محمد خير يطلق ديوانه الجديد “العادات السيئة للماضي”

الجسرة الثقافية الالكترونية

حسن عبدالموجود *

المصدر / ثقافة 24

ملعب الشعر ضيق، والشاعر يتحرك في مساحة محدودة بين الكلمات وعلامات الترقيم والفراغات، محاولاً أن يعيد اكتشاف الروابط بين الأشياء، ينظر الشاعر من بلورته السحرية، وينقل إلينا ما لا نستطيع أن نراه، ولكل شاعر طريقته في إنارة العوالم أمامنا، ولكنه يكون مطالباً بإدهاشنا، رغم أنه محاصر في أقل مساحة ممكنة.

وعليه ليس مهماً الطريقة التي يكتب بها الشاعر، هناك شعراء ما زالوا حتى اللحظة يسحبهم عالم المجاز، وهناك منهم من يجدد في المجاز، وهم مجيدون، ولديهم وصفاتهم الخاصة، ولديهم جمهورهم أيضاً، ولكنني أميل أكثر إلى الشعر الذي يتحرر تماماً منها، الشعر الذي يبحث عن الدهشة الكامنة في العلاقات، الذي لا يسير وفق خرائط أو باترونات، الذي يخلق صورته من كلمات بسيطة، من قلب الواقع إلى عالم سحري ربما بكلمة واحدة، الذي يكسر إيهامنا بالعادي والمتوقع إلى شيء خيالي وعظيم.

وكل هذا كان حاضراً ببساطة، في ديوان محمد خير الجديد، الصادر عن “الكتب خان”، “العادات السيئة للماضي”، وحتى في اقترابه البسيط من المجاز لا يمكن أن تتعامل معه بالشكل الكلاسيكي، الشاعر يؤمن بما يراه، ولا يقول إنه شيء خيالي، وفي هذا المقطع، على سبيل المثال، لا أتوقف كثيراً عند مشهد تعليق القمر الخافت فوق الفراش، ولا إخراج الأحلام من الخزانة، بقدر ما أتوقف عند جملته الأخيرة.

اقرأ: “في الليل
علقت قمراً خافتاً فوق الفراش
وسحبت أحلاماً
وجدتها في الخزانة
وذبت في نفسي
حتى أيقظتني اليد التي طرقت نعاسي
وقدمت لي في الصباح
-دون أن تنتبه-
إفطاراً لشخصين”.

وفي ديوان خير لا مكان للصدفة، لا تستطيع أن تحرك كلمة “لبنة” من “جدار” الكلمات. العناوين في الأغلب جزء من مضمون القصيدة. ليس عليك أن تنظر إلى أسفل ثم تصعد إلى أعلى مرة أخرى، لتربط. الرابط موجود في الأغلب بين العنوان والكلمة الأولى. العنوان بوابة الحديقة الملونة. ليس لي شأن بما يقولونه عن العتبات، أنا أكره هذا النقد، ولكنك فعلاً لا تستطيع أن تخطو إلى أرض السحر سوى بالعبور من بوابة العناوين.

عالم مبهر، سيأخذك قليلاً من واقعك، إلى واقع أكثر بهجة، حتى في أشد صوره إعتاماً، ذات مستريحة لما وصلت إليه، ذات تتحرك بامتداد الديوان، الذات فسرت قلقها، وربما فكرت فيه عشرات المرات، ولهذا كانت كل كلمة تتعلق بها شديدة الصفاء، كبحر شفاف ترى رماله وأحجاره وأسماكه الملونة في العمق، وهكذا تجاوزت “العادات السيئة للماضي”، أو تصالحت معها على الأقل، وهذه العادات بحكم أننا أيضاً ننتمي إلى عالم ذلك الشاعر واجهناها، ولكننا لم نتوقف كثيراً أمامها، ربما لأنه، أي الشاعر، من الذكاء بحيث اختار زاوية شديدة الخصوصية للنظر إليها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى