مكفوفون يقرأون «طيور أيلول» بطريقة «برايل»

الجسرة الثقافية الالكترونية

*ملاك مكي

المصدر: السفير

 

م يروا صور الطيور، ولم يعرفوا مشهد القرية، غير أنهم قرأوا رواية «طيور أيلول» بلغتهم، أي بطريقة «برايل» التي يستفيد منها المكفوفون للقراءة بواسطة حاسة اللمس، وشاركوا، أمس، باللقاء الحواري مع الأديبة ايميلي نصرالله الذي دعت إليه «اللجنة الوطنية اللبنانية لليونيسكو» ضمن نشاطات أسبوع المطالعة الذي يمتدّ بين الثالث والعشرين حتى الثلاثين من الشهر الحالي. يعرّف المشاركون المكفوفون بأنفسهم، هم الذين يتابعون دراساتهم، أو أنهوا تعلميهم وحصلوا على شهادات جامعية أو مهنية برغم الصعاب التي يواجهونها ويصفقون لبعضهم البعض على إنجازاتهم.

تقول رنا، وهي تمرّر أصابعها على أرواق الراوية، إن قراءة الرواية أغنت فكرها وخيالها، وإنها بكت، في الكثير من الأحيان خلال القراءة، خصوصا عند النهايات الحزينة. أعادت لي قراءة الرواية، وفق سناء، مرحلة المراهقة وذكرتني بوجع الشعب الفلسطيني الذي هجر أرضه، وفهمتُ عبرها عشق جدي وجدتي لرائحة الأرض والليمون في فلسطين. يحمل علي يونس الأوراق، يعيد تمرير أصابعه عليها مراراً وتكراراً فيردف بأن الرواية ذكرته بالتقاليد والعادات في القرية في الماضي. تتحمس مارلين لإعطاء رأيها، تبتسم حين يتأخر دورها في الكلام، وتشير إلى أن الرواية واقعية، غنيّة بالصور والإبداعات وإلى أن «كل واحد بيننا هو طير من طيور أيلول، وكل فرد يرغب في المغادرة للبحث عن مكان أفضل». تكتب فاطمة الشعر الوجداني والواقعي، فشكلت قراءة الرواية دافعاً لها للاستمرار في الكتابة. تنصح نصرالله فاطمة بالمثابرة على كتابة ما تشعر به، وما تختبره في الحياة «إذ نكتب أنفسنا، وجداننا، تجربتنا في الحياة التي تختلف عن تجربة جيراننا، وإخواننا..». شعرت زينب، خلال قراءة الرواية التي استغرقت معها عشرين يوماً، بالسعادة إذ زودتني الرواية بمعلومات لا أعرفها وأغنت ثقافتي. يشكل كتاب «طيور أيلول» الرواية الأولى التي تقرأها نور، استغرقت معها عشرة أيام وكشفت لها عن معتقدات الأفراد في الماضي خصوصا عن حياة الفتيات والتقاليد الاجتماعية التي تحرمها من التعليم. يلفت شادي إلى أنه حين بدأ بقراءة الرواية، شعر «ببحر زاخر»، إذ لم تجسد نصرالله القرية فحسب بل عبَّرت عن الفتاة التي غادرت قريتها لتكتب عن التقاليد والعادات القروية، فتصوّر الرواية، بالتالي، حياة أي قرية في العالم وليس في لبنان فحسب.

لم تحظ رنا، وفاطمة، ومارلين، ونور وشادي وغيرهم بالقدرة على رؤية الأشياء والعادات والألوان في القرى من «لقاءات وسط الساحة»، أو أزهار اللوز، وغيرها. غير أن قراءة الرواية، وفق نصرالله، تساعد المكفوفين على التعرف إلى ما لا يمكن لهم رؤيته «أشعر باكتفاء ذاتي، وبسعادة عامرة إذ سمح لي اصدار رواية «طيور أيلول» بطريقة» البرايل» بالدخول إلى حياة المكفوفين وعوالمهم».

تلفت المديرة السابقة لـ «المدرسة اللبنانية للضرير والأصم « في بعبدا وداد لحود إلى أن قراءة الروايات أو الاستماع لها يُنمي خيال المكفوف، ولو كانت وتيرة القراءة أبطأ بطريقة «البرايل»، وهناك نقص في الكتب أو الروايات الصادرة بطريقة «البرايل» في لبنان. تقترح الخبيرة التربوية في وزارة «التربية والتعليم العالي» إلهام قماطي ضرورة تخصيص جناح خاص في «المكتبة الوطنية اللبنانية» للكتب الصادرة بطريقة «برايل» لعدم حرمان شريحة من الأشخاص من متعة القراءة واكتشاف الإبداعات الأدبية والفنية التي تضفي الأمل في نفوس القراء.

تشرح الأمينة العامة «للجنة الوطنية اللبنانية لليونيسكو» الدكتورة زهيدة درويش جبور أن اللجنة قامت، بالتعاون مع وزارة التربية ودار النشر (هاشيت أنطوان/نوفل) ودار التراث في أواخر العام الماضي، بإصدار روايتين «طيور أيلول» للأديبة ايميلي نصر الله، و»الزنبقة السوداء» للمؤلف الفرنسي الكسندر دوما بطريقة برايل لإغناء المكتبة المتخصصة بذوي الإعاقة البصرية. وجاء اختيار رواية «طيور أيلول» لما تتناوله من مواضيع في شأن المرأة، والهجرة، والانتماء إلى الأرض، وحصلنا على الموافقة على إصدار «الزنبقة السوداء» باللغة الإنكليزية بطريقة «برايل». تم توزيع النسخ مجاناً على المؤسسات المعنية ليقرأها المكفوفون ويستفيدوا منها. ويعزز لقاء المكفوفين مع نصرالله ثقتهم بذاتهم وقدراتهم النقدية إذ ليسوا قراء متلقين فحسب بل إنهم يتفاعلون مع الرواية ومدلولاتها الشخصية والاجتماعية ويعبرون عن رأيهم بذلك.

ينهي المجتمعون اللقاء. يحمل المكفوفون كتبهم، يضمّون الأوراق بين أذرعهم، يمسكون بأيادي بعضهم البعض، ويغادرون المكان. غير أن الرواية لم تنته، فهم يحيكون قصصهم اليومية في أجسادهم وأفكارهم، وإن كانوا لا يروون ما نراه، نحن المبصرين، ولا يشاهدون ما نشاهده غير أنهم يكتبون قصتهم، بلغتهم التي ربما نحتاج وقتاً كثيراً حتى نلامسها بأيادينا. هم يلامسون بأصابعهم الأحرف التي نكتبها، لكن من يستطيع منا أن يلامس ما يكتبه المكفوفون في خيالاتهم؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى