معرض بيروت العربي الدولي.. جاذبية الكتاب في دهاليز دور النشر

رامي كوسا

كلّ الطرق المؤدّية إلى «البيال» مزدحمة. نتساءل، صديقتي وأنا، عن وجهة هذه السيارات كلّها، ونستبعدُ أن يكون ركّابها متوجّهين إلى «معرض بيروت الدوليّ للكتاب»، فنحنُ أمّة لا تقرأ.
عند بوّابة المعرض، الّذي افتُتح بمشاركة أكثر من 180 دار نشر لبنانية و75 داراً عربية، ازدحامٌ شديد. وإذ ندخلُ، نصادف أحدهم خارجاً حاملاً ما يزيد عن عشرين كتاباً، فنحيلُ الأمر، اتهامياً، إلى غرضٍ تجاريّ، فنحنُ أمّة لا تقرأ.
بين الدهاليز الّتي رسمتها أجنحة دور النّشر، في الإصدار الستين من المعرض، نصادف مثقّفين لبنانيين وعرباً. بعضهم خصومٌ في السّياسة، وأضدادٌ في الفكر، ولا يُمكن أن يترامى لذهنِ مَن جالسهم، يوماً، أنّ أرضاً واحدةً قد تضمّهم ذات مساء. هذه جاذبية الكتاب على أيّ حال.
هويّة بعضِ دور النّشر تُحدّدها ملامح المُهتمّين، فحين نشاهد رجالاً ونساءً بهيئاتٍ إسلاميّة يُقلّبون كتبَ دارٍ ما، نعلمُ أيّ صنفٍ من الورق يُباع هناك. الأطفالُ مع أمّهاتهم يتجوّلون منجذبين لمنصّة واسعةٍ من القصص المصوّرة.
مواضع مرتفعة
شابٌ عشرينيّ مُقعد، تدفعه سيّدةٌ أربعينية، يلومُ مسؤولي إحدى الدور على رصفِ بعضِ الكتبُ في مواضع مرتفعةٍ نسبيّاً. تعتذرُ منه صبيّة لبقةٌ «معك حقّ، كان مفروض ننتبه، الكتب للكل».
نمرّ بجناح «جريدة السفير» الّتي كنّا قد تلقّينا، ظهيرةَ اليوم نفسه، نبأً يُفيد بأنّ عددها الأخير سيصدر نهايةَ العامِ الحاليّ، قبل أن تغيبَ المطبوعة اللبنانية العريقة عن أكشاك الصحافة مرّة واحدةً وإلى الأبد. ننظرُ إلى النّسر الأصفر بخذلان. تتداعى إلى ذهني أسطورة الطائر الّذي نفضَ الرّماد عن الجناحين وعاد إلى السّماء. أتمنّى، سرّاً، أن تتكرّر الأسطورة.
حشدٌ من الإعلاميين يتحلّقون حولَ زميلٍ لهم يُوقّع كتابه الأوّل. هؤلاء، يجذبون العامّة الّذين لا يوفّرون فرصةً لالتقاط صورٍ مع المشاهير. أحدهم يهمسُ لصديقه «شكلو مهم هيدا الكتاب، كلّ هدول المذيعين جايين مشانو»، ثمّ يهمّان بشراء نسختين اثنتين. هنا نفهم بعضَ أسبابِ سطوعِ نجمِ كتابٍ ما على حساب آخر، ونقول بعضَ لئلّا نُبخس المؤلَّف والمؤلِّف حقّهما في أحكامٍ مسبقة.
كيف أصير نجماً
أقرأ «الأكثر مبيعاً» على أغلفة بعضِ الكتب. هذا لا يعني شيئاً، فبعضُ النصوص الغرائزيّة تطوي، من حيثُ كثافة البيع وغزارة الطلب، مقدّمة ابن خلدون ألف ألف مرّة. أنصح صديقتي بروايةٍ جيّدة، لكاتبةٍ عُمانية شابّة، فيقولُ شخصٌ كان يقف بجوارنا «أوّل مرّة بسمع باسم الكاتبة، كيف عم تقول الرواية منيحة؟». حين أقول له إنّ شكسبير، لمّا كتب نصّه الأوّل، لم يكن هناك من سمع باسمه قبلاً. يهزّ الشّاب رأسه مقتنعاً، لكنّه يلقي الرواية من يده غير عابئٍ بها. يبدو أنّ على الكاتبِ أن يبحث عن «كيف أصير نجماً» قبل أن يبحث عن «كيف أكتب نصّاً جيداً»، فالكاتب النّجم «بيّاع» وإن كان نصّه طلائعياً.
تنصحنا مُشرفة جناحٍ ما بروايةٍ، كنتُ قد قرأتها مسبقاً. فضولي يجعلني أسألها عن موجبات الشّراء فتجيب «إلها سوشل ميديا مهمّة كتير، حطّو إسمها عالفيسبوك وشوفو». ثلاثةُ روّادٍ، دُفعة واحدة، يُنزلون الرواية من أيديهم بُعيد سماع وجهةِ نظرِ المُشرفة. صديقتها تلومها «حدا بيحكي عن السوشل ميديا ليطمّع ناس بيقرو؟ هيدول بيكرهو الإنترنت». نعالج الاتّهام الباطل بنصف ابتسامةٍ ونمضي نحو جناحٍ آخر، حيثُ تتقاطرُ وجوهٌ معروفةٌ لشراءِ كتابٍ اشتغل عليه عددٌ من المؤلّفين. نوقّع نسختينا من بعضهم، ونمضي باتجاه البوّابة. ألمح أثناء المشي اسم «دمشق» على كتبٍ كثيرة، أفكّر في «واجبِ» شرائها كلّها، قبلَ أن يداهمني مشهدٌ يُظهر شابّاً وصبيّة يدخلان المعرضَ لحظة خروجي، ليشاهدا في يدي كتباً كثيرة، فيظنّان، اتهامياً، بأنّي اقتنيتها لغرضِ التجارة. أحاسبُ نفسي على عقلٍ حاكمَ النّاس سلباً أوّل التجوّل. وأردّد ضمناً «لا زال في هذي البلاد مَن يقرأ».

(السفير)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى