مقال مطول للناقد المغربي حميد ركاطة عن الشاعر التونسي الراحل محمد شكري ميعادي

الجسرة الثقافية الالكترونية

لقد ارتبطت الكتابة الشعرية في هذه القصائد بالمنبوذين ،والضعفاء ، والعزل ، والمقهورين ، والمستعبدين ، والمقموعين في الارض . لترصدآمالهم ، واحزانهم ، ولحظاتهم الأشد قسوة في مواجهة الطغاة ، والجلادين ، والقتلة، والمجرمين . قصائد تنزف بالألم، وتنبعث منها رائحة الاحتراق والموت. فلا غرابةإن كان المرجوم محمد شكري ميعادي قد صدرها بجملة رهيبة ” إلى القليل المتبقيمن العمر ” ص 5 ، وكأنه كان مطاردا من قبل الموت ، وهو الذي عاش الحصار فيبلده لأحقاب طويلة ، ومنعت قصائده من النشر يقول في ص 4 ” على امتداد السنواتالعجاف ، بين سنتي 1992 و2010 لم تجرؤ الجرائد التونسية على نشر أغلب قصائد هذهالمجموعة ” .

وللإشارة فالديوان صادر عن دار الوطن  للصحافة والاعلام والنشر بالمغرب سنة 2013 فيطبعته الأولى مع تقديم للروائي المغربي مصطفى لغتيري  جاء فيه ” بين دفتي هذا الديوان سيجد القارئنقسه منغمسا في خضم مضامين وطنية ، تنكأ الجرح بإصرار حتى لا يلتئم قبل الأوان ،وفي النفوس ما يزال شيء من ألم ، ينخر عميقا في القلب والذهن ”

كما ضمن الشاعر جزء من قصيدة للشاعر مظفر النواب تتماشىوالسياق العام لخطه الشعري .

” ( ..) نفثت بي الأحزان كل سمومها

فرفعت رأسي للسماء صلابة

ورسمت رغم السم

من عودي لها ظلا ظليلا ” ص 6

ويضم الديوان إتنان وعشرين قصيدة .مختلفة من حيت الطول ،لنتساءل عن أهم مضامينها وعن خلفيات هذا الديوان الجمالية والابداعية ؟

1) صورة تونس بين الانتماء والاحساس بالنبذ

يبرز حب الوطن جليا في قصيدة ” تونس ” ص 11بما تكتنزه من دلالات صادقة ، كأفضل دولة في العالم بالنسبة للشاعر ، باعتبارهاجزء من كل ، معشوقة لا محيد عن حبها ، رغم ما تجرعه من ظلم وقهر في رحابها . فهيالمنيرة للدرب، والسنا الذي يهتدي به ، والدليل في حلكة أيامه . حب يصل إلى تقديمالروح قربانا لها ، ، وتبلغ سعادته مداها كلما كان قربانها وقتيلها يقول الشاعر”

فكوني بظلمة دربي ضياء

وكوني الدليل

وكوني إذا شئت قاتلتي

سيسعدني

أن أكون القتيل “

فإذا كان الشاعر يقدم نفسه قربانا للوطن ، فإن هناكآخرين تنكشف عن وجوههم أقنعة الزيف كما في قصيدة ” عثمان ” ص 39 الذيبيرز بطلها كأحد دعاة الوطنية ، ومحبي الوطن الذين يتخذونه مطية لبلوغ أهاف ومصالحأنية ، بعدها يركنون إلى قضائها بعيدا عن ويلات الوطن  ، ومآسيه .

إنهم الحربائين الذين تجدهم في كل مناسبة رسمية ، أو غيررسمية في الصفف الأولى ، يصدحون حتى تكاد تبح حناجرهم ، يقول الشاعر “

عثمان

رجل وطني فنان

أفديك بروحي

( ..) في كل مناسبة وطنية

يخرج للشارع وينادي

أفديك بروحي “

وسيكشف الشاعر عن عدد من المناسبات ” عيد الأضحى ،عيد المرأة ، عيد الشجرة …” التي تبرز روح مواطنة نادرة في زمننا ، وغ=فينظر أولياء النعمة ، لكن الأمر الصادم أن عثمان لم يكن غير ذلك ، يقول الشاعر”

لكن …عثمان منذ تسلم

رخصة مقهى

 في شارع قتلالوجدان

واتضح البهتان

اصبح يخرج للمقهى ويغني ” ص 40

وإلى جانب عثمان المناضل الجمعوي المزيف ، يبرز “سلمان ” ص 41 كوجه اقليمي يحترف السياسة ، والكياسة ، والتسويف ، في حق شعبه. فالقصيدة بقدر ما تعري عن ماضيه النضالي الحافل ، تبرز قدرته العجيبة على التحولإلى ” أسطورة كل الأزمان ” ص 41 عبر رصد لسيرته الذاتية المليئةبالمراوغة والاستهتار والتلاعب بحقوق شعبه .” فسلمان  ” الذي خاض حروبا مضنية ، وشيد له تاريخانضاليا تليدا ( زائفا) لم يكن يتفنن سوى في بيع الوهم لشعبه ، ولم يكن سوى مجردبيدق يلعب في رقعة شطرنج لصالح الغرب ، وخادم طيع لتنفيذ قراراته ومخططاته ، فهو فينظر الشاعر “

موديل

من أجود ما صنع البيت الأبيض مهدد بالانفجار ،

من خرفان

يعرف كيف يخوض الغزو بلا فرسان

يعلن حربا يهزم جيشا بالإحسان ” ص 41

إنه زعيم لا يتفنن سوى في لغة التماطل ، والتسويف ،والمناورة ضد شعبه ، فرغم هزائمه السياسية المتكررة ظلت لغته الخشبية لا تعمل سوىعلى الحفاظ على وضع  مهدد بالانفجار جاءعلى لسان سلمان “

إن خبنا في غزوة أسلو

سنفوز بغزوة سلمان

سنفوز بغزوة حانون ” ص43

إن إماطة القناع عن وجه سلمان ، سيكشف الكثر منالاحباطات بتفويت مصالح شعبه للأعداء وللغزاة يقول الشاعر “

سلمان المعتدل المقدام

عربي من أصل عربي

وفصيلة دمه

…حا …خام

وطني معذرة

لم نخذلك

خذلتنا وإياك الاصنام ” ص 43

في خضم هذا الوضع المضطرب سيبرز نص بطاقات شكر ” ص59 واقع احساس الموطن بالنبذ  ، وهي بطاقاتسبع تتوازى وأيام الأسبوع ، موجهة للزمان ، والحمامة ، وللذاكرة ، والفقر ،وللمدينة ، والله ثم للموت .

وسنلمس أن الشكر في هذه البطاقات ،  هي في العمق شكوى ، وتحسر على المآل ، والمعناة، وعلى الحيف الذي يعيشه الشاعر .

فالزمان أغرق زرعه ، واظلم دروبه ، والحمامة ، التي الفتيده – في إشارة إلى الحرية – سلبت منه وضاعت ، والذاكرة خانته ، وخانت أمانيه كلماحاول تذكر الحياة الجميلة . والفقر مل بؤسه ولازمه طوال حياته ، بعد تنكر أصدقائه، والمدينة لم تترك له مكانا في رحابها ، سوى الأرصفة العارية ، أما البطاقةالسادسة فجاءت نتيجة لمعاناته وضيقه فتذرع إلى الله راجيا إياه أن يرفق به ولا يزدمن عذابه ، في حين كشفت البطاقة الأخيرة توجهه للموت يقول فيها “

وأخيرا

ألف شكر

في زمان الموت لي

تبث أياديهم جميعا

وما تبث يدي ” ص 62

فالبناء الفني في القصيدة ، بقدر ما ارتكز على القلبالمفاهيمي ، والاستبدال اللغوي ، فإنه عكس مرايا الذات ، وما يختلج بالأعماق .لنلمس رجلا وحيدا ” يطارده النحس ” وسوء الحظ ، رجل أوصدت في وجهه كلأبواب الأمل ، وضاعت منه الطريق ، وتنكر له الأصدقاء ، ونبذته المدينة في عراءأرصفتها .

2) التجارب العشقية بين الاجهاض ومصادرة سلطة الرقيب

لا تكاد تخلو قصيدة من صائد الراحل محمد شكري ميعادي فيديوانه الغيمة من نبرة السخرية الانتقادية المعرية عن الفظاعة ، والفوارق الطبقية. اشعار تنسج من واقع مليء بالانكسارات ، والأحزان ، تكسوها لحمة حكايات مستمدة منالواقع ، ونابعة من جراح ذات كاتبة نازفة على الدوام .لنلاحظ أن التجارب العشقية ،ستبدو إما مجهضة ، أو مطاردة من سلطة رقيب ما كما في قصيدة ” الشيطان “ص 37 حيث تبر صورته في صفة رجل “قانون/ شرطي ” بما يمثله من هيبة وزجر .فالعتبة بقدر ما تتناص في في دلالتها على إفساد متع مسروقة ، تبرز أنها تحدث فيأشد اللحظات حميمية . فالشاب كلما راود فتاته عن نفسها لفرط تعلقه بها ، ولهفتهللاختلاء بها ، كان يلقى من جانبها الصد والرفض ، ليعمل في غفلة منها على سرقةقبلات منها من حين لآخر يقول الشاعر “

حاورتها

حتى اختليت بها

راودتها عن نفسها

فتمنعت ..يا ويلها

قد فاض بي لهفي لفرط جمالها

في غفلة من أمرها

عانقتها

غضبت وزاد دلالها ” ص 37

إن التمنع والدلال ، يبرزان محاولات عديدة لتكسير موانعكلما أزاحها الشاعر  تراصت غيرها ، إلى أنتحقق له الاختلاء بها ، لتستسلم عن طواعية ، لكنه استسلام سيعكر صفوه عنصر مشوش،  دخيل ، مما دفعه للتساؤل في حيرة وقلق”

لماذا كلما نحن اختلينا

( ..) حل الشيطان تسلل بيننا

فأفسد عنا لقيانا وموعدنا

ولم تكمل كلامها حتى فاجأنا

في الحين شرطي وفرقنا “ص 37

في حين تبرز صورة المرأة المستهترة بالمشاعر في قصيدة” عشق على تفعيلة الوهم ” ص 19 ، امرأة بقدر ما تعمل على ملء فراغهابعاشق متيم بها ، وبرائحتها وبروحها ، لم تكن في المقابل مجرد امرأة لعوب وكاذبة .ما سيبرز بعد السافة بينهما ، وبين مشاعرهما كذلك . فالعاشق لا يدرك خطورة المطبالذي يقع فيه ، إلا عندما يكتوي بنار الصد المفاجئ ، والاهمال المهين ، عبر مواقفملموسة تكشف له درجة التلاعب بمشاعره يقول الشاعر “

كنت اسما جديدا

يضاف إلى قائمات أجندتها

كنت رقما

مجرد رقم

لملء فراغ بجوالها

تلك عاداتها

تلك مهنتها السيئة

أخيرا افقت ” ص 20

إنها استفاقة متأخرة ، وقد بلغ الألم مدى بعيدا ، وتعنقالجرح بالذات حد النزيف ليرتكن إلى التأمل والصمت ، مدركا وهم وزيف علاقته ، فهلاستيعاب العبر لا يأتي إلا عبر التجارب الفاشلة ؟ وهل بإمكانها أن تفتح أفاقاجديدة نحو مستقبل يستحضر فيه صاحبه مآسيه وإحباطاته  ثانية ؟ وهل بمقدور كل تلك الضربات القاسية أنتحنك جسدا منهارا لمواجهة المجهول ؟ ربما كان الأجدر أن يضع الشاعر تجربته محطانتقاد ذاتي ، في محاولة للتصالح مع الذات ، ومعرفة متطلبات المراحل القادمة . وهوما سنلمسه في نهاية القصيدة “

هنيئا

لك الآن أن تتعلم

كيف تفرق

ما بين نار الكتابة

والفكرة العابرة

ما بين فيض الأحاسيس شعرا

وغمس الأصابع في محبرة ” ص 21

فجمالية الاستعارة ستتجلى في هذه القصيدة ما بينالمقارنة بين الحب والكتابة ، استعارة استغورت الأعماق واصفة نار الكتابة بالحبالصادق ، والعلاقة العابرة بفكرة عابرة كذلك . فالإحساس المرهف يشبه تغريد شعري فيحين يكشف زيفه ” كغمس الأصابع في محبرة ” دلالة على الفظاعةوالرداءة  . فجمالية الاستعارة بقدر ماتؤنسن واقعة الحب ، تمنحها تأشيرة العبور نحو رمزية موغلة في التأمل العاصف .

وإذا كان المحب يتعرف بكبواته ، ودخوله تجارب عاطفيةتنتهي بالفشل ، فإن قصيدة ” إلى فاتنة القصر ” ص 71 ستبرز كرد على خطابتودد سابق موغل في واقعيته ، وتحذيراته من الدخول في علاقة عاطفية سيعمل أحدطرفيها على إجهاضها في مهدها . بما برز من موانع ، واستحالة تحققها : كالانتماءالطبقي ، والاحساس بالرفض الاجتماعي .

كما تبرز القصيدة وعيا برفض السقوط في شرك حب قاتل يضاففيه صاحبه كرقم جديد في قائمة العشاق المنكسرين ، إلى جانب آخرين تساقطوا حولالأميرة يقول الشاعر “

وإني لأعلم علم اليقين

أنك أنت الأميرة بنت الأمير

وأني ابن أبي الكادحين ” ص 72

وقد استرسل الشاعر في كشف الفوارق الطبقية سواء في نمطالعيش ، او طبيعة الانتظارات  المستقبلية ،والحالة النفسية ، والفيسيولوجية ، مستعينا بكل القرائن الممكنة لإبراز استحالةذلك النوع من الارتباط العشقي يقول الشاعر”

خطوط يدك رسوم

تشير بالأمنيات ، بأحلى السنين

وأما خطوط يدي

ففيها شقوق ..تنبئ بالموت حينا

( …) لا ينبت الزهر في ظل واد حزين

ولا يتقابل أهل الشمال

بأهل اليمين ” ص 72

فالمقارنة  بقدرما تعلو في هذه القصيدة ، تكشف عن العديد من الفوارق المعيقة للتعايش ، ستتميزبنبراتها الواقعية التي تفتح مرايا الداخل العاكسة للحقائق في ميزان العقل علىحساب العاطفة مؤكدة استحالة اقتران أصحاب الدماء الزرقاء بغيرهم من المنبوذين منأفراد الشعب إلا في القصص الخيالية.

3) سيرة الموت

تبرز فظاعة قتل الأطفال من خلال نقل مشاهد بشكل مباشرعلى شاشةالتلفاز . قتل لطفلة صغيرة كما جاء في قصيدة ” حلوى الموت ” ص63 ، يقول الشاعر “

كنا خلف الشاشات نراها

وكان الله

أكان ككل شعوب الأرض

داخل هذا الحي يراها ” ص 66

فمواجهة الفتاة لقدرها لم يكن يوضع في الحسبان وهي فيمواجهة حتفها بسبب غارة جوية “

لم يك في الشرع إلاها

بنت في عمر الزهر

وأقمار

تغتال من الجو صباها “ص 63

وقد عمل الشاعر على نقل أطوار اللحظات الأخيرة لهذهالجريمة البشعة ، وقد خالجة شعور غريب تحولت عبره الذات الكاتبة إلى محاورة لآلة الموت الفظيعة وهي تقرأ بلغة واضحة أحاسيسمؤثثات المكان “

لما اقترب الموت

تهادت في وجل قدماها

ياذا القاتل

لو برهة وقت تمنحها

كي تغمض

أو تذرف دمعا عيناها

( ..) أو تبسط ضفائرها

لو ذرة وقت تمنحها

كي تبكي

أو تصرخ “ماما “ص 64

إنها لحظة استجداء بالغة الأثر تكشف حسرة ، وحزنا ، عبرحوار داخلي راصد لأقسى حالات احتراق الذات الكاتبة الناطقة بأمنيات الفتاة الأخيرةفي الحياة ، لكن دون جدوى .”

من أنات الموت الساكن

في شفتيها

كان الموت

بكل لغات الأرض

لهذا الموت

يحث خطاها ” ص 65

وإلى جانب القتل يبرز الموت الطبيعي دلالا كذلك علىالفقد ، ورحيل أبدي ، كما في قصيدة ” سيد العزلة ” ص 67 والشاعر يسألالموت ذاته “

أكان لزما

على الموت موتك

يا سيد العزلة القاتلة ؟/ ص 67

( ..) ويأتي على غير عاداته

مثقلا بالأسى ؟ “ص 68

ثم ينتقل إلى رصد تفاصيله النابعة من الغياب المفاجئ ،وغير المعلن ، وهو يأتي على عجل ليحمل صاحبه إلى متواه الأخير، ما حز في نفسالشاعر الذي كان يود أن يحضر لحظات احتضاره الأخيرة “

على عجل ، رحت منا

وكان عليك انتظاري

قليلا

كان عليك انتظار المساء

لقد صار يكفي

مساء فقط ..صار يكفي ” ص 68

فالموت بقدر ما هو غياب ، يحمل معه صاحبه ، يحمل معهكذلك أمانيه وأسراره ، وحيل مسكون بالوجع والصمت ، والعزلة  القاتلة ..بالفقد الأكبر الذي يتبعه الاستسلاموالتسليم كرها ، من أجل النسيان .”

لم تقل …ربما

باسما ، كنت تمضي

كأنك تعرف

أنك لن ..

صرت مع الغائبين ، إذن ” ص 70

4) انتقاد المشهد الاعلامي

تتميز هذه القصائد بلهجتها التحريرية الجامحة في انتقادالوضع السياسي والاجتماعي ، وإماطة الأقنعة عن الواجهة الاعلامية التي يستخدمهاالنظام الحاكم في تزوير الحقائق وتشويهها بتقديم صورة مثالية عن الأوضاع داخلالبلاد ، ومن بينها وسائل الاعلام المسموعة كما في نص ” مذياع ” ص 33حيث لا يتوانى الشاعر في كشف الكذب الاذاعي والصحفي يقول مستهزئا “

لا يخجل

هذا المذياع المقرف يخذلنا

يجتر الوهم بلا أعذار

يكذب ، يكذب دون حياء

( ..) ويرد الصحفي عليه : صدقت

يباركه ويزور تاريخ الدنيا

فكلاهما كالمومس

يحترف الفتنة والعار ” ص 33

وقد وصل الضيق بالشاعر إلى حدود بعيدة حيث ما لبث أن بدامتذمرا في غضب متسائل “

هل داخل أوطان نحيا

أم نحيا في نشرة أخبار ؟ ” ص 34

فالسلطة التي تفرضها الكلمة في المنابر الاعلامية ستبرزبقوة في نص ” ميكروفون ” ص 12 ، سلطة تستمد مقوماتها من الكذب ، والزيف، والمراوغة . فالميكروفون ، يبزر في هذه القصيدة كتابع مطيع مردد لادعاءات صاحبهبأمانة وخنوع زائف يقول الشاعر “

رغم وضوح افترائي عليك

تسبح باسمي

ولي تنحني

هلام أجرك كالدليل خلف الخراب ؟ ” ص 12

إن هذا التساؤل ، بقدر ما يضمر اعترافا ضمنيا بالتأفف ،والرفض ،، فإنه سرعان ما سوف يرتكز على التشبيه للكشف عن فظاعة أكبر ، ممقت أخطرللواقع ككل . فالميكروفون بسلبيته وحياده ، اشبه بوضع قائم ، بدستوره المنزل منأعلى ، تسبح بنوده وفصوله وتحمدل بنعمة أولياء الأمر . يقول الشاعر “

كخاتم في أصبعي تدور

يا أيها المصدح ، وآسفي

كم تشبه الدستور” ص 13

إن الصورة الشعرية بقدر ما ترتقي في تداعياتها ارتكازاعلى التشبيه والاستعارة ، تعري عن واقع سياسي خال من كل معارضة حزبية ، حيث يدورالجميع في فلك يسبحون استسلاما وانقيادا في رتابة ، وهو ما دفع الشاعر للتمرد علىهذا الوضع متسائلا “

هل مرة ستتغير الأمور ؟

هل تثور ؟

أو كلما أدرتك

في لحظة تدور ؟ ” ص 13

5) الوجه القذر للأنظمة العربية

إن قصائد الشاعر محمد شكري ميعادي ، بقدر ما حافظت علىرونقها ، وبساطتها ، عملت على كشف الوجه القذر للمجتمع التونسي في ظل إرهاب الدولة، وهي في أوج قمعها ، بانتقاد ساخر معري عن الأساليب المتبعة من طرف المخبرين فيتقاريرهم حول انتماءات الأفراد وولائهم للنظام ، وعن الأوضاع فاضحا طرق تحريروشاياتهم  للنيل من كل المعارضين . ولعلقصيدة ” رفع التباس ” ص 31 هي تصوير حي لخبثهم وعدائيتهم ، وتتقاطع فينظرنا مع قصيدة ” مكالمة من هاتف مراقب ” ص 28 يقول الشاعر

” إذا أتاكم مخبر

بجملة من أسوأ الأخبار

مفادها بأنني أكرهكم

وأنني أشتمكم بالليل والنهار

فكذبوه سادتي ” ص 31

فالسخرية بقدر ما تتخذ صفة التشكيك ، تبرز في الواقععكسها ،وهو تتوغل بسلاسة نافذة نحو مزيد من التعرية لا التورية يضيف الشاعر “

من ظن أني عاتب

أو غاضب من سلطة

لا سمح الكبار

ها أنا أعلنها صراحة

مصدقا بكل ما تقوله الجرائد

ومعجب بكل ما تذيعه

مسليمات السينما ” ص /31/32

ومع توالي الفضح والانتقاد الساخر ، تبرز خاتمة القصيدةرغبة الشاعر وتوقه “

دعوت يا إلهي

إن كان حال جنتك

مشابها لجنتي

فاحجز لعبدك مقعدا في النار ” ص 32

فالوجه القذر للأنظمة البوليسية بالدول المتخلفة تبرز منخلال ممارساتها المشينة ، ومطاردتها للمثقفين والمعارضين ، وكل القوى الحية كما فيقصيدة ” المخبر ” ص 49 حيث تبرز بعض تجليات الاهانة الصادمة ، يقولالشاعر “

يا خضرة المخبر

لا تعبث بأوراقي وأمتعتي

ولا تكثر التحديق في شعري

وفي اركان محفظتي

ولا تسأل متى جئت

لا تسأل إلى أي اتجاه

سوف أتجه ” ص 44

فالشك في وطنية الأفراد بقدر ما تعمق الجراح في أنفسهمتولد الاحساس بالنبذ ، والتنقيص من قيمتهم ، ومن تاريخهم النضالي كذلك وعشقهمللوطن “

دمي هذا الذي يجري بأوردتي

جرى بالأمس من جدي

ومن أبت

ويجري اليوم إن همست

ولا يسمو على بلدي ” ص 44

في حين يبرز الوضع الاقليمي كجرح نازف في العراق ومدنه ،ونخله ، وأنهاره ، جرح  يثير الارتباكوالخوف ، ، ولا سبيل لعلاجه كما في قصيدة ” نزيف ” ص 14 في إحالة علىالتمزق الطائفي والعرقي ، واثار التدخل العسكري الأمريكي فيه .

فالشاعر سيطلب من الطبيب الكشف عن نزيفه ، وبعد تحديقهذه الأخير فيه  سيكتشف فظاعة الاحساسبالحزن ، جراء ما خلفته خدوش الروح تمزقا على مأساة هذا البلد الذي سيتخذ صورة جرحبليغ في جسد الأمة العربية يقول الشاعر “

وتمة موت مخيف

عاد الجرح ثانية

عاد من الجرح مرتبكا

صاح اتركوه ..اتركوه

فكل الشرايين اسرت

بعيدا ..بعيدا ..”ص 15

وهي جراح بلد مزقة شوارعه ، وأوديته ونخله ، شارع فيسمراء ، بيت في تكريت ، واد ببغداد ، نخل بدجلة ” أمكنة تضم بين حناياها آلافالقصص الوجعة ، والحكايات الفظيعة التي شبهت بخلايا ذات الشاعر ، وبأمكنة بينمرايا روحه ، لتشكل كتاب الجرح المفتوح “

فخلف الخلايا مرايا

وبين المرايا حكايا

وفوق الحكايا

كتاب مخيف ” ص 17

إن التدرج في الرصد اعتمد فيه على التبئير الدقيق لأصغرالأجزاء في ذات العراق ( الخلايا) فكل خلية تكشف مراياها مواجع متناسلة من مرآةلأخرى ، فهل قدر العراق أن يظل حزينا ، وأن يستمر نزيفه  في الجسد المثخن إلى الأبد ؟

6) رمزية المكان في ديوان الغيمة

عمل الشاعر محمد شكري ميعادي على تشييد مقارنات رمزية فيديوانه الغيمة لعل ابرزها ما جاء في قصيدة ” جنوب الكلام ” ص 17 بينشمال البلاد بهندسته المعمارية الدالة على تهيئيته العصرية ” شارع مستطيل /طريق طويل / انعطاف الأزقة / حي مستدير ” وهي مسارات مؤدية إلى بيت مريم (الكنيسة ) في إحالة مفهوم الشمال عموما  تناصياعلى الغرب ، وعلى الحضارة وهو ما أبرز خصوصية وملمحا خاصا”

وتدرك أن انعطاف لأزقة

في حينا المستدير

دليل إلى بيت مريم

حين تخون الخطى ، أو يشيح الدليل ” ص 17

في حين نلمس إشارات إلى فضاءات الجنوب ومناخها “منطقة الجريد التونسي ” طابعها البدوي ، ومناخها الجاف الذي تضحى معه مقاومةالحرارة صعبة بالمقارنة مع المناطق الشمالية التي تتميز بجاذبيتها وإثارتها “

فتنسى حرارة شمس الجريد

وتنسى نخيلا

كريما كأهلك كان

ككل بلاد الجنوب ” ص 18

إن هذه المقارنة سرعان ما ستجد أسبابها في ما تتوفر عليهالمناطق الشمالية وما تمارسه الطبيعة من إغراءات ،وهو ما يجعل الزمن يمر بها سريعاليدرك الشاعر المتورط فظاعة اختياره ، وبعده عن موطنه ..وأن ما كان يجري خلفه لميكن سوى سراب ليس إلا .

فالمكان هو الهوية ، هو الانسان ، هو الخصوصية ، والتميز، مكان نعتقد أنه يحملنا يؤينا ، لكننا في الواقع نحمله بداخلنا على الدوام .

7) الكتابة وآليات الاشتغال في الديوان

تنوعت آليات الاشتغال في هذا الديوان ، بين التأملالفلسفي في تماسه مع الشعر ، وبين التشييد المفارق والسخرية ، دلالة على جماليةالصمت .

فملامح التأمل الفلسفي الراقي تبرز في قصيدة “عراجين الغيب ” ص 22 التي تضع الذات محط سؤال عميق في مواجهة الغيب ،باعتباره مجهولا ولا تطال معرفته أبدا “

فالشاعر بفتحه لبوابة المجاز ومده لجسور الأسئلة ، يحاولفك بعض من رموزه لكن أسئلته تظل عالقة بقدر ما طوحت بأفكاره حجبت عنه كل أجوبةشافية ، في اصطدامه ومواجهته للفكر الظلامي الرافض لكل نبش في الثوابت يقول الشاعر”

وأحاول فك الرموز التي طوقتني

وألقي بأسئلتي

على شرفة في مدار الحجاب

أتساءل عن نفخة الله في روحها

وأعرف لم في تعاليمهم

لا يجوز السؤال “ص 22

إن المتأمل في خلق الانسان ، بقدر ما تتحدد له دلائل حولالقدرة الالهية في الخلق ” كالنفخ ” كما حدث مع سيدتنا مريم / وآدم عليهما السلام ، يظل مفهوم الخلق ذاته فيدائرة الاعجاز الرباني وتتعدد أسبابه واساليبه وطرقه ” خلقنا ، جعلنا ، نفخنا، أنبتنا ، أنزلنا ..” ولك طريقة تتحد وفق مسارها الخاص ، وهو ما جعل الشاعريتساءل ” عن نفخ الله من روحه فيه مريم ” ما يجعل السؤال ذاته بوابه نحوكشف الغيب ، ومحاولة للمعرفة . فالخطاب بقدر ما هو موجه للمتشددين ،والرافضين لكلتفسير خارج منطق النص ، لا ينفي على المجتهدين جبهم وأيمانهم بعظمة الخالق وروعةأسراره كما في قصة مريم عليها السلام وهو يسرد شعرا لحظات المخاض المبشرة بعيسىعليه السلام “

أغني لمريم أغنيتي

أردد أن لا ..تهزي

سيصاعد النثر

والشعر حولي والاغنيات

وتساقط الثمرة المشتهاة ” ص 24

فولادة القصيدة تأخذ مسارها الآخر المفاجئ دون اتصالجسدي بين الشاعر والفكرة ، قد تأتي هي الأخرى عبر قنوات مليئة بالأسرار كثمرة تقطفمن الغيب ، لأنها قصيدة غير عادية طابعها سيولد تشكيك الأخرين ، ومجد لصاحبها   يقول الشاعر “

سأحمل بعض يقيني وأمشي

إلى جهة الشك

أنى تضيع الدروب

 ولا يعترينيالضياع

أنا قامة المجد ” ص 26

فعراجين الغيب ، هي قصيدة توجه بوصلة الريح ، لا تطالأبدا ، لأنها تمتح من بوابات المجاز ، ومن متاهات الغيب .

فالقصائد تكتسب جماليتها وفرادتها من طابعها السهلالممتنع ، ومن قدرتها على خلق مفارقة عاصفة ، ومن سخريتها السوداء من الواقع .فالقوة بقدر ما ترصد في التشييد الذي يمضي متوازيا يبرز في ارتكازه على الوصفالسريع ، واستعراض مكونات المكان ، والزمان ، وكأنها قصص تستمد بعضا من مقوماتالومض . فالقارئ سيلمس عند قراءته للعديد من القصائد أنها لا تعتمد الغموض ،والترميز المبرح ، بل تتبع خط سير يرتحق من حيثيات الحدث بما قل ودل من كلماتوكأنها عين كاميرا متنقلة بشكل سريع من إطار بانورامي نزوحا نحو تبئير رهيب ، يقومبإبراز الهدف بدقة ساحبا المتلقي نحو زاوية لا يمكن لبصره التزحزح عنها .

فنص ” ايقاظ علمي ” ص 35 ، بقدر ما يبرز سلطةالمعلمة وهي تحاور تلامذتها عن فوائد الخبز ، وأهميته ، سنلمس بالتدريج تكسيرالهالة السؤال من خلال استعراض يقوم بتهريب الحكي من مجاله الصفي  نحو عمق انساني من خلال تدخل تلميذ ، يقولالشاعر “

قاطعها بالدمعة فاضت عيناه

طفل عاش يتيما منذ صباه ” ص 35 في إشارة نحو مفهومأعمق يبرز نوعا من التعاطف  مع الواقعالانساني في بعده الكوني . وبالتالي سيتبلور نحو ابراز مفهوم نضال الشعوب المقهورةمن أجله ( الخرز) ، وبعضهم يموت شهيدا وهو يواجه آلة القمع مطالبا بحقه منهوكرامته في العيش باسمه .يقول الشاعر “

الخبز له لون

وله طعم وله وزن ..

شكل ، رائحة أيضا

هذا عرفناه

وتناسينا

الخبز شهيدا ، يا سيدتي

هل ننساه ؟ ” ص 36

فالنص بقدر ما يقوم على المقارنة الساخرة يبرز طبيعةالمواجهة مع آلة القمع وجبروتها وهي تعمل دون هوادة على فرض مزيد من الاستعبادولاستغلال .

إننا في الواقع إزاء قصائد بقدر ما تعددت تقنيات بنائها، أفرزت في بعض النصوص تفردها الجمالي النادر الحضور في كتابات المبدعين التونسيين، فمع محمد شكري ميعادي نستحضر عوالم جمالية الصمت الذي بقدر ما ينتفي فيه الكلامواللغو والضجيج والصراخ ، تفتح أبوابا للتأمل العميق . فالصمت لغة عاصفة لا يدركقيمتها إلا من جاب عوالمها الحافلة بالتأمل والانصات الداخلي لذبيب الروح . ففي رحابالصمت ينتعش السؤال الحكيم على نار هادئة . وهو أمر نلمس دلالته في قصيدة “الخرساء ” ص 73 التي تبرز كمحاورة بين الشاعر وأصدقائه الذين لاموه على حبامرأة خرساء يقول الشاعر “

فن الكلام قرأته في ثغرها

وهي التي من صمتها أتعلم

لو تنطق الخرساء

لا شيء غير الصمت أطلبه

فإني لم أجرب صمتها بعد ” ص 73

وهو ما يجعل للصمت قيمة تفوق الكلام ، فالحكمة تاوية بينرحابه ، وغي عوالمه ، وإن كان لنا موقف من الصمت ذاته فإنه لم يعلمنا عبر عصورسوى  الخنوع والانقياد والحياد السلبي ،متحولا لرصاصة قاتلة  أو كصخرة سيزيفالثقيلة التي تعلمنا الانحاء كرها . ، والنظر إلى الأرض عوض التطلع نحو السماء,لأن الصمت موت ، وظلمة تقصي من حسابها بصيص النور ، والأمل ، تحجب الرؤية عنالروح ، وترقص ألما لنزيف الذات الجريحة .

لهذا سيظل الصمت موت رهيب ، لهذا  سيكتب للشعراء الخلود كلما صدحوا في مواجهة آلةالقمع ، وهو ما ستبره قصيدة ” الغيمة ” ص 49 باعتبارها الحاملة لعتبةالديوان ، ولكونها أطول قصائده على الاطلاق .

فالغيمة تتبدى في صورة غاز رهيب ،  محمل بالذمار ، وهو يخترق رأس الشاعر ، يتناثربداخله أعلانا على حصار مهول ، بقدر ما أفزعه ، أفزع غيره بما أحدثه من دوي عارم .يقول الشاعر “

وزلزلت الأرض

واجتمعت في القصر وجوه

تتنادى خلف الأسوار

تتعالى في الأفق بروقا

معلنة بدء الاعصار ” ص 48

وإزاء هذا الوضع المربك ، عمل الشاعر على لم شتات أفكارهفي محاولة لإبعاد جبروت الغيمة التي اجتاحت رأسه ، للعودة إلى رشده ، لكنها عودةكانت ممزوجة بشك تسرب ليقينه ، وهي تقلب عليه مواجع قديمة

كنت على جسد الأيام أ مر

وتمر على جسدي الايام

(..) كنت أصيح

اضجر صمتي

ولا أجتاز حدود الصمت

وأضمد جرحي

وأظل أسير ” ص 49/50

فالغيمة بزلزالها كغاشية هوجاء متربعة في صبح الظنون ،وليل اليقين ، وهي تأخذ تلوينات كل الفصول ، والوجوه ، لتبدو كغيمة غير عادية كفجرمشبوه ، عمل على إماطة أقنعة الزيف ، وستائر الأسرار ..غيمة ستدفعه هواجسه إلىاتخاذ الحيطة والحذر إزاءها يقول الشاعر “

لا تقصص في زمن الغيمة رؤياي

للغيمة وجه شرقي أمامه اختيارات ، عديدة لا تترك لهمجالا حقيقيا لذلك . لأنها توصد في وجهه الأبواب ، وكل المسارات والطرق بإغوائهاغير الواضح ، أو بما تضعه أمامه من اقتراحات غامضة . فهي كزيت هارب من عرقالفلاحين ، متبخرة كغثاء سيل بعرض البحر .

إن الاشتغال على الاستعارة في هذه القصيدة يحملها منالدلالات ما يجعلها مثقلة إلى حد كبير ، للكشف عما تفرضه الذات من ضياع ، وتخريبأشبه بنخل مجوف وأفق في صحراء كاذب ، بمواسمه الموحشة . وما تدروه رياحها من رمادفي كل مكان ، وهو تيه في الوقاع بطبيعة الاحتراق وولادة القصيدة الشعرية وحروفهاتتناثر من قلمه يقول الشاعر “

قلمي

يا هذا البحر الغارق في زورق جلاد

لو كنت اليوم كصحرائي

لنقلب موجك واشتد

وتبخر جزرك مخزونا وانتحر المد ” ص 53

فالقلم النازف هي ذات ستتحول إلى وطن محلوم به

 ” ومضيتلأزرع أحلامك في ضفة واد

قلمي

يا هذا الوطن الغابر

في وطني ” ص 53

فالقلم ذات مسافرة خارج وطن الحصار المكتوب شعرا ،والرفيق الذي يتقاسم معه أحزان الأرض ، والآمها ، لكنه يظل دوما مهددا في “زمن الغيمة ” باعتباره  زمن للقمعوالحصار المضروب على الفكر والثقافة وعلى المثقفين فالغيمة قدر مجنون “

( ..) يا قلمي الطيب

كن حذرا

لا تقصص في زمن الغيمة رؤياي اب كل الأبواب

وأنا قدري تائه

في مدخل باب ” ص 54

فالتوسل الموجه للقلم هو في الواقع تحذير موجه لذاتالشاعر ، بعدم الافراط في جرعاته الانتقادية الساخرة ، داخل وطن محاصر بزبانيةشداد ، ومما قد يلحقهم منهم من تنكيل كلما تمادى في رفع عقيرته بالاحتجاج الذييكتمه داخله ،وقد يتحول ضغطه إلى انفجار في أية لحظة “

أخرجني من صمتي القاتل

من نفسي ، من هذا القاموس الكاذب

أخرجني

كم موتا يوغل في جسدي ؟

اتركه …أخرج عن جسدي

أتعرى

البسها جسدا من نار

أكسوها مجازا عربيا ” ص 55

إن الحالة النفسية التي يمر بها الشاعر تكشف رفصه لكلالبطولات التي يتبجح بها   الطغاة ، لأنها في نظره مجرد بطولات زائفة منتاريخ ولى ومزاعم الزعماء والخطباء مجرد نسيج من خرائط الوهم ، لأنهم لا يعدون فينظره أن يكونوا مجرد أبطال من ورق . وصوتا لصدى موت فات .

فالتحذير في القصيدة يقدر ما يوغل في انتقاه الساخر ،يعري عن فظاعة العقلية العربية المتحكمة في دواليب السلطة وارتكازها على أمجادالماضي التليد في الوقت الذي يبرز فيه الواقع تخلفا وتراجعا كبيرا في الحاضر ، لأنالموطن العربي يعيش داخل مستنقع أسن يقول الشاعر “

اعرف أن قطار العودة من أزمان

مر، ونحن كأهل الكهف تماما

كنا رغم ضجيج العصر غفاة ” ص 57

فآلة القمع بقدر ما تتناسل كغيمة ويتكاثر زبانيها هي آلةلا تجيد سوى صنع الطغاة القساة “

تتناسخ في وطني الغيمة

تتولد غيمات

يتصاعد من بهو القصر

ضحك رسمي

موسيقى ، نغم ، كلمات

وعلى نخب الموتى

ما أوحش تلك الشطحات ” ص 57/58 “

فالغيمة هي قصيدة بقدر ما تنتقد الأوضاع المتردية داخللمجتمع التونسي ، تضع في قفص الاتهام كل الطغاة العرب ، قصيدة مفعمة بالأسئلةالحرجة التي جابت الذات الشاعرة وروحها لتكشف عن أغنية موحشة لرقصة الموت .

على سبيل الختم

لقد عمل الشاعر محمد شكري ميعادي في ديوانه الغيمة علىتقديم اشتغال متنوع ارتكز على  التأملالفلسفي ، والمفارقة الساخرة من المجتمع  (سياسة /إعلام / سلطة / ذات ….مواطنة زائفة ..) كاشفا في مرايا الأسئلة العاكسةعن تعرية للأحاسيس وما يصيبها من نبد وإقصاء وعن فظاعة القتل والموت  ..ومجالات أخرى منتقدا ما يمارس من حصار علىالابداع والمبدعين إخراس الأصوات الحرة كما لمسنا اشتغالا فريدا على جمالية الصمتورمزية الأمكنة وسيرة الموت

 

…….

المغرب .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى