مبدع يخط الشعر بعد الستين

الجسرة الثقافية الالكترونية-الخليج-

نظم النادي الثقافي العربي في الشارقة، مساء أمس الأول، في مقره أمسية لشاعر كتب الشعر بعد أن تجاوز الستين من عمره، هو الإماراتي نايف الهريس، الذي وقع وقرأ قصائد من ديوانه الأول والجديد “سلام على البردة” الذي هو أيضاً عنوان لقصيدة تشكل نحو ثلث الديوان الذي جاء في 117 صفحة من القطع المتوسط وبلغ عدد أبياتها 255 بيتاً، وهي على البحر البسيط .

البردة من حيث الاسم والمعنى، هي عنوان الديوان وفاتحته، التي تحاكي قصيدة “بانت سعاد” لكعب بن زهير في مدح الرسول الكريم كما تحاكي “قصيدة البردة” للإمام البوصيري التي مطلعها:

أمن تذكر جيران بذي سلم

           زجت دمعاً جرى من مقلة بدم

و”سلام على البردة” تأثرت أيضاً ب “نهج البردة” لأمير الشعراء أحمد شوقي، فنهجت على المنوال ذاته بمدح المصطفى، إذ يقول مطلعها:

ملائك الشعر وحي المدح للنغم

         تسترسل العشق يجلو غصة الألم

قدم ضيف الأمسية الإعلامي والشاعر السوري عبدالكريم يونس، الذي أشار إلى تميز الأمسية كونها تستضيف شاعراً كان يختزل ويتأمل التجربة الشعرية والإنسانية خلال هذه السنوات، واشتملت الأمسية على قراءة في الديوان للشاعر حسن أبو دية، سلطت الضوء على الصور والاستعارات والتشابيه المعاصرة، كما أشار أبو دية إلى تميز لغة الشاعر من حيث جزالة اللفظ، وسبك المعاني .

نشير إلى أن الديوان اشتمل على 22 قصيدة كتبت على معظم بحور الشعر العربي من البسيط والوافر والكامل والطويل ومخلع البسيط والمتقارب والرمل والخفيف ومجزوء الكامل وسواها، كما اشتمل على مقدمة للدكتور إبراهيم محمد، الذي أشار إلى أن الديوان تضمن استفهامات وإسقاطات، ونصوصاً تمتلىء بالألم والحسرة والفرح من خلال لغة اشتقاقية، ومن قصيدة “سلام على البردة”:

بالمدح تستنغم الأشعار في طرب

                  يوحي بقول يعافي الحي من سقم

كالطب يشفي بلاء النفس من كرب

                     على نواميس ذكر غابط الحلم

يا هائماً في ربوع المدح تنشده

                  في روح لحن بثغر النور مبتسم

خذ القوافي التي صرف الجمال بها

                    قم درج القلب بين الحب والكلم

واصعد ربا الخلد غرد بين أنجمه

                  في بردة المدح طيراً شادي النغم

أنشد بآية فتح ترتدي حكما

               منسوجة اللحن شعراً مسمع البكم

طليعة عزز المولى صنيعتهم

                      بحس هاتفهم جود لفكرهم

آفاقهم سكنت إبداع نابغة

               أثرى ربا المدح بين البان والعلم

ويمضي الهريس ليقرأ الأبيات الأخيرة من القصيدة ويقول:

بطن التراب كفاه شر ظاهره

               بما يحاذر في الدارين من نقم

والدهر شاعر أحكام يفصلها

           للناس تجري بسلك العمر والحكم

ما زال حبي كرات الدم تعصره 

          في طاعة الله حتى بعد موت دمي

يقوم بناء القصيدة عند نايف الهريس على لغة بمفردات بسيطة، وهي تقع في منطقة وسطى بين الفصاحة والبلاغة، التي تنزع في بعض الأحيان إلى مفردة شعبية ومتداولة في سياق الكلام الذي يردده الناس حاضراً، لكن الشاعر بما يمتلك من قدرة على تطويع المفردة، وبكل ثقة الشاعر المتمكن من تجربته، يستطيع بكل سلاسة أن يتحكم في البناء الهرمي لقصيدته، وهو ما يتضح في كثير من الأبيات الشعرية التي تتوزع بين طيات الديوان .

من حيث المضمون، ينحاز نايف الهريس إلى منظومة من القيم الجميلة في مستوياتها المتعددة، وبالاضافة للبعد الديني، هو ينحاز للهم العام في أبعاده الوطنية والاجتماعية والقومية، كما لا ينسى القضية العربية الأولى فلسطين التي يطرز لها قصيدة بعنوان “طريق القدس” على البحر البسيط أيضاً فيقول:

عافت عروسي لذيذ المدح من زجل

                     تريد مراً لخلق الجد بالعمل

النثر والشعر محمولان في أرب

              يمتص جشما سجا بالصدر والغلل

يهز مشعره حدوا يطربنا

                فيثمل الحس بين الصبر والأمل

شعر تغنى بلا معنى نحس به

                غث الكلام فلم يسكت ولم يقل

قدس تعرت أخيط المدح يسترها؟

              وكل عضو بها في شهوة الثمل

إن كنت منتميا فالبيد شاسعة

                  لفارس بركوب الخيل منجدل

ثدي الأمومة زرع بابن صفوتها

           في خير ما يحصد المعنى من الرجل 

يا ساقي القدس دمع الانتماء لها

                 فإن تذقها انتماء الثدي تعتدل

ترملت قدسنا والدين يحضنها

                    خطابها كثروا والحظ للنغل 

أقدم، دس الشوك تمنع وخز إبرته

            كالشمس تحرقه في كعب مشتعل

تؤكد القصيدة السابقة بالنظر إلى موضوعها الوطني الواضح، ومحمولها اللغوي البسيط، وإخلاصها للوزن وموسيقى الخليل، على معاني الصدق والإحساس، وهي تضاف لتجربة الشاعر الذي يتأمل كثيراً في واقع الحال، ويكتب من وحي تجربة شخصية من واقع الأحداث التي تمر بها الأمة، فتتفاعل معها وتحاول استشراف حاضرها من خلال الشعر وما يتيحه من مضامين فنية وإبداعية .

وقد اختص نايف الهريس دبي بأكثر من قصيدة منها واحدة بعنوان “شراع دبي” تغنت بشموخها، ومفاجآتها في التميز والتطور:

دبي، مدت إلى الشعراء باعا

                 بومضة نورها سلك اليراعا

لقد ضمنت له سبل المعالي

                  بما صعد الرقي بها اليفاعا

ومن هرمت قريحته يجدها

                بفضل دوائها تشفي الوجاعا

إذا استوثقت شعرا من حلاها

                 تطبب أذن يشكو استماعا

إلى أن يقول:

هي الدنيا وخلق الأرض فيها

                     وقد جعل الشيوخ بها اتساعا

وما زالت ترى والليل داج

                     بنور الحب إذ بالناس شاعا

وشعرك إن شدا بهوى دبي

                    سبقت الماهرين غنى وباعا

رسمت على جبين المجد سطرا

                     بنى بحروف منطقه قلاعا 

تنال أنوف غيرك من هواها

                  إذا فتحت مراكبها الشراعا . 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى