محمد زينو شومان.. بلاغيّات التيه والوحدة

الجسرة الثقافية الالكترونية-خاص-

*حسن نصور

 

لا ينجز «محمد زينو شومان» (مواليد 1953) عبارة شعرية متخفّفة من البلاغة. إنّه شعر يسكن في التراكيب التي تستحضر خيالات البلاغة الاولى وتكون جُملا مستثمَرة في انسيابات الوزن.

في مجموعته «أهبط هذا الكون وحيدا» (الفارابي، طبعة ثانية، الطبعة الاولى 1999)، نتلمس بوضوح، سيما في القسم الاول من المجموعة، تلك المناخات البلاغية المتعالية التي تعكس صلة وثيقة بالوجود الغامض والموحش. في هذا المجال، تصير اللغة بإحالاتها المتنوعة إلى النصّ الديني المؤسس، القرآن أو إلى أساطير قديمة، محاولاتٍ شاقة ترهق المتلقي بأساليب ترميزها اللغويّ وتجرّه في مناخات القلق والتيه. «أحفر بين ضلوعي ليل نهار/ لا أستخرج منها إلا ألواحا باللغة المسمارية / يعييني النقش المحفور على قلبي / لا أفقه فحوى الاشعار» (ص25)، «لم يرجع ذاك الهدهد خرّ غريقا / في صدر (فريد الدين) / وأنا ما زلت أمام خيام الضرّاء / أترقب نارا تصعد من بين ضلوعي» (ص 47)، «لست سوى أعرابيّ / يرعى إبل الوحشة في بادية الشام» (ص80).

تحيل قصائد صاحب «عائد إليك يا بيروت» (1978) إلى سياق تجارب شعراء الوزن الذين قننوا استثماراتهم في النثر الخالص سيما لجهة نوعية المعجم والمجازات المستخدمة في الأخير. تجارب تحيلنا في وجه منها لغنائيات الشاعر غسان مطر مثالا لا حصرا وتمتد إلى خيط طويل من الشعر الموزون قد يصلنا بمنابت قصيدة السياب.

لا يدخل اليومي البيتيّ أو المدينيّ المحسوس في انشغالات معجم هذه القصائد، بل يظلُّ مشدودا إلى حساسية التراكيب التي تفضي ضمنيا إلى أروقة «الاصالة». إنها تراكيب لا تكون، بحال من الاحوال، مفتونة بحساسيات الهامش والمرئيّ البسيط. مثلا، نصادف في قصائد المجموعة ألفاظا مثل: شقشقة، وجاق، اليعسوب، أعذاق، سفّود.. ونقع على أسماء «المجنون» و «ابن الورد» «الملك الضلّيل»..

بخلاف القسم الأوّل من المجموعة «أهبط هذا الكون وحيدا»، تطغى في قصائد القسم الثالث من المجموعة «أغنيات على باب الجنوب» مناخاتُ الاحتفاء بالمنبت. إنها غنائياتٌ الارض أو كتاب الجنوب الذي ينفتح على معجم يستحضر أجواء المواجهة والصلة الوثيقة الحميمة بكل تفاصيل الهوية. هنا، تخفت صور القلق والتيه لصالح مجازات وتشابيه أقلّ جودة إنّما أكثر انسيابا فيما تكون إحالاتها في الغالب مألوفة لدى القارئ.»ستنأى القرى ثم تنأى / وتمتد هذي الشعاب بنا ما تشاء الخطى» (ص156)، «أعوذ بربّ الفلق / أعوذ بمن جرّدوا الصمت من غمده واستدلوا على القدس بالشوق» (ص141)، «وقد جُمع الجنّ في شرم الشيخ» (ص 140)، أشق القميص الجنوبيّ عن صدر أمي لينبلج القمح (ص 131 )، «أشيخ بغمّ يقرح ظهري / وأستبدل السخط بالبِشر / متئدا حين أخشى السقوط ببئر الغضب» (ص154)

في كلّ الاحوال، لا يبدو مصيبا، في العموم، الرأي المسطّح الشائع الذي يحيل هذا النوع من الشعر على جيل أو وقت مضى أو يحقّب النوع الشعريّ. الثابت أن تجارب جديدة وراهنة لا يمكن فصلها عن سياق هذا الشعر مع تفاوت في جودة وتمرس الجملة الشعرية. إنّها تجارب حاضرة وتحاول خلق نبرة مغايرة بالتفعيلة والوزن، وإن كان الانتباه الى هذه الشعر الجيّد (نثرا أو وزنا) بحاجة إلى حساسية نقدية عالية تكاد تكون نادرة، في فوضى الاصدارات الكثيرة التي لم تعد في الغالب خاضعة لحدّ أدنى من الضوابط والشروط.

 

المصدر: السفير

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى