كونتشاكوف: نوفّق بين الكلاسيكي والذائقة المحلية

الجسرة الثقافية الالكترونية-السفير-

 استضاف مسرح «المركز الثقافي الروسي» في بيروت الفنان الروسي العالمي أنطون كونتشاكوف، يرافقه الفنان اللبناني أرتور ساتيان في أمسية بعنوان «جاز روسي في بيروت». الزيارة الحالية لكونتشاكوف إلى لبنان هي الثالثـة، لكـنها الأولى التي يعزف فيها، يقول: «بالإضافة إلى الأمسية التي نظمها المركز الثقافي الروسي، درّبت طلاب الموسيقى في دورة، من تنظيم مؤسسة «ليبام». الدورة ركزت على مكامن الإبداع الارتجالي أثناء العـزف، كإنجاز شبه عفوي، ومباشر، لحركة موسيقية أو عدد من الحركات، يوازي المعزوفة الأصلية». ويشير إلى أن موسيقيي الجاز «لديهم معرفة كبيرة بالموسيقى الكلاسيكية، ويمكنهم استخدام ذلك في الإبداع ارتجالاً على خشبة المسرح»، معتبراً أن «الارتجال يسلك مسارات شبه محددة، يمكن العمل على تطويرها عند الموسيقيين. ذلك ليس إعادة توزيع لبنية القطعة الموسيقيـة، بل إحـداث مسـارات تنـطلق من الكلاسيكي إلى الإبداعي، ويلاقي ذلك استحسان المستمعين الذين يتمتعون بمعرفة موسيقية كافية».

الجاز بالنسبة إلى كونتشاكوف لغة. تلك اللغة «يمكن تطويرها على خشبة المسرح. والارتجالات الإبداعية في الجاز، تشبه إلى حد بعيد تنفسك على زجاج شباك يكسوه الجليد، ففي كل مرة تظهر ذرات الجليد لوحات جملية. لكن في كل مرة تظهر أشكال جديدة لا تشبه المرات السابقة». ويشير إلى أنه «لا يوجد مستمع طارئ، فمستمع موسيقى الجاز يعرف تلك اللغة. وهو مستمع متأهب متسلح بالمعرفة، متذوق للثقافات المختلفة، ويجلس في مكانه أمام الموسيقي حاضراً بكل حواسه لتذوق ما الجديد الذي سيحدثه الموسيقي على المعزوفة الكلاسيكية المعروفة. ويخلق ذلك مشهد صراع جميل بين العزف وتفاعل المستمع معه، وبالتالي في كل مرة هو تحد جديد للعازف».

كونتشاكوف، أحد أشهر الموسيقيين الروس الذين يعزفون على آلة الكلارينيت، ويدرّسون العزف عليها. بدأ يعزف على تلك الآلة سنة 1986، في المدرسة الموسيقية رقم 83 في موسكو. والتحق سنة 1990 بـ«الكلية الروسية الدولية للآلات الموسيقية النفخية»، كما تدرّب على يد الأستاذ موزغزفينكو حتى العام 1995، في «كلية ثورة أكتوبر الموسيقية»، وتخرج بتميز، قبل أن يحضر للدكتوراه التي نال درجتها في العام 2002. في الوقت نفسه، عمل عازفاً منفرداً في «فرقة ماريمبا بلاس»، قبل أن يغدو عازفاً منفرداً في «الأوركسترا الوطنية الروسية» في العام 2004. وله مشاركات عديدة في المهرجانات الوطنية الروسية والدولية للجاز. يقول كونتشاكوف: «أشعر بفرح كبير وأنا أزور لبنان. وأعتمد في زياراتي إلى لبنان على صديقي أستاذ الكونسرفاتوار طلال فقيه. في المرتين السابقتين كان هدفي زيارته، أما اليوم فتطور ذلك إلى إحياء حفلات مشتركة. وأعتقد أن لبنان رائع، ويتميز بثقافة غنية، ولدي اهتمام كبير بالموسيقى الشرقية».

الكونشيرتو المشترك، بين كونتشاكوف على الكلارينت وساتيان على البيانو، بدون آلة السكسفون، التي تقترن عادة بموسيقى الجاز. يشرح أنطون أن «الجاز لا يتعلق بالآلة، بل بقدرات الموسيقيين، وبالتالي على الرغم من الربط الشائع بين الجاز والسكسفون، وما للسكسفون من بريق جميل على خشبة المسرح، إلا أن لتلك الآلة الموسيقية إمكانيات محدودة».

ويحتاج العمل المشترك وفق كونتشاكوف إلى مادة أساسية «ستاندار»، وهي عبارة عن قطعة موسيقية شهيرة، «تنتقى بعناية كي تتلاءم مع الجمهور، وتبنى موسيقى الجاز على أساسها». يقول: «نعزف على البيانو، والكلارينيت، فبعد المقدمة الموسيقية، تتاح لنا مساحات للإبداع الارتجالي، وفق طبقات موسيقية مختلفة. وذلك يحدث تفاعلاً جميلاً بين العازف والجمهور». في الأمسية عزف الفنانان معزوفات الجاز الشهيرة، ومصدر معظمها من أميركا. ويرى كونتشاكوف أنها «بداية جيدة لمستمع الجاز في لبنان. ثم ننتقل شيئاً فشيئاً إلى عدد من المعزوفات الشرقية. وهنا تجدر الإشارة إلى أن الموسيقي، أثناء عزفه يمكنه قياس مدى تفاعل الجمهور معه، ما يمكنه أن ينتقل بالعزف إلى تأليف محدود يتماشى مع ذلك التفاعل ويعززه».

أثناء فترة دراسته الجامعية، عمل كونتشاكوف وساتيان على عدد من القطع الموسيقية الكلاسيكية، في المعهد العالي للموسيقى في العاصمة الأرمنية يريفان، يضيف «راعينا في تلك الموسيقى التوفيق بين الكلاسيكي والذائقة الجماهيرية المحلية. ويمكننا أن نجدد ذلك الجهد عبر الأوركسترا الفلهارمونية اللبنانية، بالتعاون مع أرتور، الذي يعد أحد العازفين البارزين فيها، أو مع الفرق المحلية. وبالتالي ستتزاوج موسيقى الجاز مع المنتج الكلاسيكي اللبناني، أو الشرقي».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى