لماذا يغرق العرب في أتون الصراعات الداخلية ؟ / عبد المجيد جرادات ( الأردن )

الجسرة الثقافية الالكترونية -خاص- 

        

في الجزء الثاني من تاريخ  الطبري نقرأ أنّ الإسكندر كان أول من اكتشف أهمية هذه المنطقة، بعد أن أرسل أحد قادته ( الجنرال تياركوس) في العام 325 قبل الميلاد، بمهمة بحرية، بدأت من مصب نهر الهندوس، وصولاً إلى الجانب الشرقي من الخليج العربي، وعند عودته قدم تقريراً عن أهمية التجارة بين بلاد البحر الأبيض المتوسط والخليج وطريق الفرات في التجارة مع الهند، ومنذ ذلك الحين، عُرف أن من يستحوذ على أدوات النفوذ، أو حق السيادة في هذه المنطقة، فإنه يمتلك بذلك مفاتيح العالم.

    بعد الحرب العالمية الثانية 1939_1945، برزت حالة من صراع المصالح بين القوى العظمى: الولايات المتحدة الأميركية والدول الأوروبية من جهة، والاتحاد السوفيتي (سابقاً) من جهة أخرى، وقد تبلورت معادلات هذا الصراع على النحو التالي:

  أولاً: في نهاية عقد الأربعينات، ومطلع الخمسينات من القرن الماضي، تأكد خبراء السياسة والاقتصاد في الولايات المتحدة أن لدى (الروس) إمكانات وخطط واعدة في ميادين غزو الفضاء والملاحة الجوية، وفي حينه شعر الرئيس الأميركي آنذاك (روزفلت) بالخطر الذي يُهدد المصالح الغربية في الشرق الأوسط، الأمر الذي دفعهم للشروع ببناء سلسلة من التحالفات مع معظم الدول العربية تحت شعارات تندر ج ضمن مفاهيم التعاون، الذي قيل أن النظم الرأسمالية، ستلعب من خلاله دوراً بارزاً في الازدهار والارتقاء بعيش الشعوب العربية التي انخرطت بعلاقات ودية مع الغرب.


 ثانياً: ارتكزت السياسة الروسية على (مبادئ) لينين وماركس؛ وهما من رواد  الإشتراكية) التي تميل بحسب ما اعتادت المراكز الفكرية والسياسة في الغرب التركيز عليه، لمبدأ الإطاحة بالنظم الرأسمالية، وما تحمله من مفاهيم من شأنها توسيع الهوة بين الأغنياء والفقراء، وقد تبنت الفعاليات الإعلامية في المعسكرين الغربي والشرقي .. منهجية متطورة من أساليب الحرب النفسية.. والتي مهدّت بدورها لخلق تناقضات وتباينات بين العرب على مستوى الدول والجماعات، مما حال دون وجود سياسات عربية تستند على التكافؤ وتبادل المنافع ضمن متطلبات تكاملية الأدوار.

  مع مطلع العام 1979 وبعد توجه الإمام ( الخميني ) من باريس إلى طهران ورحيل الشاه، كان في جعبة وسائل الإعلام في الولايات المتحدة والدول الغربية جملة تنبوءآت وتساؤلات أهمها: أن المنظومة الاشتراكية المعمول بها من قبل الاتحاد السوفياتي، بطريقها للانهيار، وفي حينه تم التفكير بتحديد هوية الدول أو الأشخاص العرب الذين تتعارض مواقفهم أو أيدولوجياتهم مع السياسات الغربية بقصد البدء بمشاغلتهم، بعد أن  يتأكدوا من تلاشي خطر المد الشيوعي على المصالح الغربية في العالم العربي، وقد خلصت مجمل التحليلات إلى أهمية البحث عن خصوم جدد حتى وإن كانوا وهميين  Straw man، ومن الاعتبارات التي تم البناء عليها وجود تنّوع اجتماعي وروحي وعرقي وديني، وتفاوت في الدخل القومي بين معظم الدول العربية.

  ترتكز السياسية الخارجية للولايات المتحدة إزاء منطقة الشرق الأوسط على جملة ثوابت، أهمها: حماية أمن إسرائيل التي تمكنت منذ حربها مع الدول العربية في العام 1967، من امتلاك ترسانة عسكرية تفوق ما يتوفر لجميع دول المواجهة العربية من معدات، إلى جانب ضمان حرية المرور في الممرات المائية الثلاثة: قناة السويس، باب المندب، ومضيق هرمز، نشير  هنا إلى أن القيادات الإسرائيلية استطاعت أن تقنع الإدارة الأميركية على الدوام بأنها ملتزمة بحماية المصالح الغر بية في المنطقة العربية، وقد ثبت ذلك في العام 1982، عندما اجتاحت القوات الإسرائيلية الأراضي اللبنانية، ويومها طار “مناحيم بيغن” رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إلى العاصمة الأميركية، وعند سؤاله عن أسباب القيام بهذه الحملة قال بأنها “تأتي ضمن استراتيجية دفاعية عن مصالح الولايات المتحدة في المنطقة”.

 كان التواجد الروسي في أفغانستان يُقلق الولايات المتحدة والدول الغربية، وعندما تأكدت بوادر الأزمات الاقتصادية في روسيا،وكان ذلك خلال عقد الثمانينات من القرن الماضي، فقد أعدت الترتيبات التي تلحق الهزيمة بالروس وتنهي وجودهم هناك، وبدون مواجهات عسكرية بين حلف الأطلسي وحلف وارسو، أما الخطة التي نفذت على أرض الواقع، فهي تأسيس حركة طالبان ثم تنظيم القاعدة، وقد استطاعت فصائل متعددة من طرح شعار (الجهاد) من أجل تحرير أفغانستان، حيث استقطبت مجموعات من الشباب الذين كانوا بأمس الحاجة لفرص عمل في دولهم، والمحصلة هي أن مهمة هؤلاء لم تتوقف عند رحيل الروس من أفغانستان، إذ بدأوا بالتوجه للدول العربية التي شهدت وتشهد مرحلة من عدم الاستقرار الداخلي، وهاهم يخوضون معارك طاحنة في أكثر من دولة عربية. أما السؤال الملح فهو: من يمول هؤلاء، ومن هي الجهة التي تخولهم قتل الأبرياء واستباحة حرمة الأماكن التي يتواجدون فيها ؟ من المفيد القول بأن يلوح في الأفق ما يؤكد وجود نوايا لمصالحات داخلية في الدول التي ابتليت بخلافات كنا نتوقع أن تحل الدول الأوربية تتخوف من عودة رعاياها الذين التحقوا بهذه التنظيمات، لأن خبراتهم المكتسبة ستوجه سلوكهم نحو الأفعال التي تتعارض مع مقومات السلم الاجتماعي.

 

على المدى المنظور، ثمة محاذير من مخرجات الأحداث التي تدور في بعض الدول العربية، إذ لا يلوح في الأفق أية إحتمالات للشروع بحوارات وطنية تقود إلى تفاهمات تلتقي مع المصالح العليا للجميع، أما المزعج فهو أن الآلاف من الطلبة الذين اضطروا لترك منازلهم مع ذويهم بخاصة من الجمهورية العربية السورية، لا تتوفر لهم التسهيلات التي تمكنهم من مواصلة تعليمهم، الأمر الذي نخشى بسببه أن يكون هؤلاء أدوات طيعة لمن امتهن حرفة القتل والخروج على القوانين التي تنظم سير الحياة وتكفل كرامة المواطن وهيبة دوائر الدولة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى