معرض منيرة الصلح.. جماليات الفكرة؟

الجسرة الالكترونية الثقافية-السفير-
تعلق الفنانة منيرة الصلح على أحد أعمال معرضها: «يحق لنا بقوة أن نكون طائشين». فهل ينطبق هذا الكلام على ما قدمته في معرضها الجديد الذي تقيمه في «غاليري زملر – صفير» (الكرنتينا)، وقد أطلقت عليه عنوان «عسيرة هي اللغة الأم»؟
قبل الحكم على المعرض الذي ينتمي إلى الفن المعاصر، ويتضمن مجموعة من التجهيزات التي تركز على جمالية الأفكار كبديل من جمالية الشكل والتقنيات، ربما من الأجدى أن نصف المعرض وما يتضمنه من أعمال… فنحن في صالة مساحتها 600 متر مربع، مقسمة بين أجزاء عدة، إذ تطالعنـا في البداية 100 زوج من القباقيب الدمشقية، تفترض الفنانة أن على كل داخل إلى المعرض احتذاء زوج منها، لتشكل أصوات قرعها على البلاط جلبة أصوات متداخلة. إلى جانبها مجموعة من رسوم معلقة على الجدار لوجوه مهجرين سوريين في لبنان، تقدم بورتريهـاً صغـيراً لكل منهم مع عبارة وَصَفَ بها حاله. ثم بعد ذلك نرى فيلماً، يطالعنا فيه الفنان الراحل فيلمون وهبي وهو يغني «سنفرلو عالسنفريان» كمفتاح سخرية من إشكالية اللغة الأم، التي طرحتها الفنانة من منطلق تجربة تعلمها اللغة الهولندية في مدرسة «نوا» للغة في أمستردام، ومن أفكار طرحها أحمد بيضون وملادين دولار ولويس وولفسون. ثم ننتقل إلى فيلم آخر يحكي ظروف عائلة لبنانية تتبادل التهجـير مع عائلة سورية على قرابة منها. وتتركـنا سـاعة مع تفاصيل أغراض محملة في سيارة أو في صندوق «بيك آب»، على أن فسحة التفرج على الفيلم هي عبارة عن صندوق «بيك آب» أيضاً، ثم بتفصيل أكثر دقة مع مشاهد لقطع لحم خروف محمول في صندوق السيارة. بعد ذلك نجد أنفسنا أمام 28 لوحة صغيرة تحمل كتابات مقلوبة حيناً وغير مفهومة حيناً آخر، إلى أشكال صريحة وأخرى تدخل في ترميز صعب. لننتقل بعدها إلى مجموعة من اللوحات الكبيرة التي تحمل سخرية واضحة من رجال السياسة والدين. سخرية من الرئيس بري وزوجته، السيد نصر الله وأحمدي نجاد، والحريري الأب والابن، والبطريرك السابق صفير. سخـرية من علاقاتهم بالفن، في تخـيل حـوار جـرى ولم يجرِ، حول الفن والفـنانين. فالرئيـس بري يناقش مع زوجته شراء كراسي من تصميم الفنان الهولندي غيريت ريتفيلد، والثنائي نصر الله ونجاد يناقشان لوحة لبايكون، والحريري الأب يجر ابنه سعد ليتعلم على يد الفنان وليم دو كونينغ، والبطريرك صفير في بينالي البندقية بأداء فني.
في القسم الأخير من المعرض نقرأ بخط عريض كلمات على «بانويات» كبيرة (بحر، رغب، توت، مع س…) قد تكون خير اختصار للصفة العامـة للمعـرض. لكن لا نـريد أن نظلم الصلح قبل تأكيد أنها من الأسماء البارزة في الفن التشكيلي المعاصر، وأنها بالفعل تبحث عن تلك الجماليات الجديدة، البعيدة عن المتعة البصرية المباشـرة، والأقرب إلى متعة التفكـير. غـير أنـها تنـزلق في ما رأينا إلى فوضـى الأفـكار، وإلى مزيد من تضليل المشاهد، على أساس أن ما لا يفهمه المشاهد يؤكد عمق المبدع، ثم إلى ما يمكن أن نسميه التأتأة الفنية، التي تتقـطع فيـها الأفكـار إلى درجـة يصعـب فك رمـوزها، أو يبقى «المعنى في قلب الشاعر» ولا يصل إلى سواه.
للأفكار جماليات مهمة، غير أن الداخل إلى المعرض، قد يشعر ببعض المتعة الفنية في إظهار قسوة الحياة وسخرية الأقدار في بعض الأعمال، غير أن مشاهد اللحم الممزق للخروف، في تصوير شديد الدقة يتحدى قدرة الـمُشاهد على تحمل مستوى عال من القرف والتقزز، يمكن أن ندّعي أنها خرجت على ما يسمى جماليات البشاعة، لأنها تتضمن من القسوة ما يشكل جَلداً لأعصاب المشاهد ليس بعده جلد.