مثقفون مصريون يشنون حملة «تخوينية» على إبراهيم عبد المجيد

الجسرة الثقافية الإلكترونية
المصدر: الشرق الوسط
ما إن أُعلنت نتائج جائزة «كتارا للرواية العربية» حتى اشتعل السجال بين المثقفين العرب عامة والمصريين خاصة حول فوز روائيين مصريين بها من بين 10 فائزين من دول عربية مختلفة، هما الروائي إبراهيم عبد المجيد، والروائي الشاب سامح الجباس، وتحويل روايته غير المطبوعة لعمل سينمائي، لكن انصب الهجوم واللعنات على الكاتب عبد المجيد لتكرسه أدبيا منذ فترة طويلة.
نتيجة هذه الضجة، استطلعت عدة صحف مصرية آراء الأدباء المصريين حول براءة ونزاهة الجائزة القطرية، وقدمت للمثقفين مساحة مارسوا خلالها «لعبة الإشعار بالذنب الكهنوتية» بشأن الجائزة و«نزاهة» المتقدمين إليها، ممارسين عنفا رمزيا وجهوا من خلاله سلاح سلطتهم كمثقفين إلى بعضهم. كان أكثرها حدة هجوم الكاتبة الروائية سلوى بكر، والروائي يوسف القعيد، والشاعرة فاطمة ناعوت.
على مدار الأيام الماضية كتبت عدة مقالات تهاجم الفائزين بأنهم «انتحروا أدبيا»، أو أنهم لهثوا وراء الأموال، وأن «قطر نجحت في إذلال مصر»، وتساءل الكاتب وائل السمري في جريدة «اليوم السابع»: «هل نقاطع قطر ثقافيا؟».
بينما انتفضت قلة قليلة للدفاع عن إبراهيم عبد المجيد وتاريخه، وعن الأدباء المصريين الذين تقدموا للجائزة وعددهم 240 أديبا مصريا لم تُعلن أسماؤهم من أصل 711 روائيا تقدموا للجائزة. كان على رأس المدافعين مقال صلاح عيسى في جريدة «المصري اليوم» بعنوان «الروائيون المصريون بين دولارات ومتفجرات قطر»، الذي تحدث فيه عن ضرورة فصل السياسة عن الثقافة، مذكرا المثقفين المصريين بأنه حتى أثناء مقاطعة الدول العربية لمصر بسبب معاهدة كامب ديفيد لم تمنع الأفلام والمسلسلات والروايات المصرية بل كانت تجد طريقها للقارئ العربي. من جانبه، صرح إبراهيم عبد المجيد لـ«الشرق الأوسط» بأنه يرى تلك الاتهامات مجرد آراء شخصية لا تعليق له عليها، لأنها تعكس وجهات نظر أصحابها، الذين هم في الأساس أصدقاء له، قائلا: «كلهم أحرار في آرائهم، وأنا لست غاضبا منهم، لكنني أعلم أن بعضهم أثار الضجة بسبب عدم فوز أصدقائهم بالجائزة».
وقال: «لكنني أعلم جيدا أن أحد النقاد المعروفين هو وراء تلك الحملة وأعلم حجم غضبه، لأنني أخذت وضعي خارج إطار (شلته)، بالعكس، إنني حزين على بعضهم، ومن بينهم سلوى بكر التي لم تحصل على أي جائزة في مصر، رغم استحقاقها لذلك!».
ويرى صاحب «لا أحد ينام في الإسكندرية» أن «هذا الناقد حانق لأنه لم يستطِع إفساد هذه الجائزة وإعطاءها لمريديه، لا يخفى على أحد أنه استغل وضعه كأمين للمجلس الأعلى للثقافة، وعمل مستشارا لعدد كبير من لجان الجوائز العربية، وكانت توزع على المرضي عنهم، ولكن هذه الجائزة بعيدة عن يده ولم يتمكن من إعطائها لأحد من أصدقائه».
وقال: «أنا أقوى منه بكتبي ورواياتي، وهذه الضجة ليست جديدة عليّ. لقد واجهت ضجة مماثلة حين فزت بجائزة نجيب محفوظ عن الجامعة الأميركية بالقاهرة عام 1996 عن رواية (البلدة الأخرى)، واتهموني بـ(العمالة الأميركية)، ولما تدخل نجيب محفوظ وقتها وكتب تصريحا في الصفحات الأولى في جميع الصحف مسكتا كل الأصوات، قائلا إن ما يقولونه (هلوسة)».
وعلق صاحب «عتبات البهجة» ساخرا: «لماذا لم يعلق أحد على حضور الكاتب محمد سلماوي، وحضور الكاتب حلمي النمنم نيابة عن وزير الثقافة المصري، وكثير من الأدباء والكتاب المصريين الذين يكتبون في مجلات وصحف قطرية ويستنكرون المشاركة في جائزة أدبية؟». وأوضح: «لم يدفع أحد ما دفعته من ثمن، ولم يكتب أحد عن معاناة الشعب المصري وثورته مثلي. أما الكاتبة التي تقول إن قطر أخطر من إسرائيل، فأنا أتصور أنها ستكون أول من يكتب عن قطر إذا تغيرت الأمور. لقد سعدت بالجائزة، وسعدت أكثر بأن أعداد الأدباء الذين سعدوا بالجائزة بالمئات، ويمكن اكتشاف ذلك بنقرة على أحد مواقع التواصل الاجتماعي».
وحول هجوم البعض على تكتم صاحب «من الذي يصنع الأزمات في مصر» حول سفره إلى قطر، قال: «علمت أنني مدعو لحضور حفل الجائزة ليلة المغادرة للمشاركة في معرض براغ الدولي للكتاب، وكان من الصعوبة الاعتذار، إذ إنني كنت سألقي كلمة مصر، والحمد لله شاركت في المعرض وسعدت لأن مصر كانت ضيف الشرف هذا العام، وشاركت في جميع الندوات، وهناك علمت بأنني فزت بالجائزة لكن احترامي لسرية الجائزة منعني من الإدلاء بأي تصريح، وقلت: (أنا مسافر لباريس)، ولا أرى مشكلة في ذلك، فلا أحد يعلن عن فوزه بجائزة قبل تسلمها!». وكتبت أخيرا عبر حسابي على «فيسبوك» أنني ذاهب لتسلم جائزة من باريس، كنوع من المداعبة أيضا.
وترصد «رواية أداجيو» الفائزة حياة رجل أعمال وزوجته عازفة البيانو التي أصيب بمرض السرطان من خلال قصة حب رومانسية، تنتهي نهاية مأساوية تماما، كلحن سيمفوني حزين.
وقال الروائي المصري وحيد الطويلة، الذي كان مشاركا في وضع خطة مشروع حي «كتارا» الثقافي، لـ«الشرق الأوسط» معلقا: «علينا أن نفصل تماما بين السياسة والثقافة، السياسة ليس لها علاقة بالثقافة والجوائز تحديدا، ولكن السؤال المطروح لو لم يعطوها لمصري، فما رد فعل المثقفين المصريين؟».
وأضاف: «لا أرى داعيا لكل هذا الصخب؛ الجائزة الكبرى حصل عليها صديقنا الجزائري المبدع واسيني الأعرج، بينما منحها لإبراهيم هو مكافأة عن مجمل إبداعه، علينا أن نقول مبروك له ولإبراهيم عبد المجيد وسامح الجباس، وكل من فازوا».
واستنكر الطويلة المطالبات المصرية بالكشف عن أسماء الـ240 أديبا المتقدمين للجائزة قائلا: «هي محاولات لفرز الخونة، وهي محاولة مرفوضة لتخوين الأدباء».
وقال صاحب «باب الليل»: «كنت أعمل في قطر لمدة عامين، وكتبت خطة المشروع نفسه وجدول الفعاليات، وفكرة الجائزة اقترحتها منذ عام 2009، لكنني أرى الدورة الأولى خرجت باهته؛ فقد بحثوا عن أسماء وليس روايات، كان عليهم أن يبتعدوا عن أخطاء البوكر وتجاوز الأسماء والبحث عن النصوص».
وطرح صاحب «أحمر خفيف» أسئلة محورية، فيما يتعلق بالجدل الذي يثار مع الجوائز العربية، قائلا: «هل يمكن أن تمنع الجائزة لرواية فيها تجريب أو فيها استبطان؟ لرواية بها تجديد في الشكل الروائي، أم ستظل الجوائز تذهب للروايات كبيرة الحجم التي تقوم على البناء الكلاسيكي؟ وماذا لو كانت قيمتها المادية قليلة.. هل كان سيُلتفت إليها؟».
واستطرد: «للأسف، تمنح الجوائز في عالمنا العربي بمنطق شهادات التطعيم. وأستطيع أن أقول إن الجوائز العربية، وخصوصا بوكر العام المقبل، ستكون محصورة طبقا لحسابات سياسية ما بين فلسطين والجزائر وسوريا، وربما اليمن. الجوائز بدأت تفسد الرواية العربية، لأن القارئ العادي أصبح يعتمدها معيارا للرواية الجيدة، وللأسف أول من يخسر هم الأدباء بفقدان ثقة القارئ، كما تخسر تلك الجوائز قيمتها بمرور الوقت».