مجلة «بانيبال» تحتفي بأدب السجن العربي

الجسرة الثقافية الالكترونية-الحياة-

 

*سعاد صافي

 

بلغت مجلة «بانيبال» عددها الخمسين، وهذا رقم مهم في مسارها الذي ابتدأته في لندن بصفتها مجلة تعنى بالأدب العربي بالإنكليزية، وفي هذه المناسبة اعدت المجلة ملفاً شاملاً عن «الكاتب والسجن» في العالم العربي، وقدمت نصوصاً من عيون هذا الأدب المعروف بـ «ادب السجون»والذي شهد رواجاً في الستينات والسبعينات في العالم العربي. ويمنح الملف القارئ الإنغلوفوني فكرة شاملة وعميقة عن هذا الادب.

الناشرة مارغريت أوبانك كتبت مقدمة طويلة للعدد تناولت فيه المجلة والملف. وعن المجلة تقول: «عندما كتبتُ افتتاحيّة العدد الأوّل لمجلّة «بانيبال»، في بداية العام 1998، لم أكن أتخيّل أبداً أنّي سأحتفل بعد مرور سبعة عشر عامًا بصدور العدد 50 للمجلّة. لقد تمّ انجاز هذا العمل الضّخم المكوّن من خمسينَ عددًا بجهود طاقمٍ متفانٍ صغير، يسندهُ حشدٌ لامعٍ من المترجمين، والمحرّرين المساهمين والمستشارين، والنقّاد الأدبيّين. وبالطبع الكتّاب كافة». وتضيف: «يختلفُ وضع عالَم الأدب العربي اليوم اختلافاً شاسعًا عمّا كان عليه عندما بدأنا. وكذلك عالم الترجمة الأدبية إلى الإنكليزيّة قد تحوّل أيضًا. المزيد من الناشرين يقومون بنَشر العديد من الأعمال الأدبية العربية المترجمة. لكن هذا لا يعني أن مهمّة «بانيبال» قد أُنجزت. بل الأمر على العكس من ذلك.

تمتلكُ دور نشر الكتب معايير وأفكاراً وبرامج وتوقعات تجاريّة وموازنات خاصّة بها. فهي تبحث عن كتاب يحقق نجاحًا تجاريًا، يكون من أكثر الكتب مبيعًا، مع اهتمام بما هو آني ليجتذب القراء، كما انهم يفضلون، الكتّاب العرب الّذين يتحدّثون اللغة الإنكليزية – أو حتى يكتبون بها. بينما تعتبر المجلة كشاهد ومتابع للمشهد الأدبي الحيّ في العالم العربي. فهي تقوم بترجمة الأعمال العربية المنشورة حديثًا في كل البلدان العربية، لتقدّم للعالَم الناطق بالانكليزيّة ثراءً وتنوعًا غير منقطعين في المشهد الأدبيّ العربيّ الراهن».

يضم ملف «الكاتب والسجن» شهادات ونصوصاً لتسعة كتّاب هم اليوم من أكثر الكتاّب العرب شهرة واحترامًا يتناولون فيها حياتهم ونضالهم، إضافة الى مراجعة لعمل عاشر.

 

سجن القذافي

يقدم العددُ كاتبين ليبيّين، كلاهما اعتُقل على يد نظام القذافي في الحادثة الشنيعة التي جرى فيها تطويق – واعتقال- مجموعة من الصحافيين وسجنهم لمدة عشر سنوات، بين 1978 و1988. يكتب جمعة بوكليب، «لا أستدعي شيئاً وأتذكر كل شيء»، متتبّعًا أثر التغييرات في فكره على مدار تلك السنوات. أما أحمد الفيتوري فيكتب قائلاً «لم يكن هناك يومٌ عاديّ»، ويكشف أنه عندما تمّ الإفراج عن المجموعة المكوّنة من إثني عشر صحافيًا على نحوٍ مفاجىء، ألقى القذافي الذي احتجزهم، كلمة في حفل إطلاق سراحهم.

الشهادتان اللتان يقدّمهما كاتبان عراقيان تكشفان عن إجراءات مختلفة تمامًا للاعتقال منذ السّتينات وحتّى فترة حكم صدّام حسين في السبعينات. كان فاضل العزاوي طالبًا جامعيًا عندما سجن لمدة ثلاث سنوات أيّام الانقلاب البعثي في شباط (فبراير) 1963 والّذي أطاح الحكومة الثورية لعبد الكريم قاسم. المقتطف المنشور هو جزء من عمل أدبيّ قيد الكتابة، يلقي فيه العزاوي نظرةً إلى الوراء على الفترة التي اعتُقل فيها، وقد هدّدوه بمحاكمة عسكرية عرفية، وأرسلوه إلى محاكم مختلفة جيئةً وذهابًا بين بغداد والبصرة، وقد «فقد ايمانه الطفوليّ الساذج القديم بما يسمى العدالة والإنسانية» واكتشف أنه «لم يعد حتى الموت نفسه يخيفكَ، وقد رأيتَ كل هذا الموت في حياتك».

في عام 2003، نُشرَت باللغة العربيّة مذكراتُ المهندس المعماري العراقيّ المعروف رفعة الجادرجي وزوجته العراقية الكاتبة بلقيس شرارة، وهي مذكرات تروي قصّة اعتقاله في كانون الأول (ديسمبر) عام 1978 في ظروف مروّعة على يد المخابرات العراقية والإفراج المفاجئ عنه عندما احتاجه صدام حسين لتصميم مركز للمؤتمرات. هذه المذكرات تمّ استعراضها في مجلّة «بانيبال» العدد 24 (2005)، وقدّمت المجلة مقتطفات من مذكراته، وفيها يصف الجادرجي السلوك الإرهابي لنظام الحكم اللاإنساني، والذي يتضافر فيه ضيق المساحة، والقذارة والقمل والتعذيب على تدمير إنسانية الإنسان.

سعود قبيلات وهاشم غرايبة وهما كاتبان من الأردن، اعتُقلا في أواخر السبعينات بسبب آرائهما السياسية. قصتان قصيرتان لسعود قبيلات تعكسان تجربته في سجون السلطات الرسمية الفاسدة واتخاذ القرارات بطريقة تعسّفية وسوريالية. ويقدّم هاشم غرايبة شهادة حول اعتقاله لمدة سبع سنوات في السجون الأردنية المختلفة، وخلالها «لم أكف لحظة عن التفكير بالهروب من السجن، وكنت أحلم دائماً بالطيران»، ما ساعده على البقاء على قيد الحياة هو تعلّمه الاستغراق في أحلام اليقظة: «عندما أغمض عيني كنت أخرج من العزلة، وأغوص عميقاً في لجة الكون، فأشعر أني فوق كل التزام، وأقوى من أي أكراه. وأني حر طليق». نقدّم أيضًا فصلاً من روايته «القط الذي علمني الطيران» التي يكثف فيها تجربة السنوات التي قضاها في سبعة سجون، كل سنة في سجن مختلف.

 

سجينان مصريان

ويتأمل الكاتبان المصريان شريف حتاتة وصنع الله ابراهيم، فترة اعتقالهما. حتاتة الذي اعتُقل بسبب آرائه الاشتراكية والديموقراطية والعلمانية عام 1948، يفتتح نصه المؤثر والمعنون «السجن الحربي» بإلقاء القبض عليه في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1953 وحبسه العنيف، مكبلاً بالسلاسل والأصفاد، في «الصمت القاتل» للحبس الانفرادي. وقد اعتقلَ الكاتب صنع الله إبراهـــــيم عندما كان شابًا من 1959 حتى 1964، وفي مقتطفات من كتابه «يوميات الواحات»، يشيرُ إلى أنّ شريف حتاتة كانَ واحدًا من السجناء البارزين هناك، وكان يمثّل السجناء الآخرين في التعامـــل مع مأمــوري السجن. في ذلك السجن قـــرر صـــنع الـــله إبراهيم أن يصبح أديبًا، «جهاز رادار نشطاً» مخضعًا «كل دقيـــقة في الــيوم لهــدف الكتابة، التذكر، القراءة، العلاقات الشخصية، الإصغاء الى الآخرين»، والكتابة على أوراق السجائر.

اعتُقل الكاتب والصحافي الفلسطيني أسامة العيسة مرّات عدّة على يد السلطات الإسرائيلية. في شهادته التي يقدّمها هنا، يصف اعتقاله في أوائل الثمانينات، أساسًا في سجن رام الله الّذي تحوّل إلى مقرّ ياسر عرفات عام 1996، الانتقال من زنزانة الاستجواب إلى زنزانة السجن، التعامل مع قواعد الفصائل الفلسطينية المختلفة داخل السجن، الضرب العشوائي بلا تمييز، والجواسيس المنتشرة في كل مكان.

ويختتم الملف بمقالة للكاتبة أوليفيا سنايجي حول كتاب «القوقعة»، وهذا الكتاب شهادة حارقة للكاتب السوريّ مصطفى خليفة عن السنوات التي أمضاها في سجن «تدمر» السيء الصيت، في سورية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى