لإرهاب و”حروب الحاجة”

الجسرة الثقافية الالكترونية

من وجهة نظر اجتماعية تبدو الحروب المفاجئة والمستعجلة التي تشن حالياً على “الإرهاب” مثل طفرةٍ آنيّة، تنطلق لغرضٍ محدد ومعلوم، وليست حرباً بالمعنى الاستراتيجي على صناعة الإرهاب.
ويمكن تسميتها “حروب الحاجة”، فهي مجرد ردّات فعل عجولة، تنطلق حيثما انطلقت رصاصة أو توقفت سيارة عسكرية مجهولة، دون وضع قيم معينة ومسؤولة، تنشب هذه الحروب من أجلها، ولإنفاذها.
بمعنى أوسع وأكثر صراحةً؛ تبدو هذه الحروب ضد الإرهاب موجهةً ضد حالة، أو مرحلة، وهي بالمحصّلة حروب دفاع عن أنظمة متضرّرة وليست حروب دفاع عن فكرة الدولة والمجتمع.  وثمة فارق كبير بين الدفاع عن مؤسسة النظام في أي دولة والدفاع عن بنية الدولة ذاتها، وكذا بنية المجتمع. وهو للأسف ما يحدث الآن؛ حيث تتدافع الأنظمة في العالم، وتتلاقى (رغم تنافرها أو حتى تناقضاتها) على فكرةٍ واحدة، وتجتمع بشكل استثنائي على محاربة عدو واحد (أو ما تظنُّ أنَّه واحد)، دون أن (تنسّق) أو تتحالف مع مجتمعاتها بشكل حقيقي واستراتيجي.
والنتيجة، في ظل وضع كهذا، نشوب حروب تحدث في مستوى ما، ليس على الأرض تماماً، ولا تهدف لإزاحة الإرهاب بقدر ما تهدف الى التصالح معه وفق صفقة تحمي النظام في هذه الدولة أو تلك. لكنها لا تلاحقه إن كفَّ شرَّه عنها!
وهذه الحروب، “حروب الحاجة”، توسّع الهوَّة بين الأنظمة ومجتمعاتها، حين تبدو الأخيرة تواجه الإرهاب وحدها، في خنادق أخرى غير تقليدية مثل الثقافة والدين والاقتصاد والتعليم والشأن اليومي والحريات الشخصية والاجتماعية.
المقصود بالقول، أن الحرب على الإرهاب لا يجب أن تقف عند حدود عملية عسكرية هنا او ضبط خلية هناك، بقدر ما هي استراتيجية أوسع وأعمق من ذلك؛ تتصلّ بأنماط التربية ومناهج التعليم وأخلاق السوق وضوابط المجتمع وصلاحيات المسجد.  ففي ظل غياب هذه الاستراتيجية، وانشغال الأنظمة بوضع استراتيجيات للدفاع عن نفسها فقط، تفرَّدت المؤسسات والحواضن الاجتماعية للإرهاب بالمجتمع، ووضعت له رزمةً من “النواهي” و”الحدود”، وألزمته بها، حتى وصل الأمر إلى شكل الزيّ الذي يجب أن يلبسه!  وفي فترة من الفترات ساد تواطؤ بشع وانتهازي للغاية بين بعض الأنظمة وهذه الحركات، مؤدّاه أن تركوا لهم الشارع يعيثون فيه “هدايةً وإصلاحاً”، مقابل أن يكفّوا أذاهم عن الطبقة الحاكمة في تلك الدولة أو تلك! والآن، حين تعلن الأنظمة الحرب، على مستوى العالم، في حالة طوارئ غير مشهودة من قبل، لدحر الإرهاب، يظلُّ الأمر للأسف على ذات المنوال؛ فالهاجس الأساس هو الدفاع عن النظام في دولة ما أو أكثر يتداعى نظامها، لكنَّه حين تعرض المجتمع للذبح والصلب والسبي والأسر ودفع الجزية، لم تنطلق حتى حفنة ضباط للدفاع عن الناس الذين بلا سلطةٍ وبلا ألقاب!
لكن لا أحد يسأل كيف تجد أي حركة إرهابية تولد آلاف المستعدّين للانتساب اليها؟ ولماذا وما الذي يدفعهم الى ذلك؟ هل نحن بحاجة الى إعادة نظر في المناهج؟ في التربية؟ في منظومة العائلة؟ في النظام الاقتصادي؟ وأيضاً، وبالدرجة الأولى في تحرير المجتمع من الحركات الدينية التي تتصرف كحكومات ظلّ!
#الوطن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى