كتاب «في أنواعية الشعر» لرشيد يحياوي: الحدود الفاصلة بين الشعري والنثري أصبحت ملتبسة أكثر من السابق

الجسرة الثقافية الالكترونية

الطاهر الطويل

يعتبر الباحث المغربي الدكتور رشيد يحياوي ان الحاجة ملحة، اليوم، لأن يلتفت الباحثون إلى ما أطلق عليه «البلاغيّة العربية الحديثة»، من أجل البحث في أسسها المفهومية وتمثلاتها الإبداعية في الكلام البليغ المعاصر. فأمامهم متسعات لذلك، كما هو الأمر في مسائل التصنيفات الشعرية والنثرية وتعالقات الشعري والنثري.
في كتابه المعنون بـ«في أنواعية الشعر» الصادر حديثا عن «الدار العربية للعلوم ناشرون»، يرى يحياوي ان الحدود بين الشعري والنثري أصبحت ملتبسة أكثر من أي وقت مضى، وان العديد من نصوصنا يسير إمّا على الحد الفاصل بين الشعري والنثري، أو يعبر مراوحا بين الطرفين. ويضيف قوله: «اننا مطالبون ثقافيا ومعرفيا بان نعرف ما هو الشعري وما هو النثري عندنا»، موضحا ان هذا سؤال مطروح على مستوى المنجز التعبيري تحديدا وليس على المستوى المفاهيمي المجرد، ومذكّرا ـ مثلا ـ بـ»الحلقة المفرغة» التي ما زال يدور فيها النقاش حول قصيدة النثر، وأين يبتدئ فيها كل من الشعري والنثري، وأين ينتهيان؟
تندرج مباحث الكتاب الجديد في موضوع يتعلق بتصنيف الشعر إلى أنواع. وهو ما يقصده بـ»أنواعية الشعر»، أي إخضاعه لمفهوم يرى الشعر نمطا قولياً أدبيا قائما على أنواع. فأنواعية الشعر يندرج ضمنها كل الدراسات التي تناولت الشعر بوصفه خطابا أنواعيا. وما يطمح إليه المؤلف هو تجاوز المستوى الأنواعي الكلاسيكي المتمثل في المقارنة بين الشعر والنثر وتصنيف الشعر ضمن تصنيف الأدب، إلى مساءلة النسق الأنواعي الداخلي للشعر في ذاته بوصفه خطابا قابلا للنمذجة الأنواعية.
ويوضح رشيد يحياوي في مقدمة الكتاب ان بحثه في أنواعية الشعر، لا يعني إيمانه بوجود حدود فاصلة بين الشعري والنثري فصلا مطلقا؛ وانما ينظر لهذه القسمة في وضعها الاستشكالي لا في وضع يدّعي إدراك الوضوح والتمايز المطلقين بين هذين القسيمين، ويقول أيضا: اننا معنيون في المقام الأول بحدود التماس والتقاطع بين الشعري والنثري أكثر من عنايتنا بالنماذج التي قد تمثل حدودا مفترضة للتباعد بينهما.
يرتبط هذا الكتاب في حقيقة الأمر بمشروع بدأه المؤلف في أواسط الثمانينات، وترجم بدايته بنشر كتابيه «مقدمات في نظرية الأنواع الأدبية» و»الشعرية العربية» سنة 1991، تلتهما كتب أخرى: «شعرية النوع الأدبي»، «الشعر العربي الحديث: دراسة في المنجز النصي»، «الشعري والنثري»، وغيرها.
ان هذا الكتاب يهدف بصفة خاصة إلى مناقشة سؤالين: ألسنا في حاجة لدراسة أنواعية للشعر؟
ألسنا في حاجة لدراسة تقاطعات الشعري والنثري؟ ويعتقد المؤلف ان طرح السؤالين ضرورة معرفية تقتضيها الأوضاع النصية للإبداع العربي، وتتطلبها ذائقاتنا الجمالية، وآفاق انتظاراتنا لهذا الإبداع في تمظهراته التعبيرية الشكلية المختلفة. فالنقاد العرب القدماء مثلا، تلقوا الشعر بوصفه أنواعا شعرية، وليس بوصفه نوعا شعريا واحدا، وعبّروا عن وعيهم ذاك تبعا للحقب التاريخية التي حدث فيها تغيير في الأنواع الشعرية المعروفة عندهم حينئذ. وفي هذا العصر الذي تتسارع فيه المتغيرات وينحو فيه الإبداع نحو التجدد بسرعة تفوق السرعة التي كان يتجدد بها الإبداع القديم، نحن أولى بان يكون لدينا تلقّ أنواعي يميز بين الأشكال التي تختارها الكتابة وتؤسس من خلالها أنواعها الشعرية والنثرية.
يخصص المؤلف الفصل الأول من الكتاب للتطرق إلى «الأنواعية» من خلال مقترحات غربية يمثلها أرسطو وجيرار جينيت وكلوس همبفر ورينيه وليك وغيرهم، وأيضا من خلال مقترحات عربية حديثة ممثلة في دراسات محمد مندور وعز الدين إسماعيل ومحمد غنيمي هلال وعبد الفتاح كيليطو. أما الفصل الثاني الذي يحمل عنوان «مطلب الأنواعية في الشعر» فيعالج بدائل أنواعية ومراحل إبداعية، و حرية الشعر بوصفها مدخلا أنواعياً، والغنائية بوصفها مدخلا أنواعياً.
تجدر الإشارة إلى ان الدكتور رشيد يحياوي الذي يعمل أستاذا للتعليم العالي في كلية الآداب أغادير، حاصل على الماجستير في النقد الأدبي القديم من جامعة عين شمس بالقاهرة سنة 1988، وعلى دكتوراه الدولة في النقد الأدبي القديم من جامعة ابن زهر بأغادير.

القدس

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى