كلمات في وداعك

الجسرة الثقافية الالكترونية
*الياس لحود
جورج جرداق «عمارة» من وجدان وتراجيديا سوداء ساخرة ومصائر… أودعك جورج جرداق القريب والجار الأقرب بيتاً وأهلاً وذكريات عشت الأقرب بالمسافة البشرية، روحية وثقافية، كما الأقرب إلى جديدة مرجعيون الأم العذراء وامتداداتها لبنانياً وعربياً وإنسانياً. ورحلت ليبقى الكثير من الكلمات كلامك.
أودّعك في عصر الآلام العربية وأوجاعها المستعادة للقضايا والكتابات المهمومة التي شغلتك حتى الثالثة والتسعين. فعاشت بك ومعك ولا تزال همك الشاغل في جدية الوضع البشري وفكاهته النازفة.
أودعك بتوديع مرحلة اختلفت عبرنا كثيراً في أعماق الأخطار الكتابية ومصائرها، ولكنها كانت أكثر من ضرورية، في لبنان التنوع وعبره، بين الكتابة العربية الواصلة بهواجسها في عصر سموه «عصر النهضة» وفي إبداع الآخر الضرورة والحاجة ترجمة وترجماناً للأشواق….
وبيتي وبيتك في جديدة مرجعيون كانا سفراً إلى شواطئ النغم الأعظم. بيتان لأهلي وأهلك كادا يكونان «معماراً» صخرياً أزلياً واحداً. إنسانياً مبنياً بالكلام والمغامرة.
بيت أهلي وبيت أهلك شبه متلاصقين كانا، في عمار «متقارب» متصل تتواصل لأهلين في أهل واحد، متشاركين متشابكين في الأفراح والأحزان على نغم جنوبي أعظم.
كنا شباناً صغاراً نراقب أوراقك ومكتبتك الغنية ببودلير وفرلين ومالارميه… المفلوشة في كل مكان حر وأكبر فرحة للجميع كانت أنت المتعلم المتأدب المتعدد الكتابة، العصامي راية مشتعلة لهموم الجديد يومها.. وحتى الآن!
كنا شباناً صغاراً (أنا وعصام محفوظ ووسام جرداق)… ننمو كما نَموت في ركب شعراء هزوا جذور الكلمات واخترقوا بعض المركزيات، خصوصاً الاجتماعية والدينية. (فؤاد جرداق وعبد المسيح محفوظ ونقولا قربان)…
نمونا في جديدة مرجعيون على مقربة منك حين بدأ يكبر اسمك وينفرد بدءاً من كتابك الأول «فاغنر والمرأة» وحتى «هذه ليلتي» ومشتقاتها. بكل علاقاتها الروحية والثقافية مع أم كلثوم وعبد الوهاب وسعيد عقل والأخوين رحباني وميشال طراد… مروراً بمؤلفك الضخم «الإمام علي والعدالة الإنسانية» بعماراته الخمس الشاهقة من سقراط إلى العصر الحديث مروراً بالثورة الفرنسية وعدد كبير من أعمالك الكتابية الإبداعية عبر تحرجات بعنايتك المرهفة عن دار الروائع بدءاً من ميشال زيفاغو وجسر التنهدات وأعمال البابوات ورسلهم.. هكذا تودعك الأوطان كما تودعك الجديدة الأم العذراء دائماً كما وصفتها وكتبتها ونشرتها ونزفتها وضحكتها مقهقهاً حتى الثمالة.
أودعك.. نودعك في هذه العجالة من أعالي هذا الوطن الخالد وأسافله المزروعة في الصخر، من أودية الليطاني العاشق واستداراته المروضة إلى أعالي جبلك الشيخ وفضاءاته.
وداعاً.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
السفير