«مدخل في النقد الأدبي» لفاروق ابراهيم: دراسة تحذر من تشوهات اللغة المهجورة والهرولة الى الابتذال

الجسرة الثقافية الالكترونية –  القدس العربي -كمال القاضي -يختلط أحيانا على البعض مفهوم الرؤية الاجتهادية في تحليل العمل الأدبي والفني والفرق بينهما وبين الدراسة النقدية الأكاديمية القائمة على أسس ومبادئ ورؤى.
«مدخل في النقد الأدبي» عنوان دراسة وافية قدم من خلالها الدكتور فاروق إبراهيم الأستاذ بأكاديمية الفنون تعريفات الفوارق الجوهرية والثانوية مفهوم النقد بكل فروعه وأشكاله وموضوعاته سواء الأدبية أو الفنية أو التليفزيونية وقد لخص العملية النقدية بتأكيده أنها النفاذ لجوهر الأفكار مباشرة والسرد الكلي والمعرض ما بين المتن والحاشية بعد تشريحها وتفكيكها من كلياتها الى جزئياتها ما دون ذلك ومن ثم تجميع فوائدها لإحداث تأثيرها على المتلقي بلغة عليا تصل لكافة المستويات الثقافية من غير عناء ويقصد الدكتور فاروق إبراهيم هنا بإصلاح اللغة العليا القيمة التأثيرية لأسلوب التعبير الراقي المدعوم بالأفكار والسندات العلمية وليس ذلك الكلام المطلق ذا الصبغة البلاغية المرسلة فقط، فالمنهج العلمي للبحث كما يراه صاحب الدراسة لابد أن يتحرر من العبارات الإنشائية ويعتمد على الأدلة والبراهين مع الحفاظ على البنية الأساسية للفكرة وجوهرها وشكلها اللغوي وإيقاعها المنضبط بحيث لا يتم إهمال الجماليات الأسلوبية تماما ولا يتم التركيز عليها فتضيع الفكرة في غمرة استعذاب اللغة.
وفي محاولة منه لتقريب الصورة يرى الدكتور إبراهيم أن المدخل الى النقد يحتاج أولا الى تعريف النقد بأنه التمييز بين الغث والثمين والاعتماد على مجموعة من المعايير ملبين الجميل والقبيح المستملح والمرفوض الذاتية المطلقة والموضوعية وفقا لخبرة ورؤية الناقد أو المحلل أو المفسر أو المؤول هذا الى جانب اللغة المستخدمة كعملية اتصال سواء الكتاب أو الرواية أو القصة أو الفيلم أو المسرح كنمط فني تشخيصي ومدى تأثير المتلقي بكل هذه الوسائط.
وتتحدد مواصفات الانفعال بالنقد وجديته بعدة شروط هي الإمتاع والتأمل والدهشة والموضوعية والعنصر الأخير يتأكد بالمنهجية الفكرية وكليات التناول المختلفة مثل الحاسة الاستباقية والمرجعية المؤسسية والعصف الذهني المتبادل ما بين الراوي والمتلقي بالإضافة الى البيئة الحاضنة للعمل دون الخروج عن مساره الكلي والخبرة الذاتية بتراكمها الكمي والكيفي وعلاقة كل هذا بالثقافة الموسوعية ومدى إحاطة الناقد أو المحلل أو الباحث بها.
وتتأثر الكتابة والتحليلات تأثرا كبيرا بالحركة النقدية، فالاستجابة من جانب المعنيين تؤدي الى نشاطات ذهنية وإحداث تغييرات حقيقية على أرض الواقع وتحول النقد من مجرد وسيلة إرشادية الى أداة تغيير وتفعيل ومن ثم يتمكن الناقد من القيام بدور إيجابي في المشاركة ويتجاوز فعله الذهني وظيفة التنظير الشفهي أو المكتوب.
وباختلاف الجمهور المستهدف والمدرسة النقدية التي ينتمي إليها كل ناقد تتغير الصورة والنتيجة واللغة والأدوات ولكن مع كل هذه الاختلافات تبقى الثوابت كما هي دون مساس ومنها التبني الموضوعي دون رفض للأنظمة النقدية الأخرى التي قد تضيف أشياء ورؤى لم تكن في ذهن المبدع أو المتلقي الاخر المختلف فضلا عن عدم نزع الناقد أو المحلل شرعية أسبقية الطرح، أي لا يجوز في الحكم على المصنف الإبداعي إخضاعه لشروط ومفاهيم خاصة بأفكار من يمارس مهمة النقد بحيث لا تكون منطلقات الحكم سياسية أو أخلاقية أو تحريضية أو دينية أو تربوية أو غيرها إلا إذا وجد ما يبرر ذلك في العمل الإبداعي على اختلاف نوعياته.
ويضع الدكتور فاروق إبراهيم في كتابه «مدخل في النقد الأدبي» مجموعة التزامات يوصي بضرورتها عند التعرض للتحليل أو النقد ويراها أولويات مهمة وهي الاهتمام ببعض المناهج النقدية كالمنهج المادي النفعي والمنهج التاريخي والمنهج الجدلي الفلسفي متخذا من أفلاطون وأرسطو والفارابي وابن سينا وابن رشد وكانت وهيغل وهيدغر وتي أس أليوت نماذج يعتد بها في الأطروحات التاريخية والمعاصرة، مؤكدا في نفس الوقت على أهمية أن يبتعد الناقد عن اللزوميات الضاربة في القدم والتعبير اللغوي والفوضى التعبيرية المثيرة حفاظا على موضوعية وهيبة وقيمة الكتابة كما حذر الدارس والباحث الدكتور فاروق من الهرولة المصطنعة نحو الأفكار الخفيفة المغرية مفضلا الالتزام بشمولية الطرح والإلمام بكافة الجوانب العملية الإبداعية وطرق التناول مع مراعاة عدم الوقوع في الملل والركاكة والتكرار.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى