مغني راب مغربي يحلل الوضع السياسي في البلاد موجها «الخطاب» إلى قمة هرم السلطة

الجسرة الثقافية الالكترونية
مصعب السوسي #
أصدر محمد حمزة حشلاف، عضو مجموعة «الباسلين» (أي المشاغبين أو المتمردين بالدارجة المغربية)، قبل يومين أغنية «Speech» تناول فيها الوضع السياسي للبلاد بالتحليل. متوجها بـ»الخطاب» إلى المغاربة كافة وعلى رأسهم قمة هرم السلطة، بكلمات شديدة الجرأة.
وبدأ حشلاف أغنيته بالماضي «لأن الماضي به الشعب خدع»، معتبرا «شرعية النظام مبنية فوق تاريخ مزور، القوة الشديدة بالأمس والقوة الناعمة اليوم، المخزن (السلطة) تقمع وتكمم الأفواه. عقيدة النظام هي الاغتيال، سلاحه القيود وأدوات القمع ولغته الاعتقال، تمارة ودرب مولاي الشريف واللائحة ما زالت طويلة».
وأكد المغني على أن «المواجهة لا تزال سلمية، والنظام صنف وشق صف الطبقة السياسية، دستور الخطاب وعاش (الملك)، اليسار أو اليمين، الحاكم واحد ووحيد، البرلمان مسرحي، منذ مدة وهو يمثل على العباد، رئيس حكومة- محكومة- متسامحة مع الفساد، الاستبداد والاستعباد هما مشروع النظام، وحين يتم العفو عن المدانين باغتصاب الأطفال (قضية دانييل غالفان) فقد انتهى الكلام».
دراسة حشلاف في كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية في فاس ونشاطه في حراك 20 شباط/فبراير الاحتجاجي، وانتماؤه لحركة «وضوح طموح شجاعة» اليسارية المستقلة إضافة إلى دراساته العليا في الصحافة والتواصل بمدرسة الملك فهد العليا للترجمة والإعلام في طنجة. جعلت من «الخطاب» يتعمق في تحليل الوضع الراهن، حيث تساءل «إلى أين يتجه مصير البلاد؟! مبني للمجهول، جعلوا من البلاد مقاولة خاصة، قلنا لهم: نريد مستشفى.. أجابونا بمشروع القطار فائق السرعة! تهريب المال، وكل الأموال بالخارج، ومن جيب الفقير تدفعون الدعم للصحراء (تخصص الدولة منذ اندلاع النزاع حول الصحراء أواسط سبعينيات القرن الماضي دعما اقتصاديا خاصا للأقاليم الصحراوية بميزانيات ضخمة تتحدث تقارير صحافية عن اختلاسات كبرى بها منذ ذلك الحين وإلى اليوم)، جيلنا مل وتعب وأحبط، شبع من رصف المعاني والكلام، لا يبالي بالصحراء، بل يريد أن يتعالج ويدرس. قالوا ثمة أزمة، الحل في التقشف، لا وجود للأموال، صندوق النقد الدولي يُغرق والمغرب متورط في الديون، نحن لا نريد النسخة الثانية من التقويم الهيكلي، تريدون الإصلاح؟! لنبدأ بميزانية القصر. كدسوا الأموال وعاملونا كفئران تجارب للأزمة، الضرائب فوق الجميع باستثناء أصحاب رؤوس الأموال الضخمة. الأونا (الهولدينغ الملكي) يزداد قوة والشعب تحت، غارق في مشاكله».
وأخذت الأغنية في الانتشار سريعا على مواقع التواصل الاجتماعي بعد نشرها على موقع «يوتيوب»، وكان لعموم الشعب أيضا نصيبه من النقد فيها: «شعب الفساد من القمة إلى القاعدة، لا ألوم المخزن وحده إذا طغى، الفساد من قيم المغاربة فرض اللعب الذي ابتغى، الإيمان والدين، الشعب مريض تجارته النفاق، سمعت بأن المغاربة مسلمون! لخصوا الدين في لحية وثوب… الأعوام تمر، حكومة ماضية وحكومة قادمة». بعدها انتقد نوعية الصحافة التي تتبعها شريحة لا بأس بها من المغاربة، ليتوجه إلى المواطن المغربي بالخطاب قائلا: «كن من اليسار أو اليمين، كن إسلاميا أو علمانيا، أريدك مغربيا ديمقراطيا». مضيفا أن «الخطاب تعفن ولا يزال يعاد، سواء بالقومية أو بالدين، ومن يقدسون البخاري كمن يعبدون لينين. كن مغربيا مستقلا حرا ومواطنا فاعلا، احترم المغاربة كيف ما كانوا، القناعة حرية وليست جبرا، لأن التغيير كهدف، أساسه ثورة في التفكير. والاستبداد لن يزول بالاستفزاز وبالتكفير، التغيير يتطلب العقلانيين، تخل عن الأفكار الطوباوية، العب المقابلة دون أن تبيعها، الشعب يحتاجك واقعيا. النخبة تعيش على التنظير، وبالتنظير تريد التغيير، المسافة بينها وبين المغاربة مسافة السماء وقاع البئر. المغاربة ليسوا في المحاضرات، الحانات، أو المقرات. انزل تحت، المغرب غيتو، فافتح عينيك لترى الضياع. هذا خطاب، هذه رسالة ، مللنا انقسامات، حاكم محكوم، الكل مسؤول، البلاد هي التي ستضيع إن اشتعلت الأوضاع». ليختم الخطاب بأن «التغيير في قاعة الانتظار»، في إشارة لإمكانية تجدد الحراك السياسي والاجتماعي في المغرب بعد الموجة الأولى والكبرى التي كانت مطلع 2011.
وتحظى أغاني الراب السياسي في المغرب بشعبية وسط الشباب، ويتراوح المستوى التعليمي لرواد هذا الفن في المغرب بين العادي والعالي. وبصرف النظر عن ذلك فإن نسبة الوعي السياسي في نصوص الراب تظل مرتفعة جدا. واشتهرت عناوين مثل «النشيد» للمهدي، عضو مجموعة «الباسلين». و»i’m free forever» لـ»الناصر»، والتي طالب فيه بالحرية للصحافي علي أنوزلا المغربي المعتقل والمتابع بقانون مكافحة الإرهاب والقانون الجنائي بسبب نشر خبر حول شريط لتنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي». و»Cancer» (السرطان)، لمهدي هيماني. كما لاقت أغان تحمل توقيع «عصيان موسيقي» نجاحا وتفاعلا كبيرا، لقوة وعمق وجرأة كلماتها.
وابتداء من عام 2006 تم العمل على احتواء فن الراب المغربي، وذلك باستقطاب مجموعة من الأسماء البارزة للمشاركة في مهرجانات فنية رسمية. وذلك في محاولة لخلق «راب وطني»، لا سيما بعد الربيع الديمقراطي. وتظل تلك الفئة محط انتقادات مغني الراب المتمرد (Hardcore RAP)، والذي يمثل فيه التناول السياسي الجريء للمواضيع ركيزة أساسية. حيث يسعى هؤلاء إلى توسيع القاعدة الجماهيرية للراب، لكن ليس بالطريقة التي درج عليها عدد من مغني الراب بالبلاد الذين يجتنبون الخطوط الحمر والمواضيع المثيرة للجدل. وذلك باستهداف الشباب الجامعي والمثقف عموما، فقد كانت أول مرة يلقي فيها حشلاف «الخطاب» بمدرسة الحكامة والاقتصاد «EGE» بالرباط شهر نيسان/أبريل الماضي ضمن ندوات مشروع «إلى شمال إفريقيا» بمشاركة كل من الشاعرة الفلسطينية فرح شما ومغني الراب المصري علي عصام عمارة. ولم يكن الجمهور يومها في غالبيته من هواة فن الراب، غير أنه تفاعل بقوة مع وقع كلمات الأغنية.
وتدعو أغاني حشلاف الشباب إلى تحييد مواقفهم من الأوضاع السياسية في البلاد أيا كانت خلفياتهم الإيديولوجية وانتماءاتهم السياسية، كما تدعو عموم المغاربة إلى «تسجيل موقف» بمقاطعة الفاعلين السياسيين الحاليين وأن يفهموا بأن هؤلاء «أعداء» و»سلطويون». حيث أشار في أغنيته الأخيرة إلى أن «عدد المنتمين لحزب سياسي مغربي أقل من عدد المنتمين لأصغر ألتراس بالبلاد
القدس العربي ».