محمد ربيع الغامدي: السرديات توحد الناس رغم اختلاف عذاباتهم

الجسرة الثقافية الالكترونية

*زكي الصدير

المصدر: العرب

 

منذ منتصف التسعينات تقدم الكاتب السعودي محمد ربيع الغامدي إلى المشهد الثقافي بمجموعات أدبية تنوعت بين المسرح والقصة والدراسات الأدبية والنقدية، وكان من مسرحياته: “الشجرة والأرض” 1994، و”انكسارات الشنفرى” 1995، و”الوصية” 1997، و”قضية جمل” للأطفال 2010، و”الريشة والسهم” 2002، و”بائعة الورد” التي فازت ضمن أفضل عشرين نصا بمسابقة الهيئة العربية للمسرح، ومن مؤلفاته: مفردات الموروث الشعبي، وذاكرة الفواجع المنسية: حكايات وأساطير شعبية، وطبع مجموعات قصصية منها: “البرطأونات”، ومجموعة “الثوب الحنبصي” الصادرة عن النادي الأدبي بالرياض والمركز الثقافي العربي بالمغرب. كما شارك بمقالات ثقافية وبحثية في العديد من الصحف، وقدّم مجموعة من أوراق العمل في الكثير من الملتقيات وله مشاركات في الدراما الإذاعية السعودية.

 

الثوب الحنبصي

 

في محاولة من الغامدي لكشف ملابسات الماضي من خلال الوقوف على عتبات الحاضر أصدر مؤخرا عبر “أدبي الرياض” مجموعة “الثوب الحنبصي”، التي كتبت معظم نصوصها في فترات قديمة من تجربته الحالية، الأمر الذي جعل بعض المتابعين لتجربته يتساءل عن هذه العودة إلى مناخات الماضي، وكأن الحاضر خلا من دهشته القصصية. خصوصا وأن المجموعة مسيّجة بالحنين لتفاصيل ويوميات زمن أبيض مسكون بنبل الناس وبياض نياتهم.

 

الغامدي يحدّث صحيفة “العرب” عن مجموعة “الثوب الحنبصي” قائلا “النصوص قديمة وأجواؤها أقدم، لكني الآن أقيم علاقة حوار مع الأزمنة فأفتح معها الحوار تلو الحوار، الأزمنة تتفرج علينا منذ أول دبيب للنجوم على مداراتها، ونحن أيضا ومنذ لحظات الدبيب الأولى تلك نتبادل الأدوار، لذلك أهديت هذه المجموعة إلى الأزمنة التي تتناوب الفرجة علينا”.

 

ويضيف “من يقرأ نصوص المجموعة يرى ذلك الحنين، وربما رأى بياض الأمس رأي العين، ولا بدّ من الاعتراف أننا نحنّ إلى أيامنا الخوالي حنين الإبل إلى أعطانها، لكني أعترف لك أيضا أن الموقف هنا مختلف، هي لقطات لمشاهد كان الزمن فيها يسترق النظر علينا ونحن غافلون”.

 

في “الثوب الحنبصي” يرصد الغامدي بعدسة سينمائية اليوميات والعادات والتقاليد التي لم تبق منها إلا الحكايات

في المجموعة يرصد الغامدي بعدسة سينمائية اليوميات والعادات والتقاليد التي لم تبق منها إلا حكايات الجدات. كان في كل قصة يستشعر مسؤوليته التاريخية حيال حفظ هذا الإرث عبر رصده بكاميراه السردية. وعن ذلك يقول الغامدي “لِمَ لا يشعر القاص بمسؤوليته حيال إرث يندثر؟ سألت نفسي هذا السؤال عندما قررت الهروب من التهمة التي يحملها فأجبت: حسبه أن يحكي وعلى المتلقي أن يجد ما يجد في ثنايا ذلك الحكي، له أن يجد صورا مجمدة، وله أن يجد صورا متحركة، لكنه حكيّ في نهاية المطاف، العدسة تتسع لتفاصيل كثيرة، والعين بحر كما يقول مثلنا السائر”.

 

وفي سؤال للغامدي عن هذا الغياب الحالي، وهل تمّ اختطاف المرأة ومصادرتها من قبل ثقافة الصحوة التي امتدت بسواعدها إلى الجنوب والشمال والشرق والغرب في المملكة، يجيب الغامدي قائلا “إذا نظرنا إلى الصحوة على أنها رجعة بالحياة إلى حقبة ذات طابع ديني معيّن فإن المرأة لم تكن بغائبة في تلك الحقبة، ولا في أيّ حقبة أخرى، لكن طبيعة التشدد عند كل المتشددين في كل الديانات تصبّ جام غضبها عادة على النساء، ولذلك تجد جيوبا غير صحوية تغيّب المرأة، فالجناية هي جناية التشدّد داخل الصحوة وخارجها، وكان يمكن تحجيمها لو سلم التعليم من زحف التشدد، ومع ذلك فإن العودة بالمرأة إلى موقعها الطبيعي آخذ في الازدياد لارتفاع وعي المرأة ذاتها وللنفور العام من التشدّد وثقافته”.

الثقافة في السعودية

 

يرى الغامدي -وهو الراصد للأساطير والحكايات الشعبية- أن هناك إرثا يمدّ الإنسان بالآخر، وهنالك تشابه واضح في إيقاعات الأساطير من جغرافيا إلى جغرافيا أخرى بالمملكة. يقول لـ”العرب”: لاحظت ذلك بنفسي عندما انشغلت بأساطير بلدتي وحكاياتها الشعبية عبر عقود ثلاثة فأدركت كم توحد تلك السرديات بين عذابات الناس وبين تطلعاتهم المختلفة على تباين ديارهم ولغاتهم وألوانهم، إنها تؤكد تشابه الناس ووحدة الحياة رغم قشور الاختلاف، وجدت في كل حكاية فاجعة مؤلمة التف عليها الإنسان وغلفها بحكاية ولذلك أسميت كتابي “ذاكرة الفواجع المنسية”، وجميعها يمكن أن تكون مرجعا لعذابات الناس، كل الناس، ولمخاوفهم مما يحيط بهم من طبيعة ومن مسالك مؤذية بل وتحمل في داخلها منهجا للتربية.

 

للغامدي إسهامات مسرحية ممتدة على سنوات طويلة، وله قراءته الخاصة لواقع التجارب المسرحية السعودية الحالية. ويرى أن التجارب المسرحية السعودية حققت تواجدا على كثير من منصات التتويج كتابة وتمثيلا.

يقول “ما يعوز المسرح السعودي الآن كوادر للتمثيل وللحرف الموازية له، الممثل السعودي ناجح تماما لكن عدد الممثلين لدينا قليل جدا، والمسرح السعودي يراوح مكانه في مرحلة العصامية والاجتهادات الشخصية وهذه مشكلته، لا بد من هيئة عليا ترعى شأنه، ولا بدّ من أكاديمية تخدم التمثيل والحرف الفنية الموازية له”.

 

على مدى سنوات سابقة شارك الغامدي في مؤتمر المثقفين السعوديين، الذي اتفق فيه الجميع على ضرورة وجود مظلة تلملمهم وتحميهم، وذلك عبر تأسيس اتحاد للكتاب السعوديين. غير أن الأمر لاقى تحفظات كثيرة من جهات رسمية، ولم ير النور إلى الآن.

 

عن هذا الشأن يقول الغامدي “لم أسمع ردا رسميا، لا بالرفض، ولا بالموافقة، لكني أظن بأن الجهات المعنية ترى في الأندية الأدبية، وفي جمعيات الثقافة ما يمكن أن يشكل تلك المظلة، ولذلك سارعت بتحسين أجواء الأندية وإدخال نظام الانتخابات في تشكيلاتها، ومع ذلك فقد تكون الأندية بيئة عمل أكثر من كونها مظلة، وأنصح بالاستفادة من فضاء الإنترنت لبناء تلك المظلة تمهيدا لإكمال بنائها في صورتها النهائية”.

 

الغامدي يعتقد بأن المثقف السعودي كان بمعزل عن تصنيفات الربيع العربي الطائفية التي جعلت معظم المثقفين العرب منقسمين ومتعسكرين وفق طوائفهم، لا وفق أيديولوجياتهم. يقول “عوار المثقف العربي بدأ قبل الربيع مع تعلق بعضهم بالمال والخيل الموسومة، وهذا الحال سهّل تمرير الطائفية لصالح قوى الظلام، ولما حلّ الربيع العربي كان المثقف قد ابتعد عن الناس فسهل التصرف في الربيع العربي بعيدا عن حاجات الشعوب، بالنسبة إلينا في السعودية يختلف الحال، فلو أمعنت النظر فلن تجد تلك التصنيفات إلا في الأوساط غير الثقافية، ولقد أثبتت الأيام أن المثقف السعودي أسمى من أن يكون طائفيا، وإن كان هذا لا يغني عن مواصلة الجهد خاصة عبر الأندية وجمعيات الثقافة لينتقل ذلك السموّ إلى بقية الأوساط التي ربما يغيب عنها المعنى العظيم للوطن ومكوناته المختلفة”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى