محاضرات ليالي الرحمات تتواصل في الجامع الأزرق

الجسرة الثقافية الالكترونية

*مصطفى عبد الله

 

 

خلال سنوات عملها التي تربو على ربع القرن، كانت “مؤسسة البابطين الثقافية” التي بذأت باسم “مؤسسة جائزة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعري”، قريبة جدًا من القضايا الإنسانية، وحرصت على أن تحقق المعادلة التي يمتزج فيها ماء الإبداع بعصارة الهم الإنساني، وأدركت أن التقاء الفكر البشري على تعدديته واختلافاته يمكن أن يحقق نتيجة أرقى وأسمى مما لو ظل حبيس حدوده الإقليمية. فكان القرار بأن تتوسع أنشطة المؤسسة، وتمتد إلى خارج الحدود العربية لتصل إلى فضاءات العالم الرحب، وجاء هذا القرار بالتزامن مع ما أصاب العالم في العقود الأخيرة من الزمن، من تأجج للصراعات حول حضاراتها وثقافاتها، وطرح هيمنة الفكر الواحد على العالم، وبعد ظهور الصورة المغلوطة التي رسمتها بعض الجهات المعادية للعرب والمسلمين في أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول من العام 2001.

 

وفي مقدمته لهذا الكتاب المعنون بـ “مركز البابطين لحوار الحضارات في عشر سنوات من العطاء المتواصل 2004ـ 3013″، الذي أشرف على إعداده الدكتور عبدالله أحمد المهنا، مستشار مركز عبدالعزيز سعود البابطين لحوار الحضارات يقول: منذ أن أطلقت الأمم المتحدة دعوتها المشهورة عام 1998 أن عام 2001 سيكون عام الأمم المتحدة لحوار الحضارات من أجل السلام والوفاق بين الأمم والشعوب، والدعوة لم تتوقف عند حدود شعوب معينة بل امتدت لتشمل قطاعًا واسعًا من الثقافات والشعوب، ليصبح شعار حوار الحضارات، وليس صراعها، هو القاسم المشترك بين شعوب عالم اليوم.

 

وعلى إثر دعوة “صموئيل هنتنجتون” إلى صراع الحضارات، بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001، عقدت العديد من الندوات الدولية، تحت إشراف الأمم المتحدة، في العديد من كبريات العواصم العالمية كبرلين وطهران وباريس ونيودلهي ودمشق والرباط، للتأكيد على مبدأ الحوار، وليس الصراع، وسيلة لإشاعة الأمن والمحبة والتسامح بين الشعوب.

 

وتمثل هذه الندوات والتجمعات الشعرية تنبه المثقفين والفنانين في العالم إلى أهمية دور الشعر في هذه الدعوة العالمية، فتنادوا إلى تلك التجمعات من أجل الحض على التحاور والتسامح، ونبذ الكراهية والتعصب، ولم تكن مؤسسة جائزة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعري بمعزل عن مثل هذه التظاهرات الثقافية، فقد تنبهت إلى أهمية دور حوار الحضارات في خلق عالم تسوده روح المحبة، فكان مشروع مركز حوار الحضارات، الذي أنشأته المؤسسة عام 2005، أحد أهم إنجازاتها التي تجلت في إنشاء كراسٍ للغة العربية وآدابها في عدد من الجامعات الإسبانية، كقرطبة وغرناطة وإشبيليه وملقه.

 

ولم تكتفِ المؤسسة بهذا الإنجاز الكبير، وإنما دفعت بمشروعها لحوار الحضارات إلى آفاق أرحب، حين راحت تتفاوض مع جامعات أوروبية وأميركية، على إنشاء كراسٍ جديدة للغة العربية في جامعتي: ميزوري وفلوريدا الأميركيتين، وبعض الجامعات الأوروبية في كل من: صقلية وروما ومالطة وسراييفو.

 

كما تجلت إنجازات مؤسسة البابطين الثقافية في مشروعها العربي الرائد، حوار الحضارات، على مستوى الحوار الثقافي المباشر أيضًا، عندما أقامت العديد من الندوات الشعرية والثقافية المهمة في مختلف بقاع العالم؛ أولها ندوة “ملتقى سعدي الشيرازي” بمدينني طهران، وشيراز في العام 2000.

 

ثم ندوة “الحضارة العربية الإسلامية والغرب” بمدينة قرطبة في 2004.

 

وجاءت الندوة الثالثة في 2005 بمدينة فاس المغربية، وموضوعها “الثقافة وحوار الحضارات”.

 

وتحت مسمى “حوار الحضارات في نظام عالمي مختلف التباين والانسجام” انعقدت ندوة “سراييفو ـ البوسنة” في 2010.

 

وفي 2011 دارت فعاليات الندوة التي تحمل عنوان “الشعر من أجل التعايش السلمي” في إمارة دبي.

 

أما الإنجاز الكبير الذي حققته المؤسسة في هذا الشأن فهو نجاحها في إقامة ندوة مشتركة بتاريخ الحادي عشر من نوفمبر/تشرين الثاني عام 2013 في مقر البرلمان الأوروبي، وبرعاية من رئاسته، تحت عنوان “الحوار العربي الأوروبي في القرن الحادي والعشرين.. نحو رؤية مشتركة”.

 

وأذكر أن بذرة هذا المركز غرست في أعقاب نجاح دورة ابن زيدون التي شهدتها جامعة قرطبة في الأندلس في أكتوبر/تشرين الأول 2004 حيث انتبه الشاعر عبدالعزيز سعود البابطين، وهو يزور الجامع الكبير بقرطبة ومدينة الزهراء وغيرهما من آثار العرب والمسلمين الخالدة في إسبانيا، بصحبة العالم الراحل الدكتور محمود علي مكي، إلى أن المرشدين السياحيين الإسبان يخطئون في تزويد السياح بالمعلومات التاريخية المتعلقة بهذه الآثار التي تعتز بها إسبانيا اعتزازًا كبيرًا بعد أن أدركت أن فترة الوجود العربي على أرضها وما ترتب عليه من إبداع في مجالات العمارة والفنون أكسب ثقافتها تميزًا عن باقي أوروبا، فنبه البابطين المسؤولين الإسبان والقائمين على جامعة قرطبة إلى خطورة ما يحدث، وعرض عليهم عقد دورات في الجامعات الإسبانية تحت رعايته لتصويب هذه المفاهيم الخاطئة التي تسللت إلى المعلومات التي يزود بها المرشدون السياحيون ضيوف إسبانيا.

 

ومع نجاح هذه الدورات بدأ التفكير في مركز البابطين لحوار الحضارات، وما تبعه من إنشاء كراس باسم راعي هذه المؤسسة للدراسات العربية في أهم جامعات إسبانيا وجنوب إيطاليا، بل وجامعات الولايات المتحدة الأميركية.

 

وقد حرص هذا الكتاب الذي بين أيدينا على توثيق أسماء هؤلاء المرشدين السياحيين الذين اجتازوا هذه الدورات.

 

ومما يذكر أنه في هذا السياق تم إطلاق جائزة أخرى غير جوائز الشعر ونقده وهي جائزة عبدالعزيز سعود البابطين العالمية للدراسات التاريخية والثقافية في الأندلس، وقيمتها ثلاثون ألف دولار.

 

وخلال شهر أكتوبر/تشرين الأول المقبل يتعاون هذا المركز مع مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة أكسفورد العريقة في بريطانيا لتنظيم الدورة الخامسة عشرة للمؤسسة في مجال حوار الحضارات.

 

ويشير البابطين رئيس المؤسسة إلى أن هذه الدورة تأتي ضمن سعي المؤسسة لتوجيه مسار عملها الثقافي نحو تحقيق فكرة حوار الحضارات، الذي تتبناه بحيث تدعو مئات المفكرين ورجال الدين والمثقفين من مختلف أرجاء العالم ومن شتى الاتجاهات العقائدية والفكرية للالتقاء والتحاور في قضايا التقارب بين الشعوب والتسامح بين الأديان ومحاولة إيجاد أرضية مشتركة قائمة على أسس التعايش السلمي ونبذ الصراعات.

 

ويضيف البابطين: إن مجلس أمناء المؤسسة أعد ندوة ضخمة يحاضر فيها نخبة من قادة الفكر والمجتمع بغرض نشر فكرة تقبل الآخر، وذلك لمواجهة التحديات التي تجتاح العالم اليوم وتشعل الحروب في شتى أرجاء العالم ما يستوجب تدخلًا إنسانيًا قائمًا على ركائز ثقافية، باعتبار أن الثقافة هي الموجه الحقيقي للمجتمعات، مشيرًا إلى أنه إذا استطعنا مجابهة القتل بالعقل فسننجح في نحقق السلام.

 

واعتبر البابطين أن الصراعات التي تسود العالم اليوم هي صراعات مصالح، لكن هناك من يحاول إلباسها شتى الأثواب الدينية والمذهبية والعرقية لتصبح الشعوب البريئة هي وقود هذه الحروب الآثمة. ولذلك فإننا من خلال الدورة الخامسة عشرة وما سبقها من دورات نسعى إلى تكريس ثقافة السلام الفطري الذي يعيش بداخل الإنسان تجاه أخيه الإنسان أينما وجد، وحيثما كانت معتقداته وتوجهاته الفكرية.

 

المصدر: ميدل ايست اون لاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى