معرض «الفن الهندي المعاصر».. التقليدي والمعولم في البحيرة نفسها

الجسرة الثقافية الالكترونية

 

 

محمد شرف 

 

كما في كلّ معرض جماعي، أكانت المناسبة ذات علاقة بفنانين محليين أم أجانب، يُمكن بسهولة ملاحظة حضور اتجاهات فنية شتّى في مكان واحد. هذه الفروق في التعاطي مع العمل الفني تزداد اتساعاً، كما يبدو، مع مرور الأيام. فالناظر إلى تظاهرة فنية من هذا النوع، منذ عقود كثيرة، لم يكن ليلاحظ التفاوت الفاقع بين عمل هذا الفنان أو ذاك، إذا اجتمعا في مكان واحد، من حيث اختلاف مسالك التعبير، مفهوماً وأسلوباً وتقنيات.

على أن انفتاح التيارات الفنية بعضها على البعض الآخر ـ أو بالأحرى تنامي سهولة التعرّف على ما يحدث في أمكنة أخرى من العالم من إرهاصات فنية، من دون الإطّلاع عليها مباشرةً، بل من خلال المنشورات ووسائل التواصل المتطوّرة ـ ترك تأثيرات واضحة على منطلقات أساليب قد لا تتناسب، أحياناً، مع التقاليد الفنية المحلية المرتبطة بالتراث ومتفرّعاته وتفاصيله. هذا الفراق مع التقاليد ذهب أصحابه، أحياناً كثيرة، نحو أشكال فنية «معولمة»، لا تترك لدى المتلقّي انطباعاً عن هوية الصانع ومنبته/ بقدر ما تعبّر عن هموم قد تشترك فيها شعوب عديدة في بلاد مختلفة.

معرض الفنّ الهندي المقام في «مركز بيروت للمعارض» بعنوان «في أعماق البحيرة كلّ شيء صامت»، يضمّ أعمالاً لـ 18 فناناً هندياً، يُمكن أن تُطرح من خلاله الإشكالية المذكورة أعلاه، إذ تختلف الأعمال المعروضة وتتنوّع بحسب إرادة الصانع ومراده. تتوزّع الأعمال على التصوير التشكيلي والتصوير الفوتوغرافي والتجهيز والفيديو. من نافل القول للعارفين، بطبيعة الحال، إن الشكلين الإثنين الأخيرين ينتميان إلى فئة الفنون الحديثة، أو إلى ما اتُّفق على تسميته بـ «فنون ما بعد الحداثة»، لتمييزها عن الفنون المعاصرة الأخرى. أعمال شيترا غانيش وبوشمابالا ورافندر ريدي مثلاً، تبدو مسكونة بهاجس التراث، وإن استقت منابعــها منه بأشكال مختلفة، إذ أن شيــترا غانيش يعود إلى رسوم من أرشيف القصص الهندية، مخصّصة أساساً بالأطفال، تروي حكايات ذات طابع أسطوري رأيناها لدى شعوب كثيرة. مع الإشارة إلى أن هذه الأعمال اعتمدت تقنية الطباعة الملوّنة، بعد توليف عناصرها بطريقة ذاتية.

لوحة شيبو نيتيسان الكبيرة الحجم، يُشير عنوانها «أمر اليوم» إلى موتيف عسكري. تضمّ بالفعل عسكريين أو رجال شرطة بزيّهم الهندي التقليدي وسط غابة، برفقة بعض الحيوانات. ربما كان صاحب العمل يبغي الدلالة على دور قوات الأمن في الحفاظ على الحياة البرية، لكن المؤكّد أنه تبنّى أسلوباً تشكيلياً شديد الواقعية، يشبه إلى حدّ بعيد أساليب تيار الـ «إيبرياليزم» الأميركي، الذي يمثّله شوك كلوز وناتان وولش وسواهما. أما الفنانون توكرال وتاغرا، فقدّما أعمالاً تضمّ أبطال الأفلام الخيالية أو القصص المصوّرة، كسوبرمان والرجل الوطواط والرجل العنكبوت، بأسلوب يقترب بوضوح من الـ «كيتش» الشعبي، ما يتناسب وطبيعة الأبطال المذكورين، وأهواء مؤيّدي بطولاتهم الوهمية.

بعيداً عن التمسّك بتقاليد تشكيلية محددة، نلاحظ أساليب وتقنيات «ما بعد الحداثيين»، كميتو سن وشيتوفانو مازمدار ونافين توماس. يعرض شيتوفانو صُوراً رقمية بأحجام كبيرة، تمثّل جسداً بشرياً جرى توزيع أعضائه على لوحات متباعدة. بينما يعتــمد ميتسو سن تقنية التجهيز والفيديو، ويعنون عمله بـ «لديّ لغة واحدة فقط وهي ليست لي». واللافت أيضاً عمل لبونام جين، عبارة عمّا يشبه أرجوحة تصل خيوطها بين الجدار والأرض، وفي وسطها نسيج قطني على شكل حبال ملتفّة بعضها على بعض في كومة ممتدة أفقياً، كأننا إزاء وكر أفاعٍ معلّق في الهواء، أو أمام راقصة هندية تلتفّ ذراعاها وتتمايل باتجاهات عديدة على وقع الطبلة والـ «سيتار».

المصدر: السفير

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى