معرض اللبنانية “هوغيت كالان”.. فضاءات حرية وبصمات تمرّد

الجسرة الثقافية الالكترونية
*احمد بزون
المصدر / فنون الخليج
هوغيت كالان التي أقامت معرضها الأول في «دار الفن والأدب» عام 1970، تعود لتقيم، وهي في الرابعة والثمانين من عمرها، معرضاً في الغاليري نفسها التي حملت اسماً جديداً هو «جانين ربيز»، والتي اعتادت الفنانة أن تطل منها، منذ عام 1993، على جمهورها اللبناني، هي ابنة أول رئيس جمهورية لبناني بعد الاستقلال، بشارة الخوري، والتي تزوجت من فرنسي، وهاجرت إلى فرنسا بعد معرضها الأول، لتنتقل بعدها إلى الولايات المتحدة التي لما تزل مقيمة فيها حتى الآن.
يستمر معرضها الجديد لغاية 28 شباط المقبل، وهو يضم مجموعة من أعمال البرونز، إلى جانب بعض الأعمال الخشبية وجدارية قماش كبيرة. في الجدارية قدمت وجوهاً كبيرة بلا شفاه وشفاهاً بلا وجوه على خلفية مخططة، ولعبت على فكرة الطباق البصري، وقد رأينا وجوهاً كبيرة منتصبة وأخرى مقلوبة، تتخللها شفاه حمراء عملاقة. تعيدنا هذه الجدارية إلى بدايات كالان، فقد نفذتها عام 1970، حيث بدأت إقامتها الفرنسية، وأخذت معها تجربتها الشرقية، في تأسيس الرسوم على زخرفة السجاد والبسط والعباءة الشرقية. ونرى في جداريتها تقطيعاً أقرب إلى تقطيع البسط الشرقية وألوانها الزاهية، وإن بمزيد من التصرف والاكتفاء بالتلميح لا التصريح. أما الوجوه والشفاه فقد رسمتها بلعبة غرافيكية تجمع بين السهولة والفكاهة واستخدام عنصر المفاجأة.
إلى جانب الجدارية سبع قطع خشبية، هي عبارة عن مستطيلات هندسية اعتمدت فيها التنويع الزخرفي أيضاً، مع المزيد من التآليف الحرة، منفذة في الثمانينيات. لكن ما هو لافت في هذا المعرض الحضور المميز للمنحوتات، مع أن صفة كالان الأساسية الدائمة خلال تجربتها الطويلة كانت «الرسامة»، لتُظهر في هذه المنحوتات ما لا يقل قوة عن الرسم عندها. فالمنحوتات التي بلغت 12 برونزية، صُبَّتْ حديثاً عن نماذج طينية كانت الفنانة نفَّذتها في الفترة التي التقت فيها النحات الروماني المنفي جورج ابوستو في باريس عام 1983، وزادت علمها الفني على يديه.
تجمع كالان في منحوتاتها تلك بين التجسيد التمثيلي الواضح للشخوص وبين التجريد المتطرف أحياناً، بينهما نرى كيف أن الفنانة حينها كانت تفكك الجسد وتعيد تركيبه على طريقتها، وبأسلوب لا يخلو من اللعب السوريالي أحياناً، والتفلت من أي شرط أكاديمي في توازن الأحجام أو الكتل.
بالفعل بدت كالان حرة كما عهدناها من قبل، فحريتها أو جرأتها التي بدأت بالموضوع، عندما قدمت في بداياتها أعمالاً ايروتيكية، يبرز صداها في بعض منحوتات هذا المعرض، حيث وجدنا الجلسات الحميمة، وأوضاع المضاجعة، وأسلوب الترميز الذي يبرز المثلث الأنثوي… لتنتقل بعدها إلى روح التشكيل الفني، حين رفضت أن تعزل نفسها أو تلزم فنها باتجاه مدرسي محدد، فكانت مروحتها الفنية واسعة، حتى على مستوى التقنيات، حيث قدمت في ما مضى، في عام 1978 مجموعة من تصاميم الأزياء التي تقارب روح الشرق إلى «دار بيار غاردين»، واشتغلت بمواد نحتية مختلفة، بما فيها الورق، كما وعت في رسومها بين المشهد الطبيعي والبشري وإدخال الخط أو النص إلى اللوحة.
المهم أننا أمام فنانة لبنانية استطاعت، وإن تأخرت في تكريس تجربتها الفنية في معرض، وبقيت عصامية حتى دخلت الاختصاص في الجامعة الأميركية بعمر 33 عاماً، لتتخرج منها عام 1968، خلال فترة قصيرة من تجربتها بين باريس ولوس أنجلوس أن تكرس أعمالها في معارض مختلفة، أقامتها في صالات أميركية وأوروبية، ثم في متاحف دولية، ثم في مزادات دولية لا سيما مع داريّ «سوذبي» و»كريستيز».
في برونزياتها، وجدنا حرفة وحذقاً وإبداعاً في النأي بالأشكال عن المتداول، بل نأت عن تجربة أستاذها الروماني، ومارست حرية كاملة حتى في تنويع السطوح التي لا تخلو من بصمات التمرد واللعب الحرّ في تحريك الأشكال نحو مزيد من المفاجآت الجاذبة.