مقداد عبد الرضا في «هرج»: شرفة البغدادي على مدينته

الجسرة الثقافية الإلكترونية

المصدر: الحياة

ظلت بغداد بحاجة الى لمسة أنيقة رحيمة بإنسانها وبثقافته، لا سيما مع تقدم الفظاظة السلوكية الناتجة عن تراكم عقود من العنف الجسدي واللفظي عبر حروب البلاد الخارجية والداخلية. وعلى رغم فسحات توفرها اليوم، نواد اجتماعية ومنتديات ثقافية، الا ان هناك من يرى أن «الفظاظة ظلت على حالها، حين انتقلت من إطارها السائد قيمياً الى الملتقيات الاجتماعية التي سيطرت عليها ثقافات وسلوكيات تتصل بقيم متخلفة تشكلها القوى المتنفذة في البلاد».

وفي محاولة للخروج من هذا الضيق الثقافي والانساني الذي تعانيه عاصمة كبيرة مثل بغداد، بدأ أحد اشهر ممثلي الدراما العراقية الرصينة في المسرح والسينما والتلفزيون، الفنان مقداد عبد الرضا، تنفيذ مشروعه الواعد وإن كان صغيراً، قائماً على توفير فسحة ثقافية – اجتماعية، في مكان صغير بأحد الاحياء الذي لا يزال يجاهد من أجل الاحتفاظ ببعض الملامح المدنية: الكرّداة، واختار تسمية «هرج» عنواناً للمكان.

وعن سر التسمية لمكان يأمل صاحبه واصدقاؤه ان يكون هادئا مع انه يتصل بمكان صاخب «سوق الهرج» بقلب بغداد: شارع الرشيد، يقول عبدالرضا: «اخترت «هرج»، كون مراهقتي تتعلق بشارع الرشيد تحديداً، وبما ان سوق الهرج يقع ضمن الشارع فحتماً سيكون المرور عبر المكان وعوالمه العجيبة، واليوم ها هو الهرج يجتاح البلاد وهذه الفوضى التي دمرت حتى ابســـط احلامنا، وهذا الدم الفائر في النفوس والاحقاد التي يبدو انها لن تنتهي».

ويضيف: «وحتى أُنهيها أنا بطريقتي اخترت ان اذكر ان في داخل هذه القاعة الحميمة سلام طيب، يدفع ولو بحكاية او صورة او مقطوعة او فيلم بالهرج الذي يجتاح البلاد، «هرج» شرفة تطل على الحنين او على الانصات لأن في الإنصات رفاهية لا تضاهى».

وعبر المشروع يواصل عبد الرضا، ما كان قد بدأه سابقاً خلال العقدين الماضيين وسحقته البلاد في ماكينة تحولاتها العنيفة الصاخبة. ويصف «هرج» بأنه « مشروع بسيط في كل شىء، الا في استقبال من يجزع من هرج البلاد وصخبها. فهناك مكتبة لكتب السينما والمسرح والرواية والشعر في المقدمة، وموسيقى من كل انحاء العالم، والبداية من العراق، وافلام من كل انحاء العالم. تجارب سينمائية مهمة، وعروض لافلام عراقية قصيرة مهمة لم يتعرف عليها كثيرون، مثل فيلم «حكاية للمدى» عن النحات الراحل يحيى جواد والذي كتبه رياض قاسم وأخرجه الراحل بسام الوردي ومثلّه سامي عبدالحميد.

ثمة أيضاً تجارب شباب العالم في السينما، وشباب العراق، سيعرضها عبدالرضا ويساهم في الترويج لافلامهم في العالم، والمساعدة في تأمين كاميرات للتصوير ومعدات الاضاءة والمونتاج، وثمة قسم صغير لإبنه سامر لينجز مع اصحابه مايحلمون به سينمائيا.

وعن الجانب الاجتماعي- الثقافي لـ»هرج» يقول صاحب الدور المهم في فيلم «عرس عراقي»، انه سيضم «كافيه صغيراً يقدم البارد للذي قلبه يفور، والحار للذي قلبه جزء من سيبيريا، اعرف ان بنات البلاد الحلوات يتعرضن الى العنف وليس لهن مكان لفرحهن، القاعة سترحب لمن تريد ان تحتفل بعيد ميلاد او لقاء او دعوة رفيقاتها، ماعدا يوم الخميس حين سيكون في القاعة عرض لفيلم عند الساعة 11. وقريباً سأبدأ بمشروع مجلة اسمها «هرج» تعنى بتاريخ البلاد الصوري مع شرح بسيط لكل صورة».

وعن بغداد يقول عبد الرضا: «أفكر منذ مدة طويلة كيف يمكن الهروب من هرج البلاد، خصوصاً قلبها وأعني بغداد، هل أتركها وأموت؟ انها عصية على المغادرة، مرة فعلتها وراودني شعور الموت عنوة، هل أظل في هذا «الهرج» العارم واتبخر معه واكون ضمن هذا القطيع العجيب الذي يؤسس لثقافة الخشونة والجلد ودحر اللياقة؟ احلامي لا تطاوع، بل قل ايامي لاتطاوع».

وصاحب الثقافة السينمائية البارزة بين مجايليه من فناني العراق، كان قد أسس أول ناد للسينما في منتصف تسعينات القرن العشرين بدعم من التشكيلية الراحلة ليلى العطار. حمل النادي اسم «سكرين11 «، واليه كان يأتي محبو الجمال ورواد المعرفة والانصات كل خميس، وصار جزءاً من «زهو بغداد وجمالها». ومن ثم بدأ المحاولة مجدداً حين أسس عام 2010 قاعة لـ»متعة البصر والصحبة» في أحد الفنادق الكبرى بالعاصمة، لكن سرعان ما اطاح الفندق مشروعه، فقُلع المكان برمته وتبعثر كل شيء، حتى ان قسماً من محتوياته قد سرق، ليقرر «افتتاحاً غير رسمي» للمكان الجديد، على ان يكون «الافتتاح الكبير» بعد عيد الفطر.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى