كل الأبواب تقود إلى فلسطين

الجسرة الثقافية الالكترونية

المصدر: السفير

 

كما كل أولاد المهاجرين، اختزنت روزي ناصر (مواليد بيروت) العديد من الحكايات والأقاصيص التي كانت تستمع إليها من أهلها وأقاربها، كما من أصدقاء عائلتها، في العديد من الأماسي التي جمعتهم. شكلت حكايات الهجرة من فلسطين ـ التي أتى منها والداها إلى بيروت العام 1948 ـ الموضوع الأكثر تداولا بطبيعة الحال. لكلّ شخص من هؤلاء كلهم، قصته وحكايته المختلفة عن المكان الذي بقي حاضرا في الذاكرة والقلب. لكن ما لفت انتباهها أنّ الجميع يتشاركون في حكاية واحدة: «لم نحمل معنا سوى القليل من المقتنيات. تركنا كل شيء وراءنا، لكننا لا نزال نحتفظ بمفاتيح بيوتنا».

من قصة المفاتيح هذه، بدأت رحلتها في الذاكرة والتخيّل. تخيّل تلك البيوت التي شاهدت مفاتيحها بين أيدي الجميع. ربما يمكن الحديث هنا عن تخيّل وذاكرة مزدوجين، إذ مع بداية الحرب في لبنان، هاجرت العائلة لتعيش في اليونان، ولم تعد روزي ناصر إلى لبنان إلا مع نهاية العام 1993، لتستقر فيه مجددا.

وبالرغم من كلّ تلك السنين لم تنس قصة المفاتيح، إذ كما تقول: بالنسبة إلى الأهل، أصبحت مفاتيح الأبواب دليلا على انتمائهم، شعارَ أمل العودة لوطنهم. أما بالنسبة إليّ، فقد أصبحت مصدرا للخيال، مولدة مليون سؤال لما قد يحصل لو أن لهذه المفاتيح القدرة على فتح تلك الأبواب».

من سؤال «فتح الأبواب»، ولد هاجسها الفني أو لنقل افتتانها بالأبواب، لا بالمفاتيح، فبدأت منذ ثمانينيات القرن الماضي بتصوير أبواب بعض المدن التي زارتها خلال سفرها وتنقلاتها: لبنان، سوريا، اليونان وجزرها، تركيا، تشيكيا، قبرص، إيطاليا، وغيرها من المدن الأوروبية. كانت تجد «أن لكل باب ميزة، بعضها يدعوك لتطرق، والآخر مهجور، ولكن الأسوأ هي تلك الأبواب التي تملك مفاتيحها ولا تملك القدرة على فتحها».

بمعنى آخر، صورت أبواب مدن عديدة، إلا الأبواب «الأصلية» التي كانت تحلم بها في الواقع: أبواب فلسطين. وكأن صورها هنا ما هي إلا استعارة عن أبوابها هي وأبواب عائلتها، إذ تبدو «وكأنها طريق جديدة تقودني إلى أمكنة أخرى. هي أمكنة غير مقــفلة بالنسبة إليّ، إذ أحاول أن أتخيل الحياة التي خلـفها، الأحاديث التي تحـــكى والقصص التي تُروى». هي أبـواب لا تقود إلا إلى فلسطين وإن كــان ذلك عـبر «المتخيل الفوتــوغرافي».

من هذه الأقاصيص المتخيلة أعطت لكل باب صورته واسما معينا منها «صلاة»، «حنين»، «تناغم»، «أفق»، «قيلولة»، «طمأنينة»، وغيرها من كلمات تخبر عمّا تريد المصورة أن تراه وتتخيله من عملها على الصورة التي بدأت بها كهواية تعلــمتها من والدها الذي كان يحب التصوير. لهذا لا تعتبر روزي نصار نفسها إلا «هاوية فوتوغراف».

45 صورة متفاوتة الحجم، تعرض بدءا من السادسة من مساء اليوم في «دار المصور» (الوردية ـ الحمراء) ويستمر المعرض إلى 25 الحالي، يوميا من الحادية عشرة صباحا إلى الثامنة مساء. ويعود ريعه «إلى الأطفال اللاجئين، إنها طريقتي لمساعدتهم على استرداد بعض من طفولتهم وبراءتهم المسلوبة».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى