مصـوِّر فلسطيني يثبت وقائع التاريخ بالكاميرا

الجسرة الثقافية الالكترونية
*غيداء السالم
يُمضي المصوّر الفلسطيني الشاب طارق البكري، يومه وهو يتجوّل في أزقة بلاده، للبحث عن منزل أو معلم أو حتى شجرة، حاملاً في يده كاميرا، وفي اليد الأخرى صورة تعود إلى زمان مضى وحياة ولّت، حتى يطابق الماضي مع الحاضر، من خلال صور تعكس أرضاً اشتاقت إلى أهل ما زالوا يطالبون بحق العودة.
عودة معنوية إلى الأرض ورحيل إليها عبر الروح والذاكرة يطلبهما فلسطينيون خارج بلادهم، حتى جاء البكري محققاً أمنيات أشخاص باتوا يملكون ذاكرة أرض عاشوا فيها، وصوراً توثّق لحظات حياتهم قبل الهجرة. عودة تحققت من خلال ما وثّقه البكري من صور لقرى فلسطينية صوّرت قبل «النكبة الفلسطينية»، وأعيد التقاط صورها بعد عقود لتوضع في مقارنة مع الماضي.
مقارنة سيّدها الحنين وشريط من القصص يرويها عشرات من الفلسطينيين المهجرين للبكري، الذي أخد عهداً على نفسه بأن يلبي لكل فلسطيني غير قادر على زيارة وطنه، طلبه الذي لا يتعدى صورة تحمل مـــلامح بيـــته القديم، حتى وإن جار عــليه الزمن أو سكنه العدو.
البكري ترجم حبّه لبلده من خلال توثيق فلسطين قبل النكبة، وما طرأ عليها من تغيرات إثر الاحتلال، حتى يثبت للعالم أن أرضه كانت حرة وعامرة بأهلها، بعكس ما يحاول إثباته المستوطنون زاعمين أن فلسطين كانت تخلو من العمران والحياة.
وتطرق البكري إلى تجارب عاشها خلال رحلة البحث عن هوية فلسطين، منها واقعة عادت به إلى حرب الـ48 وما نتج منها من ضحايا في صفوف القوّات الأردنية المشاركة في ذلك الوقت، ولم يعرف لهم طريقاً حتى باتوا في عداد المفقودين منذ 67 سنة.
لكن البكري عثر على 8 من قبور الشهداء الجنود، ومن ثم تواصل مع عائلاتهم ليبلغهم عن مكان الأضرحة، إضافة إلى صور لشواهد القبور.
ومن هذا الحدث الذي كان له وقع خاص على الأردنيين، إلى قصة صائغ معروف دفن ممتلكاته في أرض محلّه عقب النكبة وتركها، واكتشف أن ماله ضاع بعد أن تحقّق البكري من الأمر مصوّراً له المكان.
ويبحث البكري الذي بدأ رحلة التصوير قبل ثلاث سنوات، عن منازل أهم الشخصيات التي عاشت في فلسطين، وأبرزها الأديب خليل السكاكيني الذي كان آخر من هجر قريته ومنزله الذي أمسى اليوم مؤسسة صهيونية نسائية، ناهيك عن توثيقه الأماكن التي كان يقصدها محمد عبدالوهاب وأم كلثوم وفريد الأطرش.
ويقول البكري لـ «الحياة»، إنه وثّق معالم ومناطق فلسطينية عدة زوّرها مستوطنون، خصوصاً المناطق التراثية والإسلامية منها، من طريق تشويه الآثار وتغيير ما وثّقه التاريخ عن فلسطين. وتطرق في حديثه، إلى قانون «حارس أملاك الغائبين» الذي سمح بغير حق لليهود، بتملّك البيوت والمؤسسات الفلسطينية.
ولفت المصوّر الشاب إلى أنه يستعرض من خلال صوره، الحياة الاقتصادية والسياسية والثقافية في فلسطين قبل النكبة، إضافة إلى صور تدلّ على محاولات دؤوبة يبذلها فلسطينيون للتمسّك ببلادهم، وعدم السماح بتغيير معالمها، خصوصاً في فترة الانتداب البريطاني التي شهدتها المنطقة.
ونظّم البكري معارض داخل الأردن وخارجه، تتضمن صوراً ملتقطة على مر ثلاث سنوات من عملية البحث والتوثيق، وكان آخر عرض له في عمّان وسط حضور لافت.
ويهدف البكري الذي التقط آلاف الصور لـ500 قرية فلسطينية، إلى إظهار حقيقة إسرائيل التي تسعى إلى طمس التاريخ العربي والإسلامي، إضافة إلى ربط الفلسطينيين المهجرين ببلدهم وجذب السيّاح، لكن بالطريقة الفلسطينية لا الإسرائيلية.
المصدر: الحياة