كسراً لحصار الثقافة.. احتفالية فلسطين للأدب تتجاوز حدود الاحتلال

الجسرة الثقافية الإلكترونية
المصدر: رأي اليوم
كسراً لحصار الاحتلال، أذرع الثقافة العربية تمتد للعام الثامن على التوالي لتحيط بفلسطين إحاطة السوار بالمعصم، وتكسر بمعاولها الثقافية جدار العزل الذي أريد له أن يحُول بين العرب والمسلمين وقضيتهم التي كانت مركزية، وأصبحت بقدرة قادر فلسطينية.
حيث تقام هذه الأيام على الأراضي الفلسطينية احتفالية فلسطين للأدب (بالفيست) ولمدة ستة أيام بين 23-28 من الشهر الجاري، تتوزعها جغرافيا فلسطين التي لا تعترف بالاحتلال؛ مثل رام الله وبيت لحم وحيفا ونابلس والقدس والخليل، في حين تجري الفعالية في وقت متزامن في قطاع غزة المحاصر أيضاً، وستتضمن هذه الاحتفالية أنشطة ثقافية وورش عمل، وتقديم أوراق بحثية وقراءات في التجربة الإبداعية لعدد من الكتاب من داخل فلسطين وخارجها.
– الانطلاقة والتأسيس
فكرة الاحتفالية قام على إنشائها عدد من الكتاب العرب المستقلين عام 2007، وتقوم سياستها على أساس المقاطعة الثقافية لإسرائيل؛ وهي دعوة بدأت أساساً عام 2004 من قبل المجتمع المدني الفلسطيني.
الكاتبة المصرية أهداف سويف، إحدى المشاركات في تأسيس هذه الفكرة، كتبت في جريدة الشروق المصرية متحدثة عن المشروع قائلة: “ندعو كل عام نحو عشرة من الأدباء والفنانين ذوي الجمهور العريض ونصطحبهم إلى فلسطين”، مضيفة: “عدد المشاركين يختلف كل عام بحسب ما استطعنا تجميعه من تمويل على مدار السنة، والحمد لله نجحنا فى تكوين مجموعة شبه ثابتة من الداعمين والشركاء، من ضمنهم المجلس الثقافي البريطاني، لكن أغلبهم من فلسطينيي الشتات، يمكنون “بالفست” من التحقق”.
وعن أهداف الاحتفالية تضيف: “تتعمد الاحتفالية دعوة الأدباء والفنانين ذوي التأثير الواسع على الجمهور وعلى الرأي العام، وقد اصطحبت إلى فلسطين حتى اليوم نحو مئة فنان من بريطانيا وأمريكا وكندا والدانمارك والسويد والهند وباكستان، وبعضهم من العرب الحاملين للجوازات الأجنبية”.
وتتابع: “بالفست منذ بدايتها تلتزم عملياً بسياسة المقاطعة الثقافية والأكاديمية لإسرائيل التي نادى بها المجتمع المدني الفلسطيني عام 2004، كما تلتزم بالتوجه الفلسطيني الذي يرفض الحدود التي رسمها الاستعمار والاستيطان والسياسة، فتقيم فعالياتها في ما يتاح لها من مساحات في المدن المحتلة في 1967، والمحتلة في 1948 وفي غزة”.
ولم يكن قدوم الكتّاب من خارج فلسطين سهلاً، فقد تعرضت الوفود القادمة لمضايقات وتعطيل؛ إذ كان الاحتلال الإسرائيلي قد احتجز وفد الكتاب والأدباء العرب والأجانب، ومن بينهم منسقة الاحتفالية الكاتبة المصرية أهداف سويف، بحسب ما نقل موقع الجزيرة نت.
وعلى الرغم من التعب والمضايقات، لا يخفي المشاركون سرورهم بالوجود على أرض المحشر والمنشر، التي لطالما تطلعت أنظار العرب والمسلمين نحوها، حيث عبر الروائي العراقي، سنان أنطون، المقيم في الولايات المتحدة عن سعادته بالحضور قائلاً: “إن دخول فلسطين كان بالنسبة لي حلماً”.
– حضور مميز
يحضر الاحتفالية في نسختها هذا العام 37 شخصية من دول عربية وأجنبية، منهم كتاب وروائيون عراقيون؛ مثل سنان أنطون المقيم في الولايات المتحدة، وهيفاء زنكة الكاتبة والناشطة الصحفية المقيمة في بريطانيا، ومن سوريا حضر الناقد والمترجم السوري صبحي الحديدي، في حين حضر الكاتب ريتشارد فورد صاحب الكتب الأكثر مبيعاً في العالم، الذي ترجمت بعض كتبه إلى 28 لغة.
كما كان الحضور من الداخل الفلسطيني واضحاً؛ فقد شارك في الاحتفالية كتاب وأدباء مثل وفاء درويش ورجا حمادة والروائي عرفات الديك والروائي عاطف أبو سيف، ولم يكن الحضور فردياً، وإنما تجاوزه إلى حضور مؤسسات ثقافية مثل المعهد البريطاني الذي شارك وفد منه بثلاث ورش عمل تزامنت مع فعاليات المهرجان.
– فعاليات
وتعد هذه الاحتفالية فرصة مناسبة للحضور لعرض تضامنهم مع كسر حصار الثقافة الفلسطينية، خاصة بعد انفتاح فلسطين على العالم الثقافي رسمياً، إثر قبول انضمامها إلى منظمة اليونسكو في أكتوبر/تشرين الأول 2011 دولة كاملة العضوية، وقد تخللت الاحتفالية في الأيام التي مضت عرض للحالة الثقافية، وتعريف بمدى خطورة الحصار الثقافي الذي يمارسه الاحتلال، في حين كانت الأمسيات الشعرية والموسيقية تضفي فضاء من التفاعل والاندماج بين ثقافات مختلفة تتضامن مع قضية واحدة تدور حول حق الإنسان في التعبير عن خصوصيته الثقافية، بعيداً عن الخطوط الحمراء التي ترسمها الصراعات السياسية.
وكان الفيلم الفلسطيني (المطلوبون 18) حاضراً في اليوم الثاني للاحتفالية، الذي لاقى قبولاً متميزاً، وهو فيلم تدور أحداثه على فكرة طريفة ومفارقة في آن واحد؛ وذلك عندما حاول سكان المدينة الاعتماد على أنفسهم، وإنشاء اقتصاد مستقل عن طريق شراء 18 بقرة لإنتاج حاجتهم من الحليب ومشتقاته المختلفة، لتتحول هذه البقرات إلى خطر أمني يهدد الاحتلال فيطاردهن، وتتحول البقرات لمطلوبات للاحتلال الإسرائيلي.
وقد استغرق هذا الفيلم خمس سنوات من العمل الذي قام بإخراجه عامر الشوملي، والذي شارك به في مهرجان تورنتو السينمائي الدولي، وهو الآن ينافس على جائزة أفضل فيلم، حيث عرض للمرة الأولى في السادس من سبتمبر/ أيلول الجاري، ثم سيعرض في “مهرجان أبوظبي السينمائي” ثم في “أيام قرطاج السينمائية”.
– رعاة المشروع
يذكر أن هذه الاحتفالية قد استقطبت رعاة على مستوى العالم الغربي والعربي لدعم مشروع إغاثة الثقافة الفلسطينية، ومن بين هؤلاء فيليب بولان، الكاتب الإنكليزي ذو الكتابات المنتقدة للاتجاه الكنسي والجماعات الدينية المتطرفة، وزميله الكاتب المسرحي هارولد بينتر اليهودي الأصل، وشيموس هيني الحائز لجائزة نوبل للآداب عام 1935، والكاتب النيجيري الأمريكي شينوا شيبي، صاحب رواية (الأشياء تتداعى) الأكثر مبيعاً، التي ترجمت إلى أكثر من خمسين لغة، وبيع منها 10 ملايين نسخة، والممثلة الإنكليزية إيما تومسون، فضلاً عن الراعي العربي الكبير الشاعر الفلسطيني محمود درويش.