضررا من الإرهاب الأصولي.

وفي هذا الكتاب، يشير كيبل إلى أن هناك حوالي ألف فرنسي التحقوا خلال السنوات القليلة الماضية بالمنظمات الأصولية الأشد تطرفا في منطقة الشرق الأوسط، مرتكبين جرائم فظيعة خصوصا في سوريا.

 

كما يشير جيل كيبل إلى أن التطرف الأصولي ظهر في فرنسا في الثمانينات من القرن الماضي، وراح يتوسع ليجذب شبانا من الجيل الثاني من المهاجرين الجزائريين بالخصوص. وفي التسعينات، أي في الفترة التي شهدت فيها الجزائر أحداثا دامية على مدى سنوات طويلة، شرع الأصوليون في فرنسا يخططون للقيام بأعمال إرهابية.

 

الحركات الأصولية

 

ويرى جيل كيبل أن سنة 2005 كانت مهمة جدا في تاريخ الحركات الأصولية الجهادية المعادية للغرب. ففيها نشر أبومصعب السوري بيانا بـ1600 صفحة دعا فيه إلى ما سمّاه بـ“المقاومة الإسلامية العالمية”. وانتقد هذا المهندس الذي درس في فرنسا، وتزوّج من أسبانية الهجوم على مركز التجارة العالمية في نيويورك، داعيا إلى ضرورة إعداد إستراتيجية جهادية جديدة تقوم على ضرب مصالح الدول الأوروبية التي تعيش فيها أعداد من المهاجرين المسلمين، مؤكدا أن ذلك قد يفضي إلى اندلاع حروب أهلية فيها.

 

وما إن انتهى العقد الأول من الألفية الجديدة، حتى كانت السلفية الجهادية قد تحولت إلى ظاهرة خطيرة بسبب استقطابها للشبان المنتمين إلى أوساط المهاجرين المسلمين. ويعود ذلك إلى تدفق العديد من الدعاة المتطرفين الذين انطلقوا من داخل المساجد الموجودة في العواصم والمدن الأوروبية الكبيرة يدعون إلى الجهاد، وإلى العنف من “أجل نصرة الإسلام”، ونشره في أوروبا، وفي العالم.

 

الربيع العربي

 

ومع انتشار وسائل التواصل التكنولوجية الجديدة، أصبحت فتاوى هؤلاء الدعاة تلقى صدى هائلا لدى فئات واسعة من المهاجرين المسلمين القادمين من بلدان المغرب العربي، ومن بلدان عربية أخرى. وقد حاول البعض من المثقفين العرب الذين يعيشون في الهجرة التصدي للتطرف الذي أصبح يسم الخطاب الديني، ويدعو إلى رفض الآخر، المتمثل في الغرب، غير أنهم منيوا بفشل ذريع. ويعود ذلك إلى أن خطابهم ظلّ منحصرا في حلقات ضيّقة. وهذا هو حال مفكرين من أمثال الراحلين محمد أركون، وعبدالوهاب المدب.

 

قبل عامين، أصدر جيل كيبل عن دار غاليمار المرموقة كتابا بعنوان “عشق عربيّ: يوميّات 2011-2013”، واصفا فيه خواطره وتعليقاته عما أصبـح يسمّى بـ“الرّبيع العربيّ” سجل فيه ما كان يسمع ويرى، طارحا الأسئلة، ومجيبا عن أخرى، متجوّلا في الأسواق، وفي الأحياء الشّعبيّة، متحدّثا إلى الطلبة، والجامعيين، وزعماء الأحزاب، وبسطاء النّاس.

وهو الذي عوّدنا منذ الثمانينات من القرن الماضي ببحوث صارمة عن أوضاع الإسلام السياسي، وعن الجماعات الإسلاميّة سواء في أوروبا، أو في البلدان العربيّة، أراد أن يغيّر أسلوبه في الكتاب المذكور ليكون صحافيّا، وباحثا في نفس الوقت. وقد اشتهر جيل كيبل كمستشرق تعلّم اللّغة العربيّة في جامعة دمشق في السّبعينات من القرن الماضي بكتب، وببحوث ميدانيّة وعلميّة تكشف الظروف الاقتصادية، والاجتماعيّة، والثقافيّة التي أتاحت للحركات الأصوليّة التغلغل في المجتمعات العربيّة.

وعند اندلاع الثورات في البعض من البلدان العربيّة، شرع كيبل يتنقّل بين تونس، والقاهرة، ودمشق، وطرابلس، والبحرين. كما أنه تردّد على الدوحة كثيرا للتثبت من تورّطها في إذكاء الثورات من خلال قناة “الجزيرة”. وما نستنتجه من قراءتنا لكتاب “عشق عربي” هو أن جيل كيبل أدرك منذ البداية العثرات، والانحرافات التي سوف لن تلبث الثورات العربيّة أن تتعرّض لها، لتحوّلها عن مسارها الذي قامت من أجله، وتهديها بكامل اليسر والسّهولة إلى الحركات الإسلاميّة لتصبح وسيلتها الأساسيّة في الوصول إلى السّلطة عن طريق صناديق الاقتراع.

 

ويتحدث جيل كيبل في كتابه عن الصّراع الواضح والخفيّ بين السنّة الذين تدعمهم المملكة العربيّة السّعوديّة وقطر، والشيعة الذين تساندهم إيران. ولا يغفل كيبل عن دراسة ظاهرة الصّعود السّريع والمدويّ لما يسمّون بالسلفيين خصوصا في كلّ من تونس، ومصر.

 

وهو يصف لنا اجتماعا شعبيّا حاشدا بإشراف الأخوين عبّود، وطارق الزمّور الموّرطين في مقتل السّادات. وقد انتظم الاجتماع في مدينة الأقصر على بعد بضع مئات من الأمتار من المعبد الفرعوني الذي قتل فيه ستّون من السّياح الأجانب عام 1997، ومعلّقا على كتاب جيل كيبل، كتب كريستوف عيّاد في جريدة “لوموند” في عددها الصّادر يوم الجمعة 19 أبريل 2013، يقول “على مدى ثلاثة عقود، درّس جيل كيبل، وسافر، وأنتج، وساعد مستشرقين شبّانا على إنجاز أعمالهم. طلبته متوزّعون اليوم على مجالات متعدّدة؛ فهم يعملون في مجال البحث، وفي الدبلوماسيّة، وفي وزارة الداخليّة، والاستعلامات، وفي حلقات التفكير، والماليّة، وفي الصّحافة. وكلّ هذه الشّبكة الواسعة التي يرعاها بعناية، ومهارة تسمح له بأن تكون له معطيات ثريّة ومتنوّعة”.

 

 

المصدر: العرب

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى