مثقفون : إدارات الصحف ترى الثقافة ترفاً وعبئاً لا يجذب المعلنين

الجسرة الثقافية الإلكترونية – خاص-
إعداد: بريهان الترك
يعاين كتاب وشعراء أردنييون، التراجع الذي تمر به الصحافة الثقافية العربية بشكل عام والأردنية بوجه الخصوص حيث يرى البعض أن في ظل الأزمة المالية العالمية ثم الانتفاضات الشعبية في عدد من الدول العربية ظهرت خسارات الصحف المادية، وتكشف المثقفون عن عجز مزمن ملتحقين بمشاريع سياسية متناحرة يجيد قادتها التخلص من الثقافة، أو تحنيطها، ويرى أخرون أن السبب الذي أدى الى هذه الانتكاسة هو ثورة الانترنت، وظهور ما يسمى بالصحافة الالكترونية التي أدت بدورها الى عزوف الناس عن شراء الصحيفة الورقية، ولكون النشر أصبح يقتصر على المعارف والواسطات فيها، ولظهور ولاءات وانتماءات لا علاقة لها بالأدب كأن هناك من يريد لحالة الخفوت هذه أن تحدث، ليصفّق لتراجع المتابعة والرغبة في النشر وفي مطالعة الجديد والمغاير.
***
يقول الكاتب والصحافي محمود منير: “تتملكني تساؤلات عن معنى الثقافة ووظائفها في المجتمعات العربية، بعد مضي إثني عشر عاماً على عملي صحفياً ومحرراً ومسؤول صفحة وملحقٍ ثقافي، قبل الحديث عن “دور” الملاحق والمجلات الثقافية، ومن ثم تراجعه. لو كلفّنا طالباً أردنياً، أو عربياً، أن يعد ورقة بحثية حول “الثقافة”، فإنه سيجد في مكتبة المدرسة مؤلفات تمجد الماضي بوصفه الفردوس المفقود: كتب السيرة النبوية، والصحابة والتابعين، والفتوحات، وربما جاورها خرافات دعاة ورجال دين أميين.
ويرى أن مدرسته لن تضّن عليه بكتب أخرى تزيّف الحاضر: روايات ودواوين أحدثها ينتمي إلى منتصف القرن الماضي، وروايات مترجمة بنسخ تجارية رديئة، وكراريس التربية الوطنية، ولن يظفر بمرجعٍ واحدٍ يفيده في إعداد صفحة واحدة عن الثقافة. وسيذهب خائب الأمل إلى الانترنت، إذ يشترك المحتوى العربي في “غوغل” مع مكتبة مدرسته في فقرهما المعرفي والأخلاقي، فالسلطة العمياء التي تستبد بهما هي واحدة.
ويتابع: “الطالب نفسه قد يلتحق بالجامعة ويدرس اختصاصاً يعرّف الثقافة كالأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع، لكنه سيظل مرتبكاً، ويتحدث مثل كِتاب، كلما سئل عن مفهوم الثقافة، لاعتماده على أدبيات غربية يحفظها ولا يستطيع تكييفها في الواقع، رغم أنه سيردد ما يقوله أنثربولوجيون بأن الثقافة تُمثّل الجهد المبذول لتقديم الإجابات عن المآزق المحيرة التي تواجه المجتمعات البشرية”.
وحول الصحافة الثقافية الأردنية يؤكد على أنها، باستثناء تجارب محدودة غير ناجزة، بقيت مأزومة بثلاثة اتجاهات تعيدنا إلى ما ابتدأت به حديثي؛ العاملون بها يذهبون إلى تغطية الفعاليات والكتابة عن الظواهر والقضايا الراهنة بعقلية صحافة المحليات يغلب عليها المعالجة السطحية والنمطية، استكتاب كتّاب وأكاديميين يقدمون مقالات منفصمة عن الواقع أو مدائح واحتفائيات مجانية بمنجز الأصدقاء، جهل وعدم اكتراث رؤساء تحرير ومجالس إدارات الصحف ترى الثقافة ترفاً وعبئاً مالياً عليها كون موادها لا تجذب المعلنين.
ويخلص منير: “تزامناً مع الأزمة المالية العالمية ثم الانتفاضات الشعبية في دول عربية عدّة، ظهرت خسارات الصحف المادية، وكذلك تكشف المثقفون عن عجز مزمن ملحقين بمشاريع سياسية متناحرة يجيد قادتها التخلص من الثقافة، في نهاية المطاف، أو تحنيطها. إلحاق المثقف بالسياسة والسياسي يعني تأثره بمصالح وحسابات، ربما أبرزها أن السلطة ليست بحاجة إلى مجلات وملاحق وصحافة ثقافية، ويكفيها ظهور أغلب المثقفين على فضائياتها-باختلاف المالكين والتوجهات- وتمجيدهم لها”!
***
أما الشاعر علي شنينات ينوه إلى أن الصحافة الورقية تعاني ما تعانيه من تراجع واضمحلال من حيث الانتشار والمتابعة وهذا يترتب علية شحّ في العوائد المالية والذي دفع ببعض الصحف والمجلات الى التوقف عن الصدور احيانا وتقليص عدد موظفيها احيانا اخرى او الاستغناء عن بعض الأقسام فيها. ولعل السبب المهم الذي أدى الى هذه الانتكاسة هو ثورة الانترنت وظهور ما يسمى بالصحافة الالكترونية والتي أدت بدورها الى عزوف الناس عن شراء الصحيفة الورقية ما دام باستطاعتهم متابعة الخبر من خلال الانترنت .وللأسف الشديد سعت إدارات الصحف كإجراء لتقليص خسائرها الى التوقف عن نشر الملاحق الثقافية احيانا وأحيانا اخرى سعت الى تقليص عدد الصفحات التى تعنى بالشأن الثقافي والتوقف عن دفع المكافآت للكتاب مما أدى الى القطيعة التامة بين المثقفين والصحافة الورقية التي انكرتهم عند اول منعطف وتجاهلت دور الثقافة في بناء المجتمع الصحيح والمعافى.
ويضيف: “ان المتابع لما تنشره الان بعض الملاحق الثقافية – على استحياء- يشهد ركاكة الطرح وتدني في المستوى الأدبي بسبب غياب الكتاب المبدعين وظهور اسماء ذات تجارب متواضعة لا ترقى الى مستوى النشر احيانا كثيرة، فتهميش الثقافة والمثقفين -بهذا المستوى -لصالح راس المال احيانا ولصالح البيروقراطية والشللية والمتنفذين احيانا اخرى لهو مرض يتفشى في جسد هذا المجتمع ويطعن خاصرة الامة
***
من جهته يلفت الكاتب قصي نسور لإلى أنه لم يقرأ الصحافة الثقافية الأردنية منذ زمن طويل جدا، ويرى أن الصحافة الورقية فقدت الكثير من قيمتها ورسالتها؛ النشر يقتصر على المعارف والواسطات فيها ثم ان هناك ولاءات وانتماءات تؤخذ بالحسبان لا علاقة لها بالأدب هذا من ناحية ومن ناحية أخرى النشر الالكتروني اوجد مساحة اوسع وله أفضلية التفاعل المباشر بين الكاتب والمتلقي.
ويختم النسور: “كانت الملاحق الادبية تمنح مكافات مالية للكتاب وقد سمعت – وهذا كلام لا املك القدرة على التحقق من صحته – ان بعض المشرفين على هذه الملاحق كانوا يقتسمون هذه المكافات على صغرها مع الكتاب” …!
***
الشاعر مهند السبتي يشير إلى أن الملاحق والمجلات الثقافية العربية التي يمكن لها أن تشد الانتباه محدودة العدد، ويقول: “بينما كنا في وقت سابق نتحدث عن الأيام القليلة المتبقية على صدور العدد الجديد من الملاحق الثقافية، ولم نكن نغض الطرف عن المحلية منها، الأمر تغير الآن، وأقولها صراحة لم أعد معنيا بالمحلي بعد أن تم تقليصه واجتزاؤه واقتصاره على ما لا يمكن تسميته “ثقافة”.
ويتابع: “الحالة عامة لا يمكن التجني باختزالها في فشل الملاحق المحلية دون غيرها من العربية، لقد شهدنا ظهورا قويا لمجلات وملاحق ثقافية عربية سرعان ما أصابها الكسل والعجز عن منح المزيد من الحلوى واللقى الثقافية، بعض تلك الملاحق كانت تؤسس لثقافة ومعرفة يمكن لها أن تدفع مراكب الأدب والثقافة إلى حيث هو المستقبل، لم يحدث هذا، بينما بقي القليل مما يعول عليه”.
ويخلص السبتي: “لقد ضمن المشرفون على الملاحق الثقافية المحلية خطوة للوراء، كأن هناك من يريد لحالة الخفوت هذه أن تحدث، أن يصفّق لتراجع المتابعة والرغبة في النشر وفي مطالعة الجديد والمغاير”.