مديرة مهرجان السينما الأفريقية في قرطبة: الرقابة الذاتية تدفعنا إلى الوقوع في منطق المتطرفين

الجسرة الثقافية الإلكترونية

المصدر: القدس العربي

تعتبر ماني ثيسنيروس، مديرة مهرجان السينما الأفريقية في قرطبة، أن السينما هي العدو الأول للتطرف لأنها تشمل الفن النقدي الذي يساعدنا على العيش، رغم تناقضاتنا، وعلى مواجهة أولئك الذين يريدون فرض قالب فكري واحد، أولئك الذين يتلاعبون بالاضطرابات بحثا عن عدو خارجي. 

وأشارت إلى أن هناك هجمات تستهدف تدمير ركائز المجتمع الحر، وأن الخوف الذي يؤدي إلى الرقابة الذاتية يدفعنا إلى الوقوع في منطق المتطرفين. إنه فخ الاعتقاد بأننا في مواجهة الآخر. فرفض المسؤول الفرنسي عرض فيلم «تومبوكتو» للمخرج عبد الرحمن سيساكو، ومحاولة مهرجان فيسباكو الفاشلة لاستبعاد هذا الفيلم لأسباب أمنية، التي أجهضت من قبل رد فعل السينمائيين، يعني الاستسلام لمنطق المواجهة الحتمية. فهذا الفيلم يشكل خطرا على المتطرفين لأنه يكشف أنهم بشر، متناقضون مثلنا. 

فبخبرة فنية، وبأسلوب يطبعه الهزل والإحساس المرهف، يبطل سيساكو بشكل عابر مفعول هذه الدينامية الرهيبة. فمد الجسور نحو ثقافات أفريقيا يعني الإنصات إلى المبدعين الأفارقة، لأنهم أول من يعانون من التطرف.. أفلامهم تتحدث عن المعاناة، العاطفة، السعادة والإنسانية.

وأكدت ثيسنيروس أن استمرار مهرجان السينما الأفريقية في قرطبة، تم بفضل دعم الناس، سواء في المؤسسات أو المجتمع، الذين ما زالوا يؤمنون بالثقافة. 

وأضافت، إذا تخلينا عن الاعتقاد بالثقافة، وفي حالة توقف المهرجان سوف نفقد فضاء حيويا للتبادل والحوارعلى جانبي المضيق. هذا الفضاء إن بقي فارغا ستحتله الأصولية والجهل والعنف.

فالعالم يتغير، يتطور. وهناك ديناميات تساهم في تقارب أو تباعد المجتمعات التي تتميز بحركة مستمرة. ففي السنوات الأخيرة، تعرض العالم الغربي بشكل مضاعف لضربات من قبل الحركات الأصولية القادمة من بلدان أخرى، وتمثل رد فعل حكوماتنا في خفض الحريات بدعوى الأمن القومي في حالة إسبانيا. ونتكلم أيضا عن الدول المجاورة التي نتشارك معها التاريخ والثقافة. كما أشارت ثيسنيروس إلى أنه لا يمكننا أن نتحدث عن سينما أفريقية واحدة، لأننا في بعض الأحيان ننسى أنها قارة تحفل بثقافات مختلفة جدا، والميزة التي تطبع السينما الأفريقية هي نظرة القرب، أي محاولتها الحكي من الداخل لما تعيشه في الواقع وأخذ الكلمة للتعبير عن تلك القارة المنسية.

وأضافت أن أفريقيا تنتج أكثر من 2000 فيلم في السنة وهي تشكل القوة العالمية الثالثة في السمعي البصري، بعد هوليوود وبوليوود. وأن ست دول فقط: جنوب أفريقيا والمغرب ومصر والجزائر وتونس ونيجيريا خاصة، تتوفر على صناعة سينمائية. 

و تقول ماني إنه بعد سنوات من الاستقلال برزت الحاجة للمخرجين الأفارقة للتعبير عن أنفسهم، واتخاذ السينما كأداة للتحدث مع الذات، فقد تم حرمان أفريقيا من التعبير لعدة قرون. 

وفيما يتعلق بسينما المغرب البلد المجاور لإسبانيا ترى ثيسنيروس أن ليلى الكيلاني المخرجة الوحيدة التي تضيف تحليلا جديدا ومبتكرا من جيل الشباب ومنظورا مختلفا للواقع. وفيما يتعلق بالسينما في جنوب أفريقيا، أشارت إلى أن المنتج ستيفن ماركوفيتز هو المنتج المثالي لهذه الصناعة برمتها، حيث عمل على تشجيع الإنتاج المشترك داخل القارة نفسها. وأعلنت ماني أن جنوب أفريقيا والمغرب يحتلان الصدارة من حيث الجودة وإنتاج الأفلام، التي تحتل مساحة أكبر في برمجتنا. كما أكدت ماني أن اختراع السينما وصل إلى أفريقيا كبقية دول العالم، حيث قام الأخوان لوميير بنشر السينما كشكل من أشكال الترفيه التجاري. ومع ذلك، فمنذ الأيام الأولى لاستقلال الدول الأفريقية المختلفة، كانت السينما في أفريقيا مراقبة ومنتجة أساسا من قبل المستعمرين الأوروبيين. وأول فيلم أفريقي تم إنتاجه على الأرض الأفريقية، على يد مخرج أفريقي مستقل عن أي سيطرة خارجية، نجد علامة فارقة تتمثل في فيلم «بوروم ساريت»، الذي أخرجه الكاتب السنغالي عثمان سيمبين عام 1963. وانطلاقا من هذا الفيلم، ومن هذا التاريخ، بدأت تنمو قائمة صانعي الأفلام الأفريقية باطراد يزيد بالتوازي مع العصر، وحسب تطور كل بلد أفريقي.

وتلفت ماني الانتباه إلى أن هناك دولا أفريقية لا تتوفر على قاعة سينما واحدة، رغم توفرها على مخرجين، لذلك فتوزيع الفيلم في الداخل أو الخارج يعتبر حقا معجزة.

وتبقى السينما لجميع هؤلاء المخرجين والمنتجين أداة مهمة تجعلهم مشاهدين ومرئيين، إنها طريقتهم لتقديم أنفسهم للعالم وصرخة دالة على وجودهم. لكنها تبقى غير متكافئة بالنظر إلى صرخة الأقوياء.

وعن نقل مكان انعقاد المهرجان من مدينة طريفة، التي شهدت دورته الأولى سنة 2004، إلى مدينة قرطبة انطلاقا من الدورة التاسعة سنة 2012 تعتقد ماني ثيسنيروس، أن مدينة الخلافة ستشكل أفضل سجادة حمراء وأحسن مكان لإقامة هذا الملتقى السينمائي، لتوفرها على بنيات تحتية مهمة ونظرا لإمكانياتها السياحية الهائلة ونشتغل على أن يتردد صدى المهرجان وقرطبة في جميع أنحاء العالم.

واستقرت ماني، التي قضت سنوات عديدة في المهجر، بطريفة سنة 2003وأن أول التقاء لها بالقارة الأفريقية كان صادما، لأن المدينة التي تشكل نقطة عبور نحو أوروبا شكلت بقعة سوداء لضحايا الهجرة السرية التي لا يمكن تجاهلها. ورغم تقارب المسافة التي تفصل بين المضيقين فقد كان هناك جهل لما يعيشه كل منا عن الآخر جعلنا نفكر في أن السينما ستشكل أداة لبناء جسر المعرفة ما بين إسبانيا وأفريقيا.

لقد تميز المهرجان في دوراته الماضية بالطابع التحسيسي والتربوي كهدف وحيد لكننا اليوم نراهن على أن يساهم في تطبيع صورة الأفريقي والسينما الأفريقية، ونقترب أكثر من إزالة ونزع صفة الأفريقي، لأننا نعتقد أن ما تحتاجه أفريقيا هو أن ينزعوا عنها النعوت ووقف التوسيم حتى تتمكن من الاندماج وتستفيد من تكافؤ الفرص..

واعتبرت ثيسنيروس أن التلفزيون يشكل إحدى الوسائل الإعلامية التي بإمكانها نشر الفيلم الأفريقي، سواء في أفريقيا أو في العالم، في الوقت الذي انتقدت فيه عدم إقدام القنوات التلفزيونية الأفريقية ببرمجة أفلام مخرجيها واقتنائها.

وتضيف قمنا بمجهود كبير حتى يتمكن السينمائي الأفريقي من وضع اعتباري لأنه في المهرجانات الدولية الأخرى يظل في الزاوية الخلفية، ورغم الأزمة التي تمر بها إسبانيا والتي أثرت على المهرجان، ما يجعلنا نقاوم ونناضل حتى نستمر في التواصل الإنساني بين الشمال والجنوب…

وماني ثيسنيروس من مواليد 1958 في مدريد قامت بتأسيس مهرجان السينما الأفريقية في طريفة ومركز الطرب للانتشار الثقافي بالمضيق وهو منظمة غير حكومية هدفها وضع خطة شاملة لتعزيز ونشر وتطوير دور السينما في أفريقيا، وجعل الفيلم أداة لتحقيق التنمية والتقدم. كما ساهمت في خلق سينما الرحل والسينما المتنقلة لتعزيز نشر السينما الأفريقية من خلال الجولات الثقافية في إسبانيا وعرض الأجهزة السمعية والبصرية المحمولة في أفريقيا. كما شاركت في إنشاء شبكة من المهرجانات السينمائية الأفريقية لتعزيز ونشر الفيلم الوثائقي في القارة السمراء.

أن تنظر أفلاما أفريقية على لوحات إعلانية في دور السينما الأوروبية يعتبر حلما، لذلك نحن لا نريد وقف نضالنا حتى تنفيذ هذا الحلم.. وفي هذه الأوقات من الأزمة التي نعيشها ويعاني منها المهرجان أيضا، وتجسد ذلك في تقليص الميزانية المعتمدة والتغييرات الجذرية في مشاريعنا وعدد المدعوين… فللخروج من هذه الوضعية يجب سن قانون رعاية حقيقية للثقافة بحيث يمكننا من إيجاد طرق جديدة ليتم تمويلها من قبل القطاع الخاص أيضا. ومع ذلك، وعلى الرغم من أننا لا نستطيع الاعتماد حتى على الدعم التقليدي، فهذا العام وأكثر من أي وقت مضى، سيستمر المهرجان بفضل الجهود التي يبذلها جميع المهنيين الذين يؤمنون به.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى