«كوليفاتا الأرجنتينية» تجربة مثيرة لأول إذاعة يقدمها مرضى نفسيون

الجسرة الثقافية الالكترونية
المصدر / د ب ا
في الكثير من الأحيان تم تقديم المجانين بصورة كوميدية على شاشات التلفزيون بينما كانوا يعانون من التهميش والعزلة في الواقع، فقدمت إذاعة كوليفاتا وهي الإذاعة التي تبث من بونيس أيرس منذ 1991 يقدمها نزلاء حاليون وسابقون بمستشفى (بوردا) للأمراض العقلية والنفسية بالعاصمة الأرجنتينية. وباتت هذه التجربة، بعد مرور أكثر من عقدين على انطلاقها، رهانا جيدا يغير حياة الكثيرين.
في تصريحات لوكالو الأنباء الألمانية (د.ب.أ) يقول الطبيب النفسي ألفريدو أوليفرا، مؤسس ومدير إذاعة كوليفاتا التي يمكن الاستماع إليها على تردد 100.1 «في البداية أثارت (الإذاعة) الاهتمام نظرا لكونها فكرة جديدة، وبعد عشر سنوات يمكن للمرء أن يعتقد أنها تثير الاهتمام لأسباب أخرى، منها أنها جعلت من يقدمونها يشعرون بأن لكلمتهم قيمة». وكان مؤسس الإذاعة يعتقد أنه «من المستحيل إحداث تغيير فيما يتعلق بإشكالية المعاناة النفسية إذا لم يتم إيجاد مساحة للعمل على هذه الإشكالية كذلك على الصعيد الاجتماعي». ويقول «قضية الجنون معقدة للغاية ويمكن التطرق إليها من عدة جهات.
ما وجدته عندما بدأت التردد على المستشفى كمتطوع في 1990 هو حالة العزلة الاجتماعية الكبيرة التي كان يعيشها النزلاء».وكان أوليفيرا يعلم أن عددا كبيرا من الأشخاص أمضوا سنوات داخل جدران هذه المستشفى.
وأوضح «فكرة الإذاعة واتتني كرد فعل، في البداية، بشأن تأثير ممارسات اجتماعية معينة ينجم عنها إقصاء» المرضى، معتقدا أن هذا يحدث داخل جدران المستشفى. وأبرز مدير (كوليفاتا) «المشروع له تأثير على الصعيد العالمي، نظرا لكونها الإذاعة الأولى في العالم التي تبث من داخل مستشفى للأمراض العقلية والنفسية»، مشيرا إلى أنها لفتت الأنظار لدرجة أنها أصبحت نموذجا احتذت به مبادرات مشابهة في العديد من الدول بينها أوروجواي وتشيلي وفرنسا وإسبانيا والسويد.
ويتم بث الإذاعة، التي تحصل على التمويل اللازم من خلال الترويج والتبرعات والأحداث الاحتفالية والمعونات، مباشرة من حديقة مستشفى (بوردا) أيام السبت ولمدة ست ساعات من خلال الهوائي الخاص بهم. ويستقبل البرنامج ضيوفا بعضهم من المشاهير أمثال الموسيقار الفرنسي مانو شاو.
ويضيف أن الإذاعة باتت «مرجعية مهمة» حيث أن لها تأثيرا ليس فقط على المرضى، وانما كذلك على صعيد حشد الدعم والتضامن من جانب المجتمع، مشيرا إلى اعتقاده بأنها ربما أثرت «في تطبيق سياسات عامة». يشار إلى أن (كوليفاتا) عبارة عن منظمة غير حكومية تأسست في إطار تجربة تواصل علاجية لإيجاد روابط بين نزلاء المستشفى والعالم الخارجي.
وأشار أوليفيرا إلى أن الفكرة الأساسية وراء إنشاء هذه الإذاعة تتمثل في «القيام بعمل يوجد مواقف يلتقي فيها أشخاص يعانون من مرض عقلي ومجتمع يميل إلى عزلهم وتجاهلهم ووضعهم جانبا وتركهم». وفي الوقت نفسه، يقول إن الهدف أن تدخل هذه الإذاعة البهجة والسعادة وأن تسجل سلسلة من المواقف التي تحدث داخل المستشفى وإذاعتها خارج أسوارها.
ويضيف «منذ البداية، في شهر أغسطس 1991، كانت هناك استجابة فورية من الجمهور مع البث الأول لجزء مما تم تسجيله هناك». في ذلك الحين، عندما كان الإنترنت لا يزال في مراحله الأولى، كان أوليفيرا يذهب إلى مستشفى الأمراض العقلية والنفسية ومعه جهاز التسجيل الذي كان الصحفيون يستخدمونه آنذاك. ويضيف «كانوا موافقين على التسجيل. كان (جهاز التسجيل) ينتقل من يد إلى أخرى، يتحدث كل فرد منهم من وجهة نظره عن موضوع ما. بعد ذلك يتم بث مقتطفات من ذلك الحوار على إذاعة محلية، ما كان يؤدي إلى استجابة من المستمعين. اتصالات هاتفية كنت أقوم بتسجيلها.
وفي السبت التالي، عندما يجتمعون من جديد، كان مدير الإذاعة يحضر معه تسجيل اتصالات المستمعين كي يستمعوا إليها جميعا». وأشار إلى أن هذه الاتصالات «كانت تسمح بفتح نقاشات جديدة لأنها بصورة عامة كانت عبارة عن أسئلة: كيف تقومون بمعالجتهم؟ ما هو بالنسبة لكم الجنون أو الحالة الطبيعية». وتصبح أسئلة المستمعين محركا كي يشرع نزلاء المستشفى ممن يشاركون في تقديم الإذاعة في النقاش.
أما أوليفيرا فكان يعمل على تنسيق هذه المساحة من التفاعل غير المباشر.
ويؤكد مدير (كوليفاتا) أن هذه الإذاعة تبدو وكأنها مسرح يقدم مواقف يلتقي فيها الجانبان اللذان تفصل بينهما جدران المستشفى، وتعطي للمرضى شعورا بأنهم جزء من المجتمع ويتفاعل معه. ويتم تسجيل محتوى الإذاعة أسبوعيا ويتم تحريره بما يتماشى مع المعايير الأخلاقية- العلاجية والجمالية.
يقول أوليفيرا إن «وجود إذاعة لهؤلاء الأشخاص ومستمعين واعتبار وجهة نظرهم صالحة بدأ يترك أثرا في (نفس) من كانوا يتحدثون، كأن يكون لديهم الحافز على المناقشة والمشاركة في المناقشات وترتيب الأوراق، والتفكير والمشاركة في القضايا المطروحة على الصعيد الاجتماعي».ويؤكد أوليفيرا أهمية المشروع، حيث يشير إلى أن الإذاعة «رافقت الكثير من الأشخاص في عملية التعافي والخروج من المستشفى، وكذلك بعد الخروج منها».