كيف تقرأين «دليل الإستخدام» للأردنية فيروز التميمي؟!

الجسرة الثقافية الالكترونية
دنى غالي –
لعل دليل الاستخدام يخص المرأة في مجتمعاتنا العربية أكثر مما يخص الرجل وإن كان موجها له بقدر ما هو موجه لها، وكدت أقول وإن قرأه الرجل بصوت عال للمرأة ولكني تداركت الخطأ فهي امرأة عصرية وعلمية هذه التي تقدمها الكاتبة إلينا عبر نصوص أطلقت عليها نصوص سردية عن تجارب المرأة الفريدة كعنوان ثانوي.
لجوء التميمي إلى دليل الاستخدام يشفّ عن حس دعابة مؤلمة وسخرية لذاتها الشقية في الكثير من أبوابه ويكشف عن نية مبطنة لفضح جهلنا، وكأنها ترمي إلينا بدليل يعيننا على «استخدامها» هي، كي نفهم الأنثى، لاسيما وقد تعددت الأدوار المطلوبة منها فراح عقلها وقلبها اللاهثان يتقاطعان في الكثير من الأحيان مع ما يتطلبه جسدها كآلة؛ المطلوب أن تكون أنثى ناعمة ملساء ولا ضرورة لمعرفة ما تتكبده لأجل أن «تؤنث» هذا الجسد الذي يجب أن يثبت في الوقت عينه فاعليته وجدارته أسوة بالرجل في ساحات العمل، المطلوب أن تكون أمّا ولا هَمّ ما ستمر به خلالها من تحولات بين عمليتي الالتحام والانفصال وهي تصيب قلبها وروحها، رحمها، بطنها، صدرها بحلمتيه وبشرتها، تحولات قد لا يعلم بها حتى داروين لأجل أن تستحق لقب أم وزوجة وعاشقة ومعيلة تعبر إلى الضفة الثانية مع وليدها أو حبيبها ناجية من الغرق في وعيها المعاصر ممزوجا بهواجس وعواطف شرقية تربّت وكبرت عليها، ذلك مثل الهوس المبالغ فيه الذي سكنها خوفا من أن تفض بكارتها لسبب ما عندما كانت بنتا. انها إذاً تركيبة شديدة التعقيد بين الهنا والهناك! بين الواقع الذي يحاول شدّها إلى القعر وبين ثقتها بنفسها وإيمانها باستقلالها مثل سائر النساء المتحررات في العالم. ليست مثل الأم العادية أو الجاهلة التي تستسهل الكشف عن ثديها وإرضاع طفلها وسط الجارات لتعاملها مع الفعل بدافع فطري ولا هي امرأة غربية تنفرد بركن في مقهى ترضع طفلها وكأنها مقبلة على طقس يفرض على العالم أن ينحني لها وهي تشرع في ممارسة حقها واستعراضها. إنها إذا من جهة ثانية أزمة المرأة العربية الحديثة التي يتناقض وجودها بأكمله مع الواقع المعاش الممعن في تخلفه. انه غربتها وعدم اندماجها وانتمائها هو ما تعانيه.
«إن لم يكن أنتَ فمن يكون؟! وإن لم يكن الآن فمتى؟!»، هذا ما قالته الممثلة ايما واتسون مخاطبة الرجل قبل يومين ضمن الحملة التي شنتها الأمم المتحدة من أجل المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة. ولسنا هنا بصدد الحديث عن خطاب نسوي بقدر محاولة تلبس أكبر مقدار من المعاناة لدى نسائنا. انها عملية تقترب من اللعب والتطويح بعجينة في الهواء ومن ثم تركها لترتاح قبل خبزها!
التميمي تجرنا لنتتبع تلك المرأة في تحركها، في البيت، الحمام، المطبخ، في مكتبها للعمل وداخل سيارتها، لما تطل من النافذة أو تدخل على المنتديات العربية على النت، حين ترصد الطبيبات في غرفة الولادة أو تبحلق في شاشة الموبايل أو حاسوبها. امرأة بتفاصيل يومية بوزن العالم، بوزن كل الوجع والحب والإرادة والضعف والاقتتال للمضي في حياتها. هل حقا سيفهم العالم ما تقوله؛ «لو ان هذا العالم يصفن قليلا في تعقيد الداخل والخارج لأمكنه فهمكِ»، انها في صيغة المخاطب وعلى مدى أربع وثمانين صفحة تخاطب نفسها والعالم الذي من ضمنه الرجل ولاشك، أول من يتبادر الذهن إليه في مدى امكانية استيعابه لداخل المرأة، ما يجول في رأسها وما يلمّ بجسدها في مراحله المختلفة، في عملية الخلق والولادة والحيض والترضيع والفطام، والحب بكل أنواعه.
تخرج فيروز التميمي بـ «غشائها سليما» من خلال خطاب عصري فضّلت أن يضمه إطارا آخر غير الأطر المتعارف عليها أو الأجناس الأدبية المعتادة، يقترب من البلوك أحيانا، ولعل تفاصيل نجمعها هنا وهناك تدلنا على حركة المرأة التي تتناولها في هذه النصوص وهي تدلل إلى حد كبير على عمليتها، فاعليتها وقابليتها السريعة على الضجر والملل من الشرح والإطالة، من أجل هذا اعتمدت الكاتبة دليل استخدام أدرجت فيه ما تريد إيصاله في نقاط موجزة لا تستدعي الكثير من الوقت لنفهمها، بظنها على الأقل! انها امرأة متحررة حديثة لا تستمتع الى الجارات ولا تؤمن كثيرا بالخزعبلات المتبعة في الحياة، ودليل الاستخدام هو طريقها، كما هو الطريق المستخدم لدى الغرب الذي لا تني رميه بالحجر. انطباعنا أن الدليل لا ينال من الاهتمام الكثير لدى ناسنا، ليس لأن الترجمة غالبا ما تكون حرفية تقترب من غوغول، ولكن لأننا أيضا بطبيعتنا نستعين، نتكل، نعول، نفضل الشفاهة في استقصاء الخبر، والريشة تصبح خمس دجاجات أو شيء من باب «من الحبة قبة». وهي من طراز يسرب إلينا لا يقينيته حين تتقمص حالات النساء الدافئات الوحيدات العنيدات.
انه دليل استخدام لها وحدها تتسلى بأذاه كطريقة مقترحة من قبلها لتجاوز الألم، لتنحيف الوعي بالخسارة، لإطفاء حرقة الفقد وتكريس كتمان الآخ وتمرير الآهة ومن ثم المواصلة.
فيروز التميمي، دليل الاستخدام ـ نصوص سردية عن تجارب المرأة الفريدة. عمّان، عن دار أزمنة 2014.
القدس العربي