«ليلة من ألف ليلة» تحيي المسرح القومي وبيرم التونسي

الجسرة الثقافية الالكترونية
وئام يوسف
ما إن تطأ قدماك المسرح القومي حتى تأسرك روعة التصاميم وجمال الديكور الذي يخطفك إلى الزمن الفاطمي حيث العراقة والأصالة، في حين تحيلُ الأجواءُ ستارَ المسرح بساطاً سندبادياً يأخذك من دون أن تتحرّك إلى ليلة بغدادية من ألف ليلة، يقدّمها الفنان يحيى الفخراني في عرض مسرحي بمشاركة فريقٍ أجاد، فقدم قطعة فنيّة نادرة، غايتها المتعة، بعيداً عن أي اعتبارات أو إسقاطات سياسية أو فكرية.
«ليلة من ألف ليلة» فرجة مسرحية غنائية كتبها الشاعر المصري ـ التونسي الأصل ـ بيرم التونسي (1893-1961) وقد وعى أهمية الأغنية في نشر القيم بقوله «الأغنية مدرسة»، فكانت باكورة مسرحيات غنائية عدة، كتبها «هرم الزجل» – كما عُرِف عنه – أثناء وجوده في المنفى، ولحّنها الموسيقار الراحل أحمد صدقي (1916-1987)، في حين أعاد توزيعها الموسيقي الشاب يحيى الموجي، وأخرجها محسن حلمي.
انسيابية بالحركة ومهارة في الأداء، جعلتا يحيى الفخراني نقطة ثقل العرض برغم عدم تواجده المستمرّ على الخشبة، ممسكاً بمفاتيح الشخصية وأدواتها، ومتكئاً على تاريخ من الإبداع جعل الفن عجينة مطواعة بين يديه، فيخطف الأنظار من الجملة الأولى التي يردّدها «إلهي ما يغلبلك حال.. ولا تمدّ إيدك لسؤال.. ولا يشمّت فيك أعداء ولا ييتّم ليك أطفال». المتسوّل «شحاته» ـ الفخراني ـ يسعى للثأر من جواد خاطف زوجته، الذي جسّده الفنان لطفي لبيب، بإتقان جعله سيّد الخشبة رغم قلة ظهوره.
ينجح المخرج محسن حلمي في توظيف عناصر العرض والحركة ومواءمتها مع الغناء الذي صدح به المغني محمد محسن، ولا يغيب عن أحد روعة أدائه لأغاني التراث، فغنّى لسيد درويش ومحمد عبد الوهاب، قدّم محسن شخصية الخليفة الذي يحب «نجف»- ابنة شحاته – تألقت في تجسيدها الفنانة هبة مجدي بصوتها العذب وخفتها كفراشة.
في حين أغنت ديكوات المصمّم محمد الغرباوي العرض بتشكيلات جمالية جعلت المتلقي يغرق في عالم ألف ليلة وليلة، وبرغم زخم العناصر التكوينية التي أعاقت الرقصات أحيانا، إلا أن أداء الراقصين وتوزيعهم تكامل مع الديكور، وتناغم مع الملابس التي فصلتها الفنانة نعيمة عجمي بحرفية فكانت الألوان والتصميمات خرزة من فسيفساء براقة. في حين كانت إضاءة المصمم أبو بكر شريف عامة أقربَ إلى الشكل الكلاسيكي منه إلى الابتكار.
«ليلة من ألف ليلة» قُدمت للمرة الأولى على شكل حلقات إذاعية في أربعينيات القرن الماضي، نفّذها مخرج الروائع الإذاعية يوسف الحطاب (1924-1914) وجسد شخصياتها فؤاد شفيق، شفيق نور الدين، حسن البارودي، ومحمد السبع، وشارك في غنائها المطربون كارم محمود وشهرزاد وسيد اسماعيل، محققة نجاحاً كبيراً آنذاك.
اقترح يحيى الفخراني أن يفتتح المسرح القومي بعرض «ليلة من ألف ليلة» ليستعيد أمجاد عرضها على مسرح الجمهورية منذ أكثر من عشرين عاماً «1994» عندما قدمها بالتعاون مع المخرج ذاته وشاركه الغناء الفنان علي الحجار والفنانة أنغام، يؤكد أنه كان قد تقرّر عرضها آنذاك مدة ثلاثة أيام، لكن شدّة الإقبال جعلت العرض يمتد لسبعة وعشرين يوماً، ويُضيف لـ «السفير» أنه ارتأى أن ليلة من ألف ليلة هي أنسب ما يُعرَض في إعادة افتتاح المسرح القومي الذي التهمته النيران مساء 27 سبتمبر 2008 في حريق قاربت مدته الساعتين.
المسرح القومي
«المسرح القومي المصري» صرح ثقافي شاهد على عراقة العمارة الفاطمية، بناه الخديوي اسماعيل العام 1869، ثم تأسس على المبنى نفسه «المسرح الوطني» العام 1921، بعد دعوات متزايدة لإنشاء مسرح وطني، وبعد طرد الاحتلال الإنكليزي من مصر عقب قيام ثورة 23 يونيو العام 1952، تحوّل اسمه إلى «المسرح القومي»، ليكون مفتاحاً لمرحلة من الزخم الثقافي والمسرحي شارك فيها عدد من الفنانين منهم سميحة أيوب وعبدالله غيث، تلاهم حسين فهمي وعزت العلايلي ونور الشريف الذي وافته المنية من أسبوعين وكان الفنان يحيى الفخراني قد أهداه «ليلة من ألف ليلة»، بقوله للجمهور: «لن أطلب منكم حداداً، فالناس موتى وأهل الحبّ أحياء. نهدي هذا العرض لإنسان طالما ملأ هذه الخشبة إبداعاً وفناً، لصديقي نور الشريف».
المصدر: السفير