متحف من هواء

الجسرة الثقافية الالكترونية
*فاروق يوسف
المصدر: الحياة
تقول الأخبار إن مؤسسة المتاحف في قطر اشترت لوحة للفرنسي بول غوغان (1848-1903) بمبلغ 300 مليون دولار، وهو أعلى مبلغ يُدفع ثمناً للوحة. وكانت المؤسسة نفسها اشترت عام 2011 لوحة «لاعبو الورق» لبول سيزان (1839-1906) بمبلغ 259 مليون دولار. وهي واحدة من أربع لوحات، رسم من خلالها الفنان الفرنسي الموضوع نفسه.
ليس الخبر ثقافياً، بالرغم من مادته الثقافية. فشراء لوحة في مزاد، مهما بلغ ثمنها هو أمر تجاري بحت، يقوم به الأفراد من جامعي التحف والنفائس والأشياء النادرة أو المتاحف إذا ما شعرت أن اقتناءها لتلك اللوحة يعالج نقصاً تاريخياً في مقتنياتها. لذلك فنادراً ما تلجأ المتاحف المكرسة عالمياً إلى الشراء من المزادات.
وكما أعرف فإن قطر تملك متاحف ثلاثة هي: متحف الفن العربي الحديث ومتحف رسوم المستشرقين والمتحف الإسلامي. وكلها متاحف ضرورية، يليق بقطر، من كونها دولة عربية مسلمة أن ترعاها وتزيد من مساحتها وهو ما يهب تلك الدولة الصغيرة دوراً ريادياً في مجال لم يسبقها أحد إليه.
ومن هذا الموقع بالتحديد يمكنني القول إن مؤسسة قطر للمتاحف تخطت حدود مهمتها حين اشترت بمبالغ فلكية لوحتين، الأولى لسيزان والثانية لغوغان. ولنفترض أنها ستتمكن بعد أعوام من شراء لوحة لوليام تيرنر وثانية لفنسنت فان كوخ وثالثة لماتيس، فهل ستتمكن من إقامة متحف عالمي بهذا العدد الضئيل من اللوحات؟ أعتقد أننا نلقي بخطواتنا على الطريق التي لن تصل.
وإذا كان ما أنفقته مؤسسة قطر للمتاحف من أجل إقامة متحف للفن العربي الحديث لا يتجاوز في أعلى تقديراته المئة مليون دولار، فما هو المبلغ الذي ستحتاجه من أجل إقامة متحف عالمي وهل فكر أحد بالزمن الذي يستغرقه البحث عن لوحات عالمية معروضة للبيع كلوحتي سيزان وغوغان؟
إنها محاولة عبثية يقف وراءها بالتأكيد الخبراء الأوروبيون الذين ترجع إليهم مؤسسة قطر للمتاحف في كل صغيرة وكبيرة من ممارستها، وهم كما أعرف يملكون سلطة القرار فيها. وقد لا يكون غريباً عن موضوعنا أن الرجل الأول في المؤسسة كان عمل في مزاد كريستيز لسنوات.
في حسبة بسيطة فإن قطر ستحتاج إلى مليارات من الدولارات من أجل أن تشتري أعمالاً، قد لا تكون معروضة للبيع أصلاً. أعتقد أن شراء غرفة لفنسنت في ناشيونال غاليري في لندن وثانية في متحف اورسيه في باريس وثالثة في متحفه في امستردام ستؤثر مالياً على قطر. فهل تكفي ثروتها من الغاز لتغطية تكاليف مشروع من هذا النوع؟
لن تجد مؤسسة قطر مَن يبيعها عملاً فنياً إلا إذا كان ذلك العمل مزوراً. فالمتاحف الأوروبية كانت حريصة على جمع آثار الفنانين الأوروبيين الذين نالوا قدراً من الشهرة بسبب ما حققوه من إنجازات فنية. في متحف ستيدلك – أمستردام هناك غرفة رسمها الهولندي كارل آبل لا تبادلها هولندا بذهب العالم.
قد تبدو المعادلة التي أقترحها غير واضحة. غير أنني كنت أتمنى لو أن مؤسسة قطر للمتاحف كانت أنفقت جزءاً من المبلغ الذي أهدرته في شراء لوحتي سيزان وغوغان على الفن العربي، لكان الفن العربي اليوم في مكان آخر، وهو ما سيضعها هي الآخرى في مكان آخر. سيقال لهم «إنكم تصنعون فناً في زمن عصيب».
ما لم يفهمه القطريون حتى هذه اللحظة أن ما لديهم من الثروات الفنية العربية إنما يعادل كل ما يحلمون في الحصول عليه خيالياً. فهم من خلال متحف الفن العربي الحديث يمكن أن يقفوا بثقة إلى جانب متاحف الفن الحديث الأخرى في العالم.
لا يحتاج القطريون إلى سيزان وغوغان لكي يقيموا متحفاً في الهواء، لديهم متحفهم الحقيقي.