«معرض الحضارة» في الضاحية: صبراً يا كتابُ!

الجسرة الثقافية الالكترونية

*منهال الأمين

المصدر: السفير

 

يترقب المزارعون بحذر شديد عواصف الربيع، متأمّلين شتاءها بقدر، راجين ألا تعتو وألا تفرط في صقيعها. كذا صمد «معرض الحضارة للكتاب» في وجه العاصفة الأخيرة، مقاومًا في هنغاره المتواضع بأغطيته القماشية، الممتدة على مساحة 3500 متر من ملعب الراية الشهير في الضاحية الجنوبية. لم يدر في خلد ربيع الحاج حسن، مدير المعرض ومندوب الشركة المنظمة، «يُسر للطباعة والإخراج الفني» ما تخبئه الطبيعة خلف طقس صيفيّ، ظنه الناس ماكثًا فكان عابرًا.

التجربة الثانية لـ «معرض الحضارة»، حاولت قدر الإمكان تلافي كل إشكاليات التجربة الأولى التي التأمت في حرم المدينة الجامعية في الحدث، وفق ما يؤكد ربيع. يصرّ على أن المعرض يجب أن يكون في قلب الضاحية، ذلك أن المقصود من هذه التظاهرة الثقافية تكملة المشهد الثقافي اللبناني الممتدّ من طرابلس حتى بيروت وصولًا إلى الضاحية، وما بين تلك الحواضر من حواضر يعتد بها، تسعى «للانتصار» للكتاب الورقي، لا على الكتاب الرقمي، بل رافضًا لأن تكون التكنولوجيا وبالًا عليه، بدلًا من أن تكون مروّجة وداعمة له في كل الميادين. ربيع، الذي ما زال يلملم آثار الرياح الهوجاء قبل ليلة ليلاء مرت بأقل الأضرار، يرى إلى أن تنظيم معارض الكتب يجب أن تكون حدثًا مميزًا دائمًا، لا أن يصبح مجرد تنظيمها الحدث، بل الاحتفاء والاهتمام بالمطالعة وإعادة الحياة إلى الكتاب الورقي هو الهدف وراء كل تظاهرة من هذا النوع. وعليه، فإن تنظيم معرض كتاب في الضاحية الجنوبية ليس خارج سياق المكان ولا البيئة ولا الجمهور، في منطقة خسرت من الكتب، ما يقدر بملايين الدولارات في «عدوان تموز»، كانت موزعة بين دور النشر ومستودعاتها والمكتبات العامة والمراكز الثقافية والمكتبات الشخصية في المنازل والبيوت التي سويت بالأرض.

يشارك ربيع في العتب على المؤسسات الإعلامية وعدم مواكبة الحدث، مع تعددها في الجهات الراعية، عماد الوزان، حكواتي بيروت ومندوب مركز دراسات الوحدة العربية، الذي أخذ على تلك الوسائل أنها تقدم البلد على أنه بلد أزمات وحروب، ولا تضع ثقلها حين يجب أن يبرز بلد ثقافة وكتاب وحرف. والمعرض لم يكن التجربة الأولى في الضاحية، فقد سبقه «معرض المعارف» بين عامي 2005 و2006، الذي انطلق بزخم كبير ثم توقف لأسباب مجهولة، لا تخلو من نكهة سياسية بحسب بعض المتابعين! مع هذا فإن منظمي معرض الحضارة يسعون جهدهم لتكريس المعرض كمحطة سنوية تستقطب دور نشر عربية وغربية فضلًا عن اللبنانية، من دون تسابق مع رياح المنافسة التجارية، كما يقول ربيع، بل في سبيل تنافس على الثقافة وترويجها، وهو أمر لا يمكن أن يبتغي الربح أكثر مما يبتغي التثقيف ورفع مستوى المعرفة.

يبدي ربيع تفاؤلًا في الإقبال على المعرض، من الجمهور والطلاب والمهتمين. بقي أكثر من أسبوع يعوّل عليه كذلك مندوبو أكثر من 80 دارًا، بين حضور مباشر أو توكيلات. هذا ما عبّر عنه طارق سعيد، مندوب شركة سنابل المصرية، الذي تقاسم الجناح نفسه مع زميله أشرف شرف، مندوب شركة ماس. وقد حضر الرجلان لأول مرة إلى لبنان للمشاركة في معرض غير معرض بيروت العربي والدولي؛ دفعهما إلى ذلك، بحسب شرف، المجهود الذي بذلته الشركة المنظمة في التحضير للمعرض. كذلك أبدى محمد أيوب، مندوب دار المصطفى حماسة تجاه ارتفاع نسبة رواد المعرض في الأيام المقبلة، بعد الطقس العاصف وإضراب عابر ليوم واحد وعطلة نهاية الأسبوع، إذ من المتوقع أن يؤم المعرض مئات الطلاب وافدين من عدد من المدارس المدعوة لحضور المعرض، وكذلك من الجمهور المهتم، في الضاحية وغيرها. ويترافق المعرض مع سلسلة من الأنشطة المواكِبة، من أمسيات أدبية وتواقيع كتب ومحاضرات متنوعة. تغادر معرض الحضارة، كأي معرض كتاب آخر، كأنك تقول للكتاب: اِصبر إنّا معك صابرون.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى