كناب أردنيون يناقشون قضية الشللية في الوسط الثقافي ج1 / محمد المشايخ وبريهان الترك

الجسرة الثقافية الالكترونية – خاص –
محمد المشايخ*
بريهان الترك*
يجمع كتاب وشعراء وباحثون على أن ظاهرة الشللية تعم الوسط الثقافي في الأردن، يتضح ذلك في ظهور سمات اللاموضوعية، وعدم تقبل الرأي الآخر، اضافة إلى بعد الهيئات الثقافية عن العمل المؤسسي بمفهومه المدني، كما أن هذا الأمر يمارسه أفراد في الوسط فهناك المثقَّف الـمُخبِر، والمثقَّف الأيديولوجي، والمثقَّف الـمُزايد، والمثقَّف المستقل، والمثقف الصَّامت، والمثقَّف الـمُتذمِّر، والمثقَّف الراضي بكل شيء وبأي شيء.
وبخصوص “معجم أدباء الأردن” الذي أصدرته وزارة الثقافة الأردنية، بهدف بناء قاعدة بيانات عن القطاعات الثقافية في المملكة، يرى مثقفون أن هذا المعجم خرج من رحم غياب الموضوعية والحَوَل الإبداعي و(العشى) الثقافي، وأن المعجم، في أغلب صفحاته، انتفخ في حمل كاذب بأشباه كتبة ومؤلفي الكتب الرديئة، بينما يرى آخرون أن صدور هذا المعجم يعّد نجاحاً لوزارة الثقافة، وإن كان لا يخلو من بعض الشوائب كأيّ عملٍ آخر، وحتّى يستمّر هذا النجاح فإنّه لا بدّ من توفير هذا المعجم.
***
وفي هذا الصدد قالت الكاتبة مجدولين أبو الرب:”لا يمكن الإجابة عن هذا السؤال دون العودة إلى مفردات ومصطلحات، غاية في البساطة، لكنها أصبحت خالية من المضامين لكثرة ما تفوّهت بها أفواه صادقة من جانب، وأفواه مهرجين من جانب آخر، هذه المفردات والمصطلحات من مثل: الموضوعية، تقبل الرأي الآخر، المجتمع المدني، منها ننطلق نحو إجابة صادقة عن السؤال”.
ولفتت أبو الرب إلى أنه في حديث عادي بين أيّ شخصين من أيٍّ من شرائح المجتمع، وبغضّ النظر عن المستوى التعليمي لهما، نجد أنّ مخالفة رأي أحدهما للآخر، كفيلة بالنفور منه، في أبسط المستويات، وفي مستويات الذروة، يتم مناصبة من يخالفنا الرأي العداء، وقد نبحث عن مسوغات للتشهير به، والطعن بمصداقيته، ووطنيته، وعلمه، ومعرفته وأضافت: هذا بالنسبة لي هو الوجه الآخر لعملية التكفير، والذي تفشى بيننا يوم وجدنا أنفسنا لا نعرف شيئاً عن التفكير الناقد، والمنطق، وكيفية إصدار الأحكام. معظمنا يتصرف هكذا، ولا نحتمل الاختلاف بيننا ابتداء في الآراء المعيشية اليومية العادية، وصولا إلى كون الآخر يختلف عنا في اللون الجهوي أو الحزبي أو …
وأشارت صاحبة المجموعة القصصية “تشرين لم يزل” إلى أنه عندما تكون سمات اللاموضوعية، وعدم تقبل الرأي الآخر، والبعد عن العمل المؤسسي بمفهومه المدني، عندما تكون هذه سمات سائدة في المجتمع، وتتساءل: فماذا نقول عن المثقفين والسياسيين والأكاديميين والإعلاميين في هذا المجتمع؟ صحيح أنّ كل هؤلاء ينبغي أن يشكلوا حالة أرقى وأكثر معرفة، ينبغي أن تكون لهم طرائق تفكير خلاقة ومبهرة في فهمها وموضوعيتها وقدرتها على الاستشراف وحل المشكلات، هذا ما ينبغي، فهل هم/نحن كذلك؟
وتنوه أبو الرب: “إن فئات المثقفين والسياسيين والأكاديميين والإعلاميين لم تأتِ مستوردة من عالم آخر، إنهم غَرْفَة عشوائية تمّ غرفها من إناء المجتمع، فخرج فيها الصالح والطالح. من منهم يمكن اعتباره حالة متجاوزة للمجتمع، حصنت نفسها بوعيها ضد أمراض الانغلاق الفكري، ولم تنخرط في ثقافة “الشللية أو الفئوية.. ولأنها تحاول أن تكون موضوعية على أنه نعم، توجد مثل هذه الفئوية والشللية بشكل عام. ولا، لا توجد لدى قلة من الأفراد يمثلون حالات فردية، وليس سمة عامة.
***
من جهته يعتقد الكاتب والباحث مجدي ممدوح أن الآلية التي تم بموجبها تنفيذ المعجم المذكور لا تشير من قريب أو بعيد إلى أي من المسميات السابقة, فكل من استجاب للإعلان الذي أصدرته إدارة المعجم وملأ الاستمارة الخاصة وقدم المعلومات حول مشروعه ظهر اسمه في المعجم.
ويضيف ممدوح: “أنا شخصيا لم يظهر اسمي في المعجم مع أن لي كتبا مؤلفة ولي عشرات المقالات النقدية والقصص المنشورة, والسبب بكل بساطة أنني لم أملأ الاستمارة الخاصة بالمعجم, ولكن بالطبع هذا لا ينفي وجود الأمراض السابقة في الساحة الثقافية, ولكنها برأيي لم تظهر في هذا المعجم”.
***
أما الشاعر أمين الربيع يؤكد على أن التركيبة الثقافية في الأردن معقَّدة ومُحيِّرة، فهناك المثقَّف الـمُخبِر، وهناك المثقَّف الأيديولوجي، والمثقَّف الـمُزايد، والمثقَّف المستقل، والمثقف الصَّامت، والمثقَّف الـمُتذمِّر، والمثقَّف الراضي بكل شيء وبأي شيء، وهناك طفيليات كثيرة لا تصنيف لها مُلتصقة بجسد الثقافة الأردنية لا أحد يعرف كيف جاءت أو من أين، وبين هذه الأطراف جميعاً تدور رحى التنافسيَّة والقتال في كثير من الأحيان.
ويقول الربيع: “الغريب في الأمر أنَّ مُقدَّرات الثقافة يتم تقاسمها بين جميع هذه الأطراف -بنسب متفاوتة- ولكن دون الخروج بنتاج ثقافي مؤثر أو كبير، فالقصد الدعم المادي بذاته ولذاته، لذا ترى أكثر الـمُخرَجات الثقافية هزيلة وممجوجة المحتوى”.
وبخصوص “معجم أدباء الأردن” ينوه إلى أنه اطلع على النسخة الإلكترونية منه ووجد أنه عمل منقوص من حيث إيراد الأسماء ولكن ليس هذا هو المشكلة فقد قرأ في مقدمة المعجم ما كتبه المشرف العام للمعجم الأستاذ: “باسم الزعبي” حيث أشار إلى وجود لجنة مُعينة لمتابعة المعجم وجمع المعلومات الخاصة بتطويره تمهيداً لطباعته بتحديثاته كل خمسة أعوام، وهذا شيء صحي وجيد، ولكن وجود أخطاء من هذا النوع تُشير إلى مشكلة كبيرة في بنية الثقافة الأردنية ألا وهو (إعطاء الأمور إلى غير أهلها).
ويرى أن أكبر المشكلات الثقافية في الأردن مشكلة (المثقَّف الموظف) حيث تحولت الثقافة إلى وظائف من خلالها تؤمَّن السَّفريات والمكافآت والرواتب والمشاريع الثقافية بل والسيطرة حتى على المنشورات وجوائز الدولة التقديرية والتشجيعية، لو كانت المشاريع الثقافية تُنجز بدايةً لذاتها لما كان هناك أسماء منقوصة في ذلك المعجم، ولكن للأسف هي مشاريع الهدف منها نيل مُكافآت مادية أولاً وبعد ذلك يتم الالتفات إلى محتواها.
***
وزير الثقافة الأردنية الأسبق د.صلاح جرار له رأي مغاير بحيث يرى أن صدور هذا المعجم يعّد نجاحاً لوزارة الثقافة، ولا يخلو من بعض الشوائب كأيّ عملٍ آخر، وحتّى يستمّر هذا النجاح فإنّه لا بدّ من توفير هذا المعجم، ولو على سبيل الإهداء، إلى المكتبات العامّة ومكتبات الجامعات حتّى يستفيد منه أكبر قدْرٍ من الناس، لا بدّ من إهدائه إلى المكتبات الكبرى في العالم وفي الوطن العربي كي يصل اسم المبدع الأردنيّ إلى كلّ مكان.وأيضا ترجمته إلى ثلاث لغات عالمية.
***
الباحث الأردني د.سلطان المعاني يشير إلى أن معجم أدباء الأردن خرج من رحم غياب الموضوعية والحَوَل الإبداعي و(العشى) الثقافي والاحتفالية، وأنه انتفخ المعجم في حمل كاذب في كثير من صفحاته بأشباه كتبة ومؤلفي الكتب الرديئة أخذوا بالتنامي وأخذ صوتهم يرتفع على تلك الأصوات الهادئة الرصينة، ذات الدربة في التأليف والإبداع والبحث العلمي، وهذه مسؤولية تقع على القارئ والناشر والهيئات التي تزكي مثل هذه المؤلفات للنشر محسوبية وشللية وأدلجة، يغيب فيها الآخر (في الجغرافيا والجنس والتأطير الحزبي والشللية والتكتلات).
وفي محاولة منه لإيجاد حل لهذه المشكلات يقول المعاني: ينبغي، وفق حتمية المفهوم، وفلسفة المؤسسة، أن تكون مؤسساتنا البحثية والثقافية والإبداعية بيئة تشكل الوعي الثقافي، فهي التي تدير، بأدواتها الفاعلة، وتحصنها المفترض تجاه ثقافة التلقي وسلبيته، هذا الحراك. وهذه المؤسسات على ما هي عليه من تنوع وتعدد في بيئات القراء، الأجدر على تجاوز الجزر الثقافية، وفيها ما يسهم في التلاقي الفكري والثقافي، بل والتقاطع، في أكثر من مستوى، سواء على صعيد الجسم المتلقي، أو على صعيد الجسم المبدع أو الناشر.
يضيف: “إننا نُصاب بالوجوم والدهشة، التي لا تخلو من لا أبالية مسبقة في بعض الأحيان، من دور الاستهلاك الثقافي الفج، الذي يستلب التشكل الوجداني والفكري، لتغدو شرائح من القراء صيدا سهلاً للاستهداف الفكري والثقافي الضحل والمهمش”.
ويخلص: “إن الشللية والخلايا الثقافية وسائط طاغية تسعى بشكل مقصود أو غير مقصود إلى تفريغ الوطن من مكوناته الثقافية على الصعد كافة؛ الإنسانية والوطنية والشخصية، وهو ما سيصل، لا قدر الله، إلى الانكسار الثقافي. وإننا نخشى أن تصل الأمور في مؤسساتنا الثقافية والفكرية الرسمية والأهلية إلى العجز عن رسم الملامح والأطر التي تقيم تجاربنا الثقافية منذ بدايات تشكلنا الاجتماعي والسياسي والوطني ومتابعة البناء التراكمي وربط المقدمات والبناء المعرفي بسلسلة تنسج تطورا طبيعيا يصل بالثقافة إلى جسم له كينونته التي تشكله عامودا فقريا لكل مقومات الدولة الحديثة.
***
وفي السياق ذاته يقول الشاعر أديب ناصر:” الفئوية والجهوية والشللية موجودة في معظم أقطارنا العربية.. والمقياس قرابة وصداقة وعلاقات تقوم على تبادل المنافع، كما أن الموقف السياسي قد يرفع وقد يهوي بصاحبه، وتستطيع أن ترى بعض هذا السلوك من تكرار أسماء بعينها في الملاحق الأدبية على قلتها أو الأسماء التي تحظى بدعم وزارة الثقافة لنشر نتاجاتهم”.
ويرى الشاعر ناصر أن المسؤولية تقع على المثقفين الذين يمارسون التكتل بعيدا عن الاستحقاق الإبداعي، ويقول: “أفهم أن يعجب شاعر أو روائي بنفسه وبما ينتجه من عمل إلى أن ذلك يجب أن لا يكون على حساب الموضوعية هناك من يعتقد أنه الشاعر فقط وأن الآخرين غير موجودين.. وهناك مثل هذه العينة في كل الأجناس وعندما تغيب الموضوعية ويكون الجميع مبدعين.. وعندما يمارس النقاد التحيز.. وعندما تغيب أصوات مهمة في المهرجانات وفي الجامعات، كل ذلك يسقط من أهمية المثقف ومن هيبته، ويشجع على الشللية”.
ويخلص ناصر: إن غياب المثقف وجعل الثقافة في آخر سلم الأولويات له الانعكاسات الخطيرة على المجتمع وإلا كيف استطاع الفكر الظلامي أن يضرب وأن يجد له حواضن وأن يكون في صفه خريجو جامعات؟.
—————————————————————-
الآراء الوادة في التقرير تعبر عن آراء كتابها و لا تعبر عن رأي الموقع