‘مساحة من حزن’ بين الإبداع الشعري والتألق التشكيلي

 

*د. علي حسون لعيبي

 

الشعر حياة متكاملة والتشكيل ترجمة انسانية له. هناك علاقة تبادلية تأثيرية بينهما, فمرة نكتب أجمل الجمل الادبية من خلال رؤية حاذقة للوحة وأخرى. ريشتك تجعلك ترسم هموم الكلمة بألوان وخطوط ومنحيات تعبر عن فحوى النص الادبي. ومن يمتلك الموهبتين يكون قد وصل لمراحل متقدمة من التعبير الراقي للفعل الحياتي. وهذا ما تملكه الاديبة والفنانة العراقية غرام الربيعي.

 

وللحديث عن تجرتها الشعرية والتشكلية يجب أولا أن نراها كإنسانة استطاعت بتواصلها الاجتماعي والانساني أن تصل الى جمهور واسع من المجتمع بمختلف اطيافه. وهناك بديهية معروفة.. حتى تصل محبتك للاخرين عليك بالصدق معهم.. أي ربط الفكر بالممارسة من خلال الايمان المطلق بما تفكر بعيدا عن التأثيرات الزمنية والمكانية ومن أصعب الامور موضوع الثبات في الموقف فتقول هنا:

 

أجرُّ أذيالَ المساءِ

 

لسطورٍ عالقة مذ أوّل سطوع

 

والفكرةُ نقطة ضوءٍ لصناعةِ نهار

 

هناك شيء اكبر من كل الاشياء ثابت الحب لا يتزحزح. يرحلون ونرحل ويبقى. وهو حب الوطن الذي صورت عشقها المقدس له:

 

كلما صليت في محراب العراق

 

كانت التراتيل متحشرجة في مأذنة الصبر

 

فأكابر مثل النخيل

 

وأطيل قنوتي

 

هو الحلم الذي يراودها دائما منذ بزوع وعيها الفكري أن ترى الضياء الذي يملأ وطنها بعد أن حدث ما حدث لكنها تشعر بمزيد من الحزن لأن ما تمنته هي لأهلها لم يتحقق بفعل داخلي وخارجي.. فتقول:

 

أحلامي باتتْ مُخجلة

 

وسائدي المتهرئة لا تصلح لغفوة

 

سقوفُ الخوف لم تعدْ فكرة

 

أو ذات جدوى

 

مادمت نازحا عن ملامحي

 

والديارُ لمْ تعدْ تسمع

 

فالمسافة أكبر من هشيم الصمت

 

كالمجنون أردّدُ العبارات

 

كي لا تفلتَ طفلتي من يَدي

 

مثل أحلامي

 

يبدو أن ملامح عدم الصدق من خلال ماعم البلاد بعد الغزو المدمر أصبح هاجسا يبتلع الحلم والقضية التي جاهدت وحلمت طويلا من اجل أن تحقق، وتزيد على ذلك وتنشد:

 

هنا فقط ،

 

تتكاثرُ الأجنحة،

 

لكنّها لا تصلح للطيران،

 

ربّما السماءُ معطلة،

 

او خلل ما في الجو

 

أو عطبٌ بجيناتِ ذاكرتي

 

حين أصابَ رحمَ الأرضِ سرطانُ النوع

 

هكذا سوّلَتْ لي نفسي

 

كل نصوصها الشعرية تعبر عن حزن عميق ينتابها لما يحدث من قتل ودمار وفساد وكان أجمل تعبير لها في ومضتها التي تقول:

 

حتى البحر أهداني قلما كي أدوّن أحزان العراق

 

وفي الفن التشكيلي لها تجارب فنية ذكية تحمل في دواخلها الانسانه الشاعرة لكن يظل الحزن صديقها بين فقدان الاحبة وفقر الفقراء هي لا تريد أن ترى فقط نفسها لكن ترغب بالرخاء للطبقات المسحوقة التي اكلها الفقر وطغى عليها العوز.. فتقول عن حالة الرسم عندها:

 

“كلما مزجت الوان الفرح لأصبها على لوحتي زادت نسبة الارامل والايتام لتزداد اللوحة عتمة”.

 

هنا العتمة بلا ضوء.. ملامح بشرية تموت وشعب بكل انواع الاسلحة يذبح والقاتل ما زال يتسلى على وجع يكبر.

 

البعض من تلك الإنسانة الفنانة والشاعرة يجعلنا نشعر بعمق حسها الإنساني الذي يجعلنا نتابعها بشغف لأننا نرى من خلالها ألم المرحلة الذي يمر، ويبدو أنه سيطول.

 

غرام الربيعي استطاعت بحرفة الريشة ووعيها الادبي المتقد أن تصنع لنا لوحة شعرية بألوان العراق الذي ما نزال نراه وتراه مضيئا رغم ظلام الطريق.

المصدر: ميدل ايست اون لاين

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى