لم يصل أحد!

الجسرة الثقافية الالكترونية
*ميسون الإرياني
الهجرة إلى أوروبا، الحلم الذي يداعب خيالات شباب الوطن العربي، خصوصاً الذين يسكنون الأراضي التي استوطنتها الحروب، الفاقة والمرض، بالإضافة إلى انعدام الأمان، وفرص العمل والخدمات الأساسية فيها.
قوارب الموت أصبحت بالنسبة إلى البعض الوسيلة الوحيدة للهرب من تعقيدات الفيزا أو الرفض.
دعونا نتذكَّر قصة الأميرة الصغيرة سارا كروي. تلك القصة التي لا يمكن لجيلنا، على الأقل، نسيانها – للمؤلفة Frances Hodgson Burnett. سارا هي سليلة والدة فرنسية وأبّ هندي غنيّ، تعمل كخادمة في معهد للبنات بسبب موت أبويها، حتى يجدها صديق والدها، ويسلّمها ثروتها كما تابعنا من خلال القصة.
سأتحدَّث عن سامية، شابة من الحبشة في السادسة والعشرين من عمرها. عملت في اليمن منذ أن كانت في عامها السابع عشر، كخادمة تتنقل من بيت إلى بيت، عبر مكاتب العمالة التي توصي بعاملات وافدات لمنازل القادرين. انتقلت من بيت إلى بيت ملاقية أقسى ما يمكن لفتاة في عمر الزهور ملاقاته، من إهانات، إلى استعلاء وتعب يفوق تحمّلها، لقاء مكان تسكن فيه يقتطع أجره وأجر وجباتها من راتبها، سواء في نفس المنزل الذي ستعمل فيه أو في حال قرَّرت تأجير مكان خاص بها.
في حال سكنها في نفس البيت مع من تعمل لديهم، عليها أن تحتمل انعدام تحديد ساعات العمل، أي أن تعمل من قبل استيقاظ أهل البيت حتى ما بعد نومهم. غالباً لا يتمّ تقدير جهدها أو حتى مرضها من عدمه، طالما توفي بمهامها اليومية التي قد تكون شاقة لدى بعض الأسر – كما كان حال سارا كروي تماماً – وذلك بينما كان راتبها لا يتجاوز مع ذلك المئة وخمسين دولاراً بعد أن يأخذ المكتب عمولته ويتم تقسيط قيمة الإقامة من راتبها سنوياً.
سألتُ سامية مرة: ماذا ستفعلين بالمال الذي تجمعينه؟ قالت إنَّها تريد شراء دجاج كافٍ لتفتح مزرعة صغيرة وتبيع البيض.. البيض سعره مرتفع في الحبشة، وتجارته رابحة جداً.
لم يتبقّ من الزمن إلَّا شهر واحد لمغادرة سامية إلى أهلها، حاملة المال القليل الذي جمعته كل هذه السنين، لتحقِّق طموحها.. لكنَّ الحرب بدأت، وبدأ معها طموحها الجديد.
سألتُها: هل سترحلين إلى بلادك عبر طائرات الإجلاء أم عبر جيبوتي؟ فقالت: لا، ولكن سأذهب إلى أوروبا. وحكت لي كيف أنَّ صديقتها اتصلت بها من هناك، ودلَّتها على الطريقة. منحَتها السبيل إلى أحد المهربين (صديق والد سارا) الذين يديرون أعمال قوارب الموت. دفَعت أكثر من نصف ما تملك عربوناً، على أن تسلِّمه الباقي حالما تصل. ستبحر بعيداً عن اليمن نحو مصر، ومن مصر نحو فلسطين المحتلة ثم إلى أوروبا، حيث تشعّ الفرص أكثر من شمس الظهيرة كما تعتقد!
وهكذا وعدتني أن تتصل بي حالما تصل، أو عبر صديقتها المتزوجة من رجل يمني، وتدعى أم مصطفى.
قبل أيام زارتني أم مصطفى تقول إنَّ سامية ماتت.. ضاع القارب الذي يحمل ما يقارب المئة وخمسين حالِماً في البحر وماتوا من الجوع والعطش.. لم يتبقّ على قيد الحياة سوى سبعة أشخاص أعادوهم إلى بلدانهم فور عثورهم عليهم. لم أسألها عن كيفية معرفتها للخبر، كانت تبكي بحرقة.. والقصف يدوي في السماء… وهكذا..
المصدر: السفير