كتاب يقرأ سينما المخرج بركات برؤية نقدية جديدة

الجسرة الثقافية الالكترونية
ناجح حسن*
المصدر /الراي الاردنية
بمناسبة احتفال مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الاخيرة التي ترأسها الناقد والباحث السينمائي سمير فريد، بمرور قرن من الزمان على ولادة المخرج المصري الراحل هنري بركات، جاء صدور كتاب (بركات: زعيم المحافظين في السينما المصرية) لمؤلفه الزميل الناقد السينمائي المصري مجدي الطيب.
احتوى الكتاب الصادر عن سلسلة منشورات المهرجان، سبعة فصول حملت عناوين: مصري من شبرا، سينما تراها فتقع في غرامها، السيرة العطرة، الزاهد يغادر صومعته، في مدرسة السينما، فيلموغرافيا، ورسائل ماجستير وجوائز وتكريمات، وعنها تفرعت عناوين لافته على غرار: معلهش يا زهر: طبقة متوسطةمسالمة صاحبة تقاليد صارمة، لحن الخلود: البحث عن النغمة المفقودة، حسن ونعيمة: صراع الافكار والثقافات، في بيتنا رجل: الفيلم الوطني من منظور رومانسي، السينما المصرية تنقصها الامخاخ، عن الشعر والعاطفة، افلامنا القديمة الزمن يزيدها حلاوة، وافلامي وطنية.. وليست سياسية.
يسرد الناقد مجدي الطيب محطات ومواقف عايشها عن قرب في شخصية المبدع الراحل، مبينا فيها ازمته مع السينما المصرية التي اصابته عقب انجازه لفيلم (تحقيق مع مواطنة) 1993، الذي قرر منتجه ان يطرحه في الصالات قبل ان يكتمل تصويره وفشل بركات في اقناع نقابة السينمائيين بالتصدي لهذا العبث.
ويكشف المخرج بركات في واحد من حواراته مع الطيب، ان قصة فيلم (الحب الضائع) تأليف د. طه حسين لم تكن رواية مصرية لغرابة احداثها، واسماء شخصياتها الاجنبية، لهذا اختار تمصيرها.
ويتوقف الكتاب حول رفض بركات تصنيف فيلم (في بيتنا رجل) بأنه فيلم سياسي، ووصفه بأنه فيلم وطني، مبررا رأيه بأنه لا يقدم أفلاما تنطلق من ايديولوجية، مثلما رفضه الدخول في معترك العمل السياسي لانه لا يود ان يتبنى قضايا تخدم احزابا او شخصيات بعينها، وكان بركات اعترف ايضا بأنه اخطأ عندما تنازل تحت وطأة ظروفه الشخصية، فهو جامل منتجين كثر مراعاة للجانب الاقتصادي في صناعة السينما المصرية، مثلما اشار الى اسباب سياسية كانت وراء هجرته المؤقتة الى لبنان، التي حقق فيها اكثر من فيلم مع السيدة فيروز والرحابنة: (بنت الحارس) و(سفر برلك).
اطلق المؤلف على المخرج الراحل مسمى زعيم المحافظين في السينما المصرية، كما عنونه على غلاف الكتاب، بعد اقتناعه ان البيئة التي ترعرع فيها بركات تركت تاثيرها الواضح على شخصيته وأفلامه، وكانت سببا في توجهه الكلاسيكي خاصة وان الراحل ينتمي الى عائلة شديدة الالتزام بالتقاليد.
يستعرض الكتاب جوانب مطولة من سيرة بركات، حيث النشأة والاسرة، وشغفه بالفن السابع، ودراسته، ثم توجهه لدراسة الحقوق، وسفره الى باريس، ومن ثم عودته الى القاهرة، وعمله في السينما في اكثر من مجال، قبل ان يقدم فيلمه الروائي الطويل الأول المعنون (العريس الخامس)، وهو في منتصف العقد الثاني من عمره، واعقبه بفيلم (الشريد) و(المتهمة)، (لو كنت غني)، (اما جنان)، (القلب له واحد) و(العقاب)، وصولا الى الى فيلم (هذا جناه ابي )، الذي اكتشف فيه زكي رستم وكان شديد الاقتناع بموهبته، مثلما اقتنع ايضا بالممثل كمال الشناوي وقدمه في فيلم (سجى الليل)، وليلى مراد بفيلم (شاطيء الغرام)، وأحمد مظهر بفيلم (دعاء الكروان)، ومحمود ياسين بفيلم (الخيط الرفيع).
يبرز الكتاب قدرات المخرج بركات في اسلوبيته الابداعية من ناحية تكوين الكادر وميله الدائم الى الحركة السلسة للكاميرا وحشد عناصر الاثارة والتشويق من دون ابتذال او ترخص، كما ان بركات تميز بموهبة فريدة تتمثل في ادارة الممثل وتوجيهه الى اقصى حالات الاجادة مع اكتشاف امكاناته، كما تبين مع سعاد حسني ومحرم فؤاد في فيلم (حسن ونعيمة)، ورشدي اباظة في فيلم (في بيتنا رجل). وفاتن حمامة في افلام (دعاء الكروان)، (الحرام)، (الباب المفتوح)،(لا عزاء للسيدات) و(افواه وارانب)، شكلت جميعها نماذج للسينما المصرية في التعاطف مع قضايا وموضوعات المرأة دون خطابية او شعارات او انحياز صارخ مستفز يسيء للمرأة اكثر يفيدها. مثل هذا الكتاب، يضيف الى تلك الادبيات السينمائية، قراءة جديدة في سينما المخرج بركات، كما يسد فراغا في المكتبة السينمائية، يلهم النقاد والباحثين والدارسين تقديم رؤى وافكار وقراءات متتالية لتلك القامات البديعة في السينما المصرية خاصة، والسينما العربية عموما، لاستعادة قبسات من خصوصية موروث بصمتهم الابداعية، التي تجمع بين الموهبة والاصرار ،فضلا عن الحس الانساني المرهف والنبوغ والفطنة في رؤية اسئلة الواقع وتجلياته.