لوحات الفنان حوراني في (رؤى).. فسيفساء عمانية

الجسرة الثقافية الالكترونية
رسمي الجراح*
المصدر / الراي الاردنية
يغمر الفنان هاني حوراني عمان بمزيد من اللون والحب والجمال في تجربته الثانية من «وجوه مدينتي» التي تتواصل في مقر الجاليري حتى منتصف الشهر المقبل.
«وجوه مدينتي» ليست مجرد لوحات بل هي جزء من مشروع فني متواصل يرصد فيه الفنان حوراني المدينة التي يعشقها , وفي هذه التجربة يهدي المدينة 25 لوحة تتراوح احجامها بين بانوارمية ومتوسطة وكبيرة بتنقنية الصورة مطبوعة على كانفاس ومعاد تلوينها بالوان الاكريليك.
تتيح اللوحات للمتلقي الاطلالة على حي نزال والجوفة وراس العين والاشرفية وجبل القلعة ووسط البلد والمباني العتيقة قرب ساحة الجامع الحسيني وساحة الملك فيصل اضافة الى عمان في الاربعينيات والتي استعان الفنان في ارشيفه بصور لها من تلك الحقبة واعاد لها لونها وبهجتها.
لوحة حوراني تحمل شروط اللوحة الفنية كاملة وتنتمي الى فوق الواقعية بحسب تسميته لها في حين تحمل صفات التفصيلية والتسجيلية والتوثيقية وهي اضافات اخرى وظيفية للوحة التي تعد فسيفساء جمالية وطبيعية استمدت تفاصيلها الكثيرة من المكان ذاته.
تفاني الفنان حوراني في اختيار المشهد لا يقل عن تفانيه في تلونيته الساحرة والمدروسة لالاف التفاصيل في اللوحة الواحدة كما في لوحات جبل القلعة التي بدت وكان الاعمدة الاثرية فيها مجسمة وكذلك الحجر المستطيل والاثري والمنقوش بالتفاصيل، وبحسب حوراني تقنية تلوين الصورة المطبوعة على كانفس تحد كبير لان كل جزء فيها يفرض اعادة صياغته ويحتاج الى تلوينية جديدة ,في حين ان الفنان يمتلك الكانفس الفارغ بحرية ويرسم ما يشاء بالقدر الذي يريده.
في تقنية اعادة تلوين الصورة بدل الفنان الحوراني ملامح الصورة تماما واضحت لوحة فنية , فبخبرته الفنية ولمعرفته بالامكنة يعرف اين يتقشف او يترك بعض المساحات بلا لون او يخفف التوهج او يزيد الاشراقات او يلغي بعض المساحات او يجاور لونا الى لون اخر لتتوافق المساحات اللونية ولتكتمل اللوحة.
ابرز حوراني طاقة المكان من خلال تلوينيته البسيطة والكبيرة ، وهي الصفة التي يمكن ان يلحظها المتلقي في اللوحات وفق التدرجات المتوافقة مع تفاصل المكان الاساسية في حين حافظ على هوية المكان.
وفرت بانورامية المشهد في اللوحات الكبيرة متعة التلقي , واتساع المساحة يحمل المشاهد على جناح الحرية متاملا، عينه تطوف المشهد الملتقط في الاساس من عل حبث تبرز في بعض اللوحات سطوح البيوت وفي لوحات اخرى يقابل المشاهد نوافذها وبواباتها في اقتراب حميم من لوحة بانورامية جبل عمان.
لوحات حوراني صيفية او ربيعية التوقيت حيث صفاء الاجواء فيها فالشجر والاعشاب بين البيوت لا يزال طازجا لم يتغبر لونه وجدران البيوت تغمرها الاشراقة بلون ابيض او ابيض مصفر وناصعة البياض والاجواء صافية في بعض اللوحات وبعض منها تخلل سماؤها غيمات مغادرة. وفي اللوحات التي اختارها حوراني من ارشيفه وتعود للاربعينات من القرن الماضي هي غاية في الاهمية لان عمان في تلك الحقبة لم توثق باللوحة فقد اعاد الفنان للاذهان وبتلوينية ذكية ورشيقة صورة عمان بالالوان وكان امينا في الحفاظ على ملامح المكان.
يقدم حوراني لوحاته منطلقا من فكرة ثقافة المكان حيث توفر اللوحة باللون والخطوط والكتل تعريفا بالمكان والنمط المعماري وطبوغرافية المكان ونوعية الشجر , مما يوفر لمن يعرفه مزيدا من الترابط الحميم ,فالفنان حوراني يعيد تحليل الصورة الملتقطة من خلال كيماء اللون , ويقترح المكان بفلسفة جديدة بناء على خصوصية المكان العماني.
حوراني من الفانين القلائل الذين يسعون لتوثيق عمان خصوصا والمدينة العربية و العالمية عموما من منطلق ذاكرة وارث المكان والناس ولما فيه الكثير من الاسرار والتبدلات المعمارية والطبيعية التي تستحق التوثيق.
حوراني فنان من جيل الستينيات. ولد في الزرقاء العام 1945. تناوب على اهتمامات عديدة خلال حياته، فقد مارس الرسم في شبابه المبكر، وكان أحد مؤسسي»ندوة الرسم والنحت» العام 1962، وأقام خلال الستينيات ثلاثة معارض شخصية لأعماله، قبل أن تقوده حرب 1967 إلى التفرغ للعمل كناشط سياسي. تلقى عدة دورات في التصوير الفوتوغرافي في بيروت وموسكو في منتصف السبعينيات. ومارس خلال السبعينيات والثمانينيات العمل الصحفي والكتابة النقدية في الصحف اللبنانية والعربية.