“كلمة” يترجم “في الرواية ومسائل أخرى” لإميل زولا

الجسرة الثقافية الالكترونية

المصدر / ابو ظبي

أصدر مشروع “كلمة” للترجمة، التابع لهيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، بالتزامن مع معرض الرياض الدولي للكتاب، المنعقد حالياً، الترجمة العربية كتاباً بعنوان “في الرواية ومسائل أخرى”،لإميل زولا، وذلك ضمن سلسة كلاسيكيّات الأدب الفرنسيّ التي يشرف عليه، ويراجع ترجماتها الشاعر والأكاديميّ العراقيّ المقيم بباريس كاظم جهاد، حيث قام بالترجمة الكاتب والمترجم العراقيّ حسين عجّة.

ومنح زولا فنّ المقالة مكانة أساسيّة في مسيرته الأدبيّة، التي جعلت منه رائد المدرسة “الطبيعيّة” في السّرد وأحد أكبر أعلام الأدب العالميّ الحديث، وإلى إبداعه السرديّ الغزير النافذ، كان ناقداً ومتابعاً لحركة آداب عصره، وتحوّلات مجتمعه، حيث جاء هذا الكتاب مشتملاً على عدد من أفضل مقالاته وأبقاها، موزّعة على ثلاثة أقسام.

ويضمّ القسم الأوّل أهمّ ما كتبه “زولا” في الممارسة الروائية كما كان يفهمها، وفي آباء الرواية الطبيعيّة الذين يرينا بشغفٍ ونزاهة عاليَين دَينه ودَين الرواية الحديثة لهم، وما اعتور تجاربهم الكبرى من ثغرات وهِنات، هكذا يدرس بإعجابٍ تجربة ستندال، آخذاً عليه مع ذلك طبيعته الذّهنية المفرطة، ويتوقّف مفتوناً أمام عمل بلزاك الضخم، ويتوسّع في دراسة “آثار فلوبير”، الذي يعدّه هو أبا السرد الحديث، حيث يقدّم لنا فلوبير الكاتب والإنسان كما خبرَه، وقرأه وتأمّله وعايشه، وأخيراً يعرض ويحلّل التجربة الروائية الفريدة لمُجايلَيه الأخوين غونكور، اللّذين وضعا عملاً مشتركاً كان من التناسق والوحدة والانسجام، بحيث يُقرأ كما لو كان عملَ كاتبٍ واحد.

والقسم الثاني خصّص لمقاربة “زولا” لأدب المسرح، وهنا يوقفنا على إخفاق مزدوج، يتمثّل الإخفاق الأوّل في ما يشكّل في نظره قصور الكتابة المسرحيّة، والروائية أيضاً إلى حدّ ما، لفيكتور هوغو، إذ يرى زولا أنّ الشّاعر العظيم قد أسرف في ارتياد فنون أخرى غير الشعر، لم يُعرب فيها عن التمكّن ذاته مهما يكن من شهرة أعماله فيها، والإخفاق الثاني يتمثّل في ما لاحظه من عجز لدى كتّاب مرتبطين بالحركة الطبيعيّة عن اجتراح مسرح طبيعيّ حقيقيّ.

وأمّا القسم الثالث والأخير، فيقدّم عدداً من مقالات الكاتب في أحوال السياسة والمجتمع وعلاقة الأدب بالصحافة، ما تزال ناطقة وكاشفة حتّى في أيامنا، ويدافع زولا عن حقوق الكتّاب الماديّة وعن علاقة “صحيّة” أو “نظيفة” بين الأدب والمال، ويفضح المحاكمة الزائفة المقامة في زمنه للأدب الفاحش، ولحضور شخصيّة بائعة الهوى في الأدب، داعياً إلى دراسة الظاهرة في عمقها السوسيولوجيّ، أو الاجتماعيّ الحقيقيّ، بدلاً من النحو باللّائمة على الأدباء.

وبهذه الشجاعة الفكرية ونصاعة التعبير، فرض زولا نفسه واحداً من حُماة الحقيقة والحريّة عبر الكتابة، فأحلّته كتاباته الفكريّة والسجاليّة مكانة معتبرة ضمن سلسلة من المفكّرين والمبدعين المعنيّين بحياة المواطن والإنسان بعامّة، تبدأ بفولتير، وتمرّ بزولا نفسهـ وبجورج برنانوس، وتُفضي إلى سارتر وفوكو ودولوز ودريدا.

يذكر أن مؤّلف الكتاب إميل زولا (1840-1902)، من أساطين الأدب الفرنسيّ والعالميّ، ويُعدّ الوريث الأعظم لبلزاك وفلوبير، هو رائد المدرسة الطبيعيّة في الرواية ومُنظِّرها، حيث بدأ النّشر صحافيّاً وناقداً، ثمّ نشر حكايات وقصصاً أعقبتها رواياته الضخمة التي تتقدّمها سلسلة “آل روغون ماكار” برواياتها العشرين، يعرض فيها تحوّلات مختلف أجيال أسرة كبيرة واحدة في ظلّ العهد الإمبراطوريّ الثاني بفرنسا (1852-1870)، ومن أشهر أجزائها “جَوف باريس” و”الجشع” و”الوحش البشريّ” و”جرمينال”، وأما إلى شهرته أديباً، نال زولا في سنيّه الأخيرة، شهرة واسعة كاتباً احتجاجيّاً ومدافعاً عن العدالة عبر رسالته “إنّي أتّهم” (مطلع 1898).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى