معارك حامية الوطيس حول “المتنبي” و”ابن خلدون”

الجسرة الثقافية الالكترونية
*جهاد فاضل
لم تكن معارك الأقلام التي دارت في القرن العشرين معارك فكرية صرفة، وإنما كانت بالإضافة إلى ذلك معارك أدبية. فكثيرًا ما اندلعت هذه المعارك عقب صدور كتاب مثير للجدل، يثير قضية أو قضايا خلافية يتصّدى لها آخرون ويردّون عليها بعنف أحيانًا كما حصل عقب صدور كتاب «مع المتنبي» لطه حسين، وهو كتاب شكّ فيه «العميد» بالنسب الذي يعطيه الباحثون في العادة لأبي الطيب. وكان أبرز من ردّ على طه باحث مصري شاب يومها اسمه محمود شاكر كان ذات يوم طالبًا عند طه حسين في الجامعة ثم ترك الجامعة وهو حاقد على أستاذه، ونشر بعد ذلك كتابًا عن المتنبي (في يناير ١٩٣٦) حاول أن يثبت فيه أن نسب المتنبي يعود إلى الأسرة العلوية وأنه نجل أحد الأئمة الاثنى عشر عند الشيعة، في حين أنه كان لطه حسين موقف آخر من هذه المسألة.
قال محمود شاكر خلال تلك المعركة الطاحنة: «أراد طه حسين أن يخلص في كتابه إلى القول بأن «مولد المتنبي كان شاذًا، وأن المتنبي أدرك هذا الشذوذ وتأثر به في سيرته كلها». ولا شك عندي، والكلام لمحمود شاكر، أن الدكتور طه رجل عبقري، فهو من قبل شكّه في نسب أبي الطيب، شكّ في الشعر الجاهلي وفي أشياء كثيرة، واستطاع أن يتغلّب بتوفيق الله له على خصومه، واستطاع أن يقوم كالجبل لا يعمل فيه السيف عمل السيف. ولكن هل يستطيع الدكتور أن يجيبني لماذا شك في نسب المتنبي؟ أكبر الظن فيه أنه يترفع -على عادته- عن الإجابة. فهو عبقري، والعبقري لا يقال له لماذا. ولكن الدكتور يزعم في كتابه أن المرء إذا قرأ ديوان المتنبي لا يجد فيه ذكرًا لأبيه، لم يمدحه، لم يفخر به ولم يَرْثه ولم يظهر الحزن عليه حين مات، وهذا كافٍ في تشكيك العلماء في نسب المتنبي، وهو كافٍ في اليقين بأن المتنبي لم يعرف أباه!.
ويسأل محمود شاكر طه حسين: أيكون لزامًا على كل شاعر أن يمدح أباه، وأن يفخر به، وأن يرثيه، فإن لم يفعل الشاعر ذلك، فهو شاعر (لا يعرف أباه)؟ إني أجد من الشعراء من فخر بأبيه، وأجد منهم كثيرًا لا يُعَدّ كثرةً من لم يفخر بأبيه ولا ذكره في شعره.
أفكلّ هؤلاء لم يكن يعرف أباه ولا يثبت نسبه لضعفه وخسّته؟.
ويضيف محمود شاكر: «أخبرني البعض أن الدكتور طه يذهب إلى أن المتنبي «لقيط» فاستعذت بالله، واستكبرت أن يقول الرجل هذا القول.. إلى أن التقيته بعد ذلك في دار الجمعية العربية لأسبوع المتنبي، فكان من حديثه إليّ أن قال: «أنت تذهب إلى أن المتنبي علوي النسب في حين أنني أقول إنه لقيط».. وقد والله خُيل إلي أن الشيطان فاغرٌ فاه بيني وبين هذا الرجل، فرجفت رجفةً وعذتُ بالله ثم قلت له: إن هذا رأي منقوض من وجوه، وهو على كل حال نتيجة للشك في نسب المتنبي مع التوقف عند هذا الشك قبل القول بأنه علوي أو جعفي أو هذا أو ذاك. وأردتُ أن أنبهه بهذه الكلمة إلى أن رأيه مسلوخ من كتابي، وذلك أنه أخذ الشك في النسب مني، وعجز عن أن يقول شيئًا في نسب جديد يلصقه به.
وأثارت فقرة في كتاب طه حسين في المتنبي، محمود شاكر. ورد في هذه الفقرة: «ولكن الخطب في أم المتنبي أعظم من الخطب في أبيه فقد سكت المتنبي نفسه عن أبيه، ولكنّ الرواة والمؤرخين ذكروه فسمّوه «الحسين» وعرفوا له أبًا، اختلفوا في اسمه بعض الاختلاف، وعرفوا له صناعة هي السقاية في الكوفة، وهذا على قلته وضآلته كثير بالقياس إلى ما عرفوا عن أم المتنبي، لأنهم لم يعرفوا عن أمرها شيئًا، ولم يذكروا من أمرها شيئًا. فنحن لا نعرف اسمها، ولا نعرف أباها، ولا نعرف أكانت عربية من قبل أبيها أم أعجمية».
وتثير هذه الفقرة محمود شاكر فيكتب غاضبًا، هذا كلام فضفاض، كما هو لغو، وثرثرة لا تنتهي، والأمر أهون من ذلك، ولو أن امرءًا مدّ يده وتناول كتابًا من كتب تراجم الرجال ليقرأ طرفًا منها، لعلم أن أصحاب هذه الكتب، وهم المؤرخون، قلما يعرضون في التراجم لذكر أمهات الرجال أو ذكر أسمائهن أو أسماء آبائهن. هذه الأباطيل هي الأصل الذي بنى عليه الدكتور شكّه، وهو أصل فاسد كلّه»!.
معركة أخرى، حامية الوطيس أيضًا، دارت حول ابن خلدون الذي يفخر العرب بأنه مؤسس علم الاجتماع الحديث. بدأت هذه المعركة عندما كتب الدكتور لويس عوض مقالاً هاجم فيه ابن خلدون ومصادره وكانت خلاصة رأيه ما يأتي: «إذا أردنا أن نزن تراث ابن خلدون ونفهمه، كان علينا أن نعرف المصادر الثقافية التي تأثر بها ونهل منها. هذه المصادر الفكرية بعامة هي مصادر الثقافات الإغريقية واللاتينية وثقافة أوروبا الوسطية، وابن خلدون كان بلا شك مطلعًا على كل هذا التراث، بعضه في العربية مترجمًا، وبعضه في اللغات الأجنبية، ويرجّح لويس عوض ترجيحًا يقرب من اليقين أن ابن خلدون كان يقرأ هذه المصادر الأوروبية باللغة اللاتينية، كما كان يستخدم اللهجة الأسبانية. وقد حرص لويس على إظهار أن ابن خلدون نقل آراء ووقائع اليونان والرومان وفلاسفتهم.
أثارت آراء لويس عوض هذه غضب المثقفين المصريين، وكان من أبرز من ردّ عليه رشدي صالح، فذكر أن سرّ عبقرية ابن خلدون أنه تلميذ عبقري للحضارة العربية، لم ينقل عن أوروبا القديمة أو الوسطية، وسبق أوروبا الحديثة.
حول مصادر ابن خلدون قال رشدي صالح إن ابن خلدون حرص على أن يذكرها لنا في سيرته التي كتبها بنفسه ومنها نعرف أنه درس في جامع الزيتونة بتونس وجالس شيوخ العلماء الوافدين من الأندلس عندما ارتحل إلى فاس وأنه تابع دروسهم: «وكتابات ابن خلدون تقطع بأنه تلميذ عبقري للثقافة العربية، وأول الأدلة أن الروح المسيطرة على عقله هي روح فلسفة التوحيد الإسلامية وليس الفلسفة الإغريقية أو غير الإسلامية.
نلمس هذا بوضوح حين نقرأ له من كلامه عن مشكلات الحياة والكون، فنجد أنفسنا أمام تلميذ حقيقي لمنطق الفلسفة الإسلامية».
رجّح لويس عوض أن يكون ابن خلدون قد استعمل اللاتينية أو الأسبانية لسببٍ ثانٍ، وهو أن ابن خلدون أُرسل في سفارة إلى بلاط بطرس الفاسي ملك إشبيلية، ومن المرجّح جدًا أن يكون استخدم اللاتينية أو الأسبانية أثناء سفارته، ويرى رشدي صالح أن هذا الاستنتاج خاطئ، إذ ليس شرطًا في رجل يسفّره العرب عنهم أن يعرف لغة أجنبية ليخاطب ملك إشبيلية بهذه اللغة. كان يكفيه الاستعانة بمترجم، وكانت قصور المسلمين وقصور المسيحيين تحتوي على أناس وظيفتهم الترجمة، هذا مع الإشارة إلى شهادات العلماء الأجانب، ومنهم عالم الاجتماع الفرنسي برتول، الذين يقولون: «إن ابن خلدون لم كن يعرف شيئًا عن اللغات الأجنبية».
ونشبت معركة أخرى بدأها توفيق الحكيم عندما كتب مرة: «إذا لم يكن هناك شرق فعلينا أن نأخذ الحضارة الغربية وننتهي»..
التساؤل حمل معنى التشكيك: «هل يوجد اليوم شرق»؟ وكان هذا التشكيك من أقسى ما حملته رياح التغريب والشعوبية إذا راجعنا ما كُتب عن العرب وكيف ظلمهم الغرب ظلمًا مبينًا.
وكان ممن ردّوا على الحكيم، محبّ الدين الخطيب: «الذين يسألون هل يوجد اليوم شرق، يريدون أن يقولوا: هل للإسلام اليوم وجود؟ ومدار هذا السؤال على مبدأ آخر يجب أن ننتهي من الحكم فيه وهو: هل الحضارة الغربية كلّ لا يتجزأ، فيجب على الشرق في نهضته أن يأخذ بها كاملة: من البرنيطة إلى الحروف اللاتينية إلى العطلة يوم الأحد، إلى الإعلان أن الإسلام ليس دين الدولة، إلى إباحة زواج المسلمات بغير المسلمين، إلى إبطال أحكام الله في المواريث وسائر الأحوال الشخصية..
وقال محب الدين الخطيب لتوفيق الحكيم: «إن الذي يقول بأن حضارة الغرب كلّ لا يتجزأ، ويدعو إلى الانسلاخ عن الإسلام والأخذ بالتفرنج بكل ما فيه من قوة وضعف، لهو رجل يغشّ المسلمين ويؤخر نهضتهم ويشغلهم بالسفاسف عن الحقائق لأن في الغرب جانبًا قويًا. ولكنّ للشرق أيضًا جانبًا قويًا هو هُويته الإسلامية التي أوجدت ألمع نهضة في تاريخ الإنسانية، ولن تصلح الإنسانية إلا عليها.
ومن المعارك المهمة التي دارت في أواخر العشرينيات من القرن الماضي معركة كان عنوانها: “الماضي وهل نقاطعه أم نستلهمه وننفتح عليه”. فقد كتب سلامة موسى في مجلة الحديث (١٩٢٨ ميلادية) مقالاً فيه إلى القطع مع الماضي ووضع الخطط للمستقبل. وقد حاول سلامة موسى أن يجعل فكرة التجديد معادية لفكرة الوحدة العربية، معتبرًا أن ماضينا كلّه جهالات وسخافات لا يصح الافتخار بها..
وقد تصدى لسلامة موسى المفكر العروبي الكبير ساطع الحصري وكان مما قاله: «إننا نعتقد أن الجهالات والسخافات الموجودة في ماضينا ليست أعظم ولا أكبر مما وُجد في ماضي أمة من الأمم الراقية التي يعرفها ولا نرانا في حاجة إلى بيان مبلغ مباهاة تلك الأمم بتاريخها، أو إلى ذكر قيمة آثارها الفنية المستخرجة والمستلهمة من أساطيرها. إن حكمنا على كل دور من أدوار التاريخ يجب أن يكون حكمًا نسبيًا بالنسبة إلى الظروف المحيطة به وليس بالقياس إلى درجة حضارتنا اليوم، كما أن حكمنا على رجال التاريخ يجب أن يُعتبر بأحكام زمانه وخصائص جيله، فلا نقيس أحواله على مقاييس الأجيال التي أتت من بعده.
وقد حاول سلامة موسى أن يبرهن على وجوب قطيعة الماضي بذكر الخطط التي سلكتها الأمم الشرقية الناهضة: «فالصينيون عندما قام في أذهانهم أن ينهضوا ويحاربوا أوروبا في التقدم والرقي، عمدوا إلى ماضيهم فأنكروه. أما اليابان فارتقاؤها لا يرجع إلى سبّب آخر سوى تفرنجها، أي تملصها من تاريخها وعاداتها. فهذه الأمم الشرقية لم تتقدم بتعلقها بالسلف واحترامه، بل بتركه والانضمام قلبًا وقالبًا إلى أوروبا واصطناع الحضارة الغربية»!.
ويردّ ساطع الحصري على ذلك قائلاً: «لا شك في أن هذه الأمم تركت كثيرًا من تقاليدها القديمة، كما أنها قد اقتبست جميع أساليب الحضارة الغربية وآلاتها، ولكنها هل أنكرتْ يا ترى تاريخها حقيقة»؟ وهل تخلّصتْ منه فعلاً؟ كلا. فإننا نعلم أن اليابانيين تجدّدوا كل التجدّد واقتبسوا الحضارة الغربية بمدى واسع، من غير أن يتساهلوا في شيء من مقوماتهم القومية، وبدون أن ينكروا شيئًا من تاريخهم الوطني، وبدون أن يقلّلوا احترامهم لأسلافهم العظام، حتى أنهم أخذوا يحترمون أسلافهم أكثر من ذي قبل، فإنهم لم يبدأوا بإقامة احتفالات سنوية بتويج إمبراطورهم الأول الذي عاش على زعمهم ستة قرون قبل الميلاد إلا في سنة ١٨٩٠. وقد قال فودو في كتابه عن تطور اليابان الحديثة ما يأتي: «حادث غريب أن اليابان على تقليدها أوروبا، تحاول أن تعيد بناء ماضيها نفسه، وأن تختلق لنفسها تاريخًا»!.
ويعيد ساطع الحصري إلى الذاكرة ما قاله فلسيسياث شاللي في أحد الدروس التي ألقاها في مدرسة الأبحاث الاجتماعية العالمية عن أخلاق اليابان: «إن تأورب اليابان لم يكن تأوربًا عامّاً ولا تأوربًا سطحيًا، بل هو تأورب محدود مجدود وُضعت عن قصد وعلم. لقد قبل اليابانيون تأثير أوروبا في بعض المناحي عن قصد وشعور، ورفضوه في بعض المناحي الأخرى عن قصد وشعور». وقال أيضًا: «لم يتطور اليابانيون إلا لكي يحافظوا على عاداتهم المحبوبة. لقد تأوربت اليابان ضد أوروبا لكي تبقى أكثر يابانية من ذي قبل».
فكيف يجوز لنا والحالة هذه أن نقول: «إن ارتقاء اليابان يرجع إلى تملّصها من تاريخها وعاداتها»؟.
ونشبت معركة أخرى حول. «العربية والفرعونية» عندما نشرت مجلة المكشوف البيروتية عام ١٩٣٨ حديثًا للدكتور طه حسين قال فيه «إن الفرعونية متأصلة في نفوس المصريين وستبقى كذلك، بل يجب أن تبقى وتقوى. والمصري فرعوني قبل أن يكون عربيًا، ولا يُطلب من مصر أن تتخلّى عن فرعونيتها إلا كان معنى ذلك: «اهدمي يا مصر أبا الهول والأهرام وانسي نفسك واتبعينا».
وأضاف طه: «لا تطلبوا من مصر أكثر مما تستطيع هي أن تُعطي. مصر لن تدخل في وحدة عربية سواء كانت العاصمة القاهرة أم بغداد أم دمشق. وأؤكد قول أحد طلبة برلين القائل: لو وقف الدين الإسلامي حاجزًا بيننا وبين فرعونيتنا لما أمكنه ذلك»!.
وأثار ما كتبه طه حسين كثيرين منهم محمد لطفي جمعة: «الوحدة الثقافية والعقلية والأدبية من أهم الغايات التي نرمي إليها. وليس لطه حسين مكانة ممتازة في السياسة العالمية أو العربية أو الشرقية، اللهم إلا فيما يتعلق بتمجيد فرنسا وتعظيمها والتمكين لها ولثقافتها في بلاد الشرق مراعاة لجميلها معه. إن الدكتور طه عندما رأى حركة الوحدة العربية تزدهر كتب مقالاً في جريدة كوكب الشرق طعن فيه على العرب ورماهم بالظلم والاستبداد في حكمهم وأدرجهم في سلك واحد مع الرومان الذين دمّروا البلاد من أقصاها إلى أقصاها، فخالف بذلك حكم التاريخ وعدا على حقائق الواقع وأنكر جميل العرب الذين أغاثوا أرض الكنانة من الرومان».
ومن المعارك التي سجّلتها تلك المرحلة معركة دور اللبنانيين، وبخاصة الحضاري منهم، في النهضة العربية. فقد كتب المؤرخ اللبناني فيليب حتي مقالاً عن الأدب العربي الحديث في دائرة المعارف الأمريكية (طبعة ١٩٤٨) ذكر فيه أن قادة الحركة هم في الغالب نصارى من لبنان، تعلّموا وقبسوا الإلهام في مدارس المبشرين الأمريكيين. وسمّى ناصيف اليازجي وبطرس البستاني ولويس شيخو ويعقوب صروف وجرجي زيدان وأمين الريحاني.
وقد ردّ عليه الدكتور ح.م (هكذا ورد في كتاب الجندي) في مجلة الثقافة فقال: «هذا هو الأدب الحديث في عرف الأستاذ الكبير، وهذا هو ما تفضّل به ليسجّل في دائرة معارف ستبقى عشرات السنين مرجع الملايين عن الأدب العربي الحديث. أين جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده؟، أين البارودي وشوقي وحافظ؟ أين أحمد أمين والعقاد والمازني والزيات؟ أين الرصافي والزهاوي؟ أين العشرات من منشئي الأدب العربي الحديث؟.
ومن الذين شاركوا في الردّ على فيليب حتي، محمد كرد علي الذي كتب في مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق: إن من أغرب التمويه الذي وقع لهذا الكاتب أن نصارى لبنان وسوريا هم الذين بعثوا النهضة العربية، فزعموا أن لبنان سبق مصر إلى التمدن، وأنه هو الذي علّمها ومدّنها، مع أن مصر تقدّمت لبنان إلى العلم بنحو جيلين. والدليل أن مدارس الطب واللغات والترجمة والإدارة والمصانع والهندسة في مصر أُنشئت قبل إنشاء الجامعتين الأمريكية واليسوعية في بيروت بأكثر من خمسين سنة، وما كان في لبنان ولا في سوريا وفلسطين قبل أن تنهض مصر من يقيم للعلوم المادية وزنًا.
وبينما كانت كتب الطب والزراعة والحيوان والنبات والفنون الحربية والتاريخ والجغرافيا وغيرها تتناقلها الأيدي في العالم العربي، وهي من تعريب المصريين الذين درسوا في أوروبا، كان ابن لبنان لم يصل إلى أكثر من السواعية»..
وأثار ما كتبه أحمد أمين في كتابه «فجر الإسلام» عن العقلية ردودًا كثيرة منها رد لأحمد صبري قال فيه: «إن صاحب كتاب «فجر الإسلام» لا تصحّ شهادته على عقلية العرب، لا في إسلامهم ولا في جاهليتهم.
فهو فيما قدّمت يداه ورجلاه ليس عدلاً للشهادة في شيء. فهو أحد الذين اصطنعتهم الظروف الشعوبية لموالاة حرب اللغة العربية، فملأ مجلته «الثقافة» بصنوف هذه الحرب، وتسابق وراء شاكلته في الدعوة إلى استعمال اللهجة العامية مكان الفصحى. ولقد تطوّر به حماسُه فبدأ في وضع «معجم اللهجة العامية المصرية»..
ونتابع معارك القرن العشرين الفكرية والأدبية في مقال ثالث وأخير في عدد قادم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
الراية